من التعاليم التي أكد عليها القرآن الكريم : الدعاء ، والعمل ، والجهاد . فالجهاد يذكرنا به استمرار ائمتنا ووعاظنا وشيوخنا الأجلاء طيب الله ذكرهم ، ورفع قدرهم ، لرفعة الدين الاسلامي الحنيف وعزة المسلمين. وفي الجهاد قال تعالى :(وجاهدوا في الله حق جهاده – الحج 78). كما يدعوا الخطباء دائما الى الجهادفي سبيل الله لنصرة الدين ومقاومة الغزو الصليبي الغربي والأمريكي الفكري والعسكري الموجهة ضد الاسلام والمسلمين للنيل منهما والقضاء على الاسلام واتباع ملتهم :( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم– البقرة 120)، إلا إنه قال: (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا – الفرقان 52) ، واستجابةلقوله تعالى:(وقال ربكم أدعوني استجب لكم – غافر 60) يجتهد الداعين بأدعية في المناسبات المختلفة ، فمن الأدعية ما تتعلق بالدعاء للإسلام والمسلمين وعلى الكفرة والملحدين أعداء الدين . يدعون للإسلام بالعزة والرفعة والنصر على الأعداء نصرا مؤزرا ، ويدعون على الكفرة والملحدين والشرك والمشركين بزلزلة الارض من تحت أقدامهم ، وإذلالهم ، وتيتيم أطفالهم ، وترميل نسائهم واخذهم أخذ عزيز مقتدر ... وخلال الدعاء تشرأب أعناق المسلمين الى عنان السماء ، وتتجاوب حناجرهم مع الدعاء وهي قانتة مخلصة قائلة بصوت واحد " آآآمين "
أما العمل الذي أمرنا الله به في قوله تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون – التوبة 105) فلا نسمع كثيرا من يذكرنا به بشكل شامل ، على الرغم من أهميته القصوى لإعمار الارض وللتجهيز للجهاد لنشر دين الله . قال تعالى ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم – النور 24) . لذا فالاستخلاف في الأرض لإعمارها مرهون بالإيمان والعمل الصالح . العمل بالسلطان الذي اشار الله به في الآية الكريمة :( يامعشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطارالسموات والارض فانفذوا لا تنفذوا إلا بسلطان– الرحمن 33) .
وللجهاد المؤزر علينا أن نعمل لنستعدله كما أمرنا الله به في الآية الكريمة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل – الانفال 60) علينا أن نستعد بقوة تضاهي قوة العدو إن لم تفوقه بحيث يفاجأ ويرتعب لها . قوة (ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم – الانفال 60) . في هذ الحالة من الاستعداد للجهاد يأتي وقت الجهاد ، وبدون ذلك فإننا نعرض أنفسنا للتهلكة التي نهانا الله عنها بقوله ( ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة– البقرة 195). نجاهد عندما نكون مؤهلين ومستعدين للجهاد نستميت في مقارعة العدو ، ولا ننسى الدعاء الذي أمرنا الله به في قوله تعالى : (وقال ربكم أدعوني استجب لكم– غافر 40 )
لننظر الى حال الأمة التي تطالب بالجهاد ضد الكفرة والملحدين أعداء الدين . إننا نعتمد في الوقت الحاضر على هؤلاء الكفرة في توفير معظم متطلباتنا المعيشية بما في ذلك الغذاء والملبس والمأوى . وحتى السلاح الذي نريد أن نحاربهم به ، والذي امتلكناه حاليا منهم لنحارب بعضنا البعض فهو من صنع المصانع التي يمتلك معظمها اليهود الذين يجنون ارباحا طائلة منها . يكاد لا يخلوا منزل من وجود متاعأوجهاز أو سلاح صنعه الكفار واليهود ، فكيف نستطيع الجهاد ضد هؤلاء الذي لديهم مفاتيح حياتنا الدنيوية . إننا غير مؤهلين في الوقت الحاضر للجهاد ، لذا كان الأحرى بناحاليا ان نكرس دعوتنا للعمل والعمل ،والعمل الجاد ، حتى نحقق الاكتفاء الذاتي من غذائنا ومتطلباتنا المعيشية ، ونتحرر من تحكم الكفرة في متطلباتنا الحياتية الأساسية اليومية .علينا أن نوجه أولادنا وشبابنا لمواصلة التعليم العلمي الذي يؤهلهم لإنتاج التقنيات ، لا أن نوجههم فقط الى العلوم الشرعية وترك مواصلة التعليم الرسمي بحجة إن التعليم الرسمي هو تعليم دنيوي . فبسبب هذا الخطاب الديني والنظرة الأحادية ترك الكثير من الشباب المبدع الدراسة الرسمية ملتحقين بالتعليم الشرعي الغير النظامي . أبلى هؤلاء الشباب بلاءا حسنا كطلبة علم شرعي وأبدعوا ، وتوزعوا على معلميهم من الشيوخ ليتبنى كل منهم وجهات النظر الخلافية لشيخه ، وبالتالي ضياع الكثير من الطاقة والجهد والوقت في نقاط الخلاف الدينية. وعن العلوم الدنيوية والتقنيات فقد قال أحدهم " الحمد لله الذي سخر لنا اليهود والنصارى لكي يعملوا وينتجوا التقنيات ونتفرغ نحن المسلمون لعبادة الله "ويضيف : حسب قوله تعالى: ( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون–الذاريات56) ..
فبسبب الاتكالية والتكاسل عن العمل لم تتمكن بعض الشعوب على انتاج غذائها ولذلك تبسط الحكومات يديها للدول الخارجية والمنظمات الدولية للحصول على القروض الربوية والمساعدات المشروطة لتوفير لقمة العيش لمواطنيها الذين لم يستطيعوا انتاج غذائهم ، وفي هذه الحالة تقبل الحكومات الضعيفة مضطرة الشروط التي تفرض عليها .
على الدعاة والخطباء والعلماء والشيوخ الأجلاء أن يزيدوا في خطبهم على حث الشباب على التعلم والتعلم والتعلم . التعلم ليس فقط العلوم الشرعية بل ايضا الحث على تعلم العلوم الطبيعية التطبيقية والدنيوية التي تنتج التقنيات الذي تفوق الغرب بها علينا في هذا العصربسبب اخذهم بأسباب التعلم . وهاهم الآن يتحكمون بها في حياة الشعوب الأخرى .
لقد كانت أوروبا والدول الغربية خلال القرون الوسطى (القرن الثالث عشر حتى القرن السادس عشرالميلادي ) تعيش في تخلف وجهل كبيرين في حين كانت تلك القرون وما سبقها من قرون بمثابة عصر ازدهار حضاري وعلمي وتقني وثقافي مشرق بالنسبة للعالم العربي والاسلامي ، حيث تم في ذلك الوقت الأخذ بأسباب العلم وفتح باب العلوم التطبيقية وتشجيع طلبته، في حين كانت أوروبا غارقة في ظلام دامس بسبب حصر علمهم وتعاليمهم على علم وتعاليم مرجعيتهم الدينية وهي الكنيسة في ذلك الوقت واغلاق باب العلوم التطبيقية الطبيعية ونبذ المجتهدين منهم والحكم عليهم بالزندقة والكفر والفجور.
لقد بدأت صحوة أوروبا الحضارية في القرون الوسطى خلال الفتوحات الاسلامية وهي المرحلة الانتقالية الى العصر الحديث . لقد بدأت صحوتهم عدما اكتشفوا عند تواصلهم واحتكاكهم بالعالم الاسلامي التراكم المعرفي الكبير والجامعات ، والاختراعات والاكتشافات التي حققها علماء العرب والمسلمين أمثال : جابر بن حيان (أبو الكيمياء) ، ابن البيطار ( عالم النبات) ، ابن سيناء (ابو الطب) ، الفارابي (ابو الفلسفة الاسلامية ، الادريسي (أبو الجغرافيا) ، الدميري ( عالم الحيوان ) ، ابن ماجد (أسد البحار) ، القزويني (عالم الجيولوجيا) ، بن يونس (عالم الارصاد) ، ابن الهيثم (عالم البصريات) ، ابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى ...وغيرهم. جميع هؤلاء العلماء انحدروا من أسر متواضعة ، اجتهدوا ووجدوا تشجيعا من الأسرة ومن المجتمع ، وبدأوا حياتهم العلمية بحفظ القران وعلومه ، والحديث والفقه ، ومنها انتقلوا الى العلوم الأخرى فابدعوا ايما ابداع.
نتيجة لهذه الصحوة قامت الدول الأوروبية بابتعاث طلبتهم للدراسة في الجامعات والمدارس وبيوت الحكمة العربية الاسلامية للتلمذة على أيدي العلماء المسلمين ، واستقدام العلماء المسلمين الى أوروبا لفتح الجامعات وللتدريس فيها، وتشجيع تعلم اللغة العربية لتسهيل التواصل ولترجمة العلوم والمعارف الاسلامية الى لغاتهم وتدريسها في الجامعات الأوروبية ، كما انفتحت االكنيسة على العلوم التطبيقية وشجع البابوات الولوج الى عصر الحداثة والنهضة العلمية الشاملة.
أين نحن الآن من علماء العرب والمسلمين خلال عصر النهضة الاسلامية الذين وصلوا الى أعلى مراتب التقدم في ذلك الوقت . إن من وهبه الله قدر من الذكاء والابداع من طلبتنا في هذه الايام متى ما حفظ القرآن أو جزء منه وتعلم ما تيسر له من العلوم الشرعية الأخرى يجلس في برج عاجي ، ويجمع حوله أنصارا ومؤيدين ، ويوهب نفسه للعلوم الشرعية ويستغل طاقته وقدراته الفكرية والابداعية والكلامية للخوض في نقاط الخلاف التي قد تتسبب في ايجاد جماعات اسلامية مختلفة في وجهات النظر، وقد تتطور العلاقة بينهم الى علاقات تصادم ، في حين كان يمكن أن يستغلوا قدراتهم الفكرية وذكائهم الفطري وطاقاتهم في سبر أغوار العلوم التطبيقية الطبيعية الأخرى التي تنتج التقنيات التي يمكن أن نقارع بها الكفرة في الغرب والشرق على طريق الاستعداد لجهادهم ونشر دين الله في ارضه .
ايها الدعاة أيها الشيوخ الأفاضل ، أيها العلماء والخطباء لنشجع الابداع والتفوق العلمي ،وليكن هدفنا الاعتماد الذاتي والتفوق التقني والعلمي على الغرب . لنخفف من حدة خطاباتنا ولنثبت إننا أصحاب حضارة إنسانية وثقافة عريقة وسلوك متحضر ، لنصطف سويا في صف واحد ،لنحسن نوايانا ونترفع عن صغائرنا وزلاتنا ونتسامح فيما بين أنفسنا أولا، ثم مع بعضنا البعض ،أن لا نخوض كثيرا في خلافاتنا ، ولنوحد طريقنا للوصول الى الهدف المنشود . وبهذا يمكن أن نختصر الوقت ونقلل الجهد والطاقة والموارد والدماء للوصول الى الهدف .
إننا لن نستطيع مقارعة الأعداء إلا بنفس الأسلوب الذي يحاربوننا به . إنهم يحاربوننا بغذائنا فلننتج غذائنا ، يحاربوننا بالتقنيات فعلينا أن نعمل جاهدين حتى نتفوق عليهم فيها ، ويحاربوننا بنشر الدعايات المغرضة عبروسائل الأعلام التي يمتلكوها فلنثبت لهم عكس مقاصدهم ، يحاربوننا باختراق ديننا الحنيف فلنتفكر في المفاهيم المدسوسة والتعبئة الغير سليمة والسم المدسوس في العسل ، كما يقال ، يحاربوننا بإظهار إننا متخلفين متوحشين في حين هم وديعين متطورين ، ونحن للأسف نساعدهم في كثير من الأحيان على ذلك .
إن علينا يا علماء اليمن الشرعيين الأجلاء، أن نقف وقفة مراجعة تقييمية أمام أنشطتنا وفعالياتنا خلال الفترة الماضية متجردين من الذاتية ومن النظرة الأحادية .علينا أن نقيم فيما إذا كسبنا أم خسرنا ، وفرنا أم أضعنا ، تقدمنا أم تأخرنا ، بنينا أم هدمنا ، أفدنا الاسلام والمسلمين أم تسببنا في إلحاق المزيد من الضرر بهم ، تسببنا في حقن دماء المسلمين أم تسببنا في اهدارها ، حافظنا على الموارد والبنية التحتية للمسلمين أم تسببنا في تدميرها ....وبناءً على هذا التقييم يمكن اتخاذ قرار الخطوة اللاحقة بعقلانية ، بعيدا عن العواطف ، ولا بأس من خطوة الى الخلف بهدف التزود بوسائل التمكين للانطلاق الى الأمام .