كانت كيكو أوكاشي تحلم بتقاعد هانئ في مرفأ مياكو الصغير… لكن التسونامي الذي ضرب البلاد ترك المرأة السبعينية من دون سقف يأويها ومن دون مستقبل، تماما كما كثيرين من كبار السن في شمال-شرق اليابان. وهي تراقب الركام الذي كان قبل أسبوع يؤلف منزلها، لا تجد كيكو كلمات تقولها سوى: "إعادة البناء؟ لا بد من النجاة.. قبل كل شيء". ومنذ وقوع الكارثة في ذاك اليوم، كل ما يهم كيكو وزوجها يختصر بكيفية اتقاء البرد والعثور على مأوى وغذاء. لكن سرعان ما ترسم كيكو ابتسامة عريضة على محياها وقد رأت فجأة صديقة انقطعت أخبارها منذ وقوع الكارثة. فتشبك المرأتان يديهما وتقفان لبرهة وقد اعترتهما الدهشة.. هما ما زالتا حيتين ترزقان وسط مشهد الدمار هذا. وكما هي الحال في عدد من بلدات شمال-شرق اليابان، تحصي مدينة مياكو الصغيرة نسبة كبيرة من السكان المسنين. فشبابها يهجرونها بحثا عن فرص عمل في مناطق أخرى أكثر ازدهارا وحركة. إلى ذلك تفسر مميزات اليابان الديموغرافية أيضا سبب ارتفاع عدد المسنين هذا. فهي تسجل المعدل الأكبر لطول العمر عالميا، مع 86,4 سنة للنساء و 75,6 سنة للرجال. لكنها أيضا تسجل إحدى نسب الولادات الأدنى عالميا. في مياكو، المسنون هم أكثر الذين تضرروا من الأمواج العملاقة التي تولدت فجأة بعد دقائق عدة على الزلزال الذي بلغت قوته 9 درجات على مقياس ريختر، وهو الأقوى في تاريخ اليابان. ويتأسف كوهي كاتزوياما (في الستين من عمره) قائلا "كثيرون هم هؤلاء المسنون الذين حاولوا الفرار بأسرع ما يمكن، لكنهم فشلوا. أعتقد أن عددا كبيرا منهم قضى". لكن المحن بالنسبة إلى الناجين، ما زالت في بدايتها. فهؤلاء الذين وجدوا لهم ملجأ في مراكز الرعاية، قضوا أيامهم الأخيرة في العوز والفاقة في ظل انقطاع في التيار الكهربائي ونقص في المياه. وقد زاد البرد القارس كما سقوط الثلوج من حدة هذه الظروف الصعبة… وهما أمران غير اعتياديين في بداية فصل الربيع. من جهتها أعلنت وسائل الإعلام عن ارتفاع في مخاطر الإصابة بأوبئة الإنفلونزا والالتهابات المعدية المعوية في هذه المراكز، بالإضافة إلى ارتفاع في وفيات المسنين الذين يواجهون ضغوط ما بعد الكارثة. ويبدو المستقبل قاتما. فعدد كبير من سكان مياكو يعانون من ضائقة مالية، بحسب ما تشهد مساكنهم المتواضعة التي شيدت بواسطة مواد قليلة الكلفة. وترثي كيكو أوكاشي لنفسها قائلة "الفوضى في كل مكان… فقدت أشياء كثيرة". وإلى جانب زوجها راحت تبحث عن مدخراتهما. فهما وكما عدد كبير من اليابانيين فضلا الاحتفاظ بما يملكان في منزلهما وليس في مصرف ما. لكن عملية التفتيش تأتي محفوفة بالخطر وسط هذا الركام المتحرك الذي يحاول زوجها البحث فيه بعناية. وكلما غاب عن ناظريها تنده له سائلة "هل أنت بخير؟". وها هو يظهر وبيده كتاب.. هو أول ما يعثر عليه. على الرغم من كل الخيبات، تصر تايكو يوسوكا (في السبعينات من عمرها) صديقة كيكو على عدم فقدان الأمل. فتقول "صحيح، الأمر صعب. لكن لا بد من الإتيان بفعل ما. وطالما أنا قادرة على تأمين لقمتي، فكل شيء سوف يكون على خير ما يرام".