عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    الكشف عن ترتيبات أمريكية مؤلمة للحكومة الشرعية وقاسية على القضية الجنوبية    عبدالملك الحوثي يكلف هذا القيادي بملاحقة قيادات حزب المؤتمر بصنعاء ومداهمة مقراتهم وما فعله الأخير كان صادما!    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    محمد علي الحوثي: "غادري يا ميسون فهو الأفضل لش".. بمن يتغزل "الطبل"؟    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    نجل قيادي حوثي يعتدي على مواطن في إب ويحاول ابتزازه    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    مليشيا الحوثي تواصل اختطاف خبيرين تربويين والحكومة تندد    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن شيخوخة الفقراء
نشر في المساء يوم 24 - 09 - 2013

بين صفين من العمارات، يجلس عشرات الشيوخ على قطع كارتون، يلعبون الورق والشطرنج البلدي، يتجادلون عن تكاليف المعيشة بصوت منخفض وفي السياسة بصوت مرتفع، لا يستخدمون مصطلحات سياسية لكن لديهم معجم فلاحي عميق يفي بالغرض. يجلسون في ظل لافتة كبيرة تروّج لمشروع سكني بصور رومانسية، تتجول حولهم كلاب ضالة متمدّنة صامتة لا تعضّ.

يغادرون مساكنهم مبكراً كالعادة كل يوم نحو هذا الفضاء المسمّى حديقة عمومية. فيها بقايا عشب وأشجار متناثرة. حولها سياج حديدي عبثت به الأيدي فكثرت فيه المداخل التي تسمح بتأمّل شيخوخة الرجال معروضة في حديقة، أما البحث في شيخوخة النساء فأمر آخر. لأن الرجال يموتون مبكراً والنساء يعشن أكثر، وهذه محنة للفقراء.

يقصد المسنون المكان هرباً من ضجيج الأولاد والأحفاد والمطالب التي لا تنتهي. في هذه الحديقة القرعاء، التي يوجد لها شبيه في جل أحياء مدن المغرب، يجلس الشيوخ «لقتل الوقت»، يقتلون ما تبقى من أعمارهم. لا يدرون كيف يستثمرون الوقت فيصير صخرة تسحق أكبادهم. ينهكون أنفسهم في جدل الورق والشطرنج البلدي الذي تتشابه فيه كل القطع... يعيشون في بيئة نابذة، وقد ولدوا وتربّوا في مساكن أفقية، بينما يقضون شيخوختهم في مساكن عمودية يقع فيها الجار فوق أو تحت وليس بجانب. يواجهون تحضراً سريعاً غير مهيكل لا يوفر لهم
بنيات استقبال.
لذا فهم متروكون لمصيرهم في زمن سائب. يتزايدون يوماً بعد آخر كما تؤكد ذلك إحصاءات المندوبية السامية للتخطيط. حالياً يتجاوز عدد المُسنين المغاربة الذين يزيد عمرهم عن 60 سنة 2.9 مليون شخص. وهذا رقم مرشح للتصاعد. ففي 1982 كان هناك 800 ألف مغربي فوق سن 65 عاماً. في 2013 صاروا مليونين. وسيصير عددهم ثلاثة ملايين سنة 2022 وأربعة ملايين سنة 2028.
تضاعف إذاً عدد المسنين في ثلاثين سنة، بين 1982 و2013. وسيتضاعف من جديد في خمس عشرة سنة، بين 2013 و2028. أي في نصف المدة السابقة.
في السنوات الماضية، كانت تجمّعات المسنين في الحدائق العمومية نادرة، وحتى إن وجدت فليست بحجم يثير انتباه المارة. أما الآن فتجمّعاتهم كثيرة وظاهرة، خاصة في الأحياء الشعبية، حيث تصعب تسمية المسنين بالمتقاعدين. ونادراً ما تصل أضواء وكاميرات وسائل الإعلام لهؤلاء الشيوخ الذين فقدوا القدرة على الاحتجاج. يجري التركيز على سن المراهقة الذي يحظى بتغطية إعلامية كبيرة، إذ يحضر المراهقون في المدرسة وفي الوصلات الإعلانية لأنه يجبر والديه على الشراء. وهذه فترة عمرية استنزفت، ولا تُقدم جديداً للسوسيولوجي البصاص. لذا عليه البحث عن فضاءات جديدة للتقصي.
لا يوجد ما يمكن البصّ عليه في المكتب، لأن «الوقائع» تجري خارجه. لذا يفرض التقصي على السوسيولوجي البصاص أن يغادر مكتبه. أن يخرج للشارع. أن يمشي تحت الشمس.أن يمرّ في أماكن مغبرة. أن يتخلى عن بحثه المَرَضي عن الأمان. حينها يقترب من موضوعه أكثر. يصير طرفاً. ولا معنى لما يبص عليه إن لم يكن حسه مرهفاً يتوجع لحجم اللاعدالة، إن لم يكن متعاطفاً مع ضحايا الوقائع. خاصة حين يتعلق الأمر بنساء ورجال بلغوا من العمر عتياً، وما عادت أجسادهم تطيع أرواحهم، وهذا يولد ألماً كبيراً. ألم معدي، لأنه حين يتأمل الفرد محنة المسنين يرى مستقبله بوضوح، يرى مشاكل الأولاد والصحة والمال.
يعتقد الناس أن الأولاد يطيلون العمر، لذا ينجب الفقراء كثيراً ليكون أبناؤهم ضماناً اجتماعياً وتقاعداً لهم. لكن صعوبات الحياة تعاكس هذا التوقع. وفي حالات، يرحل الأبناء ويعيش المسنون صقيع الوحدة. يحل التواصل الافتراضي محل التواصل الحقيقي. عندها، فما يزعج الأبناء ليس موت المسنّ بل تحمّل تكاليف الجنازة وثرثرة المعزين. وكم من مسنّ مات وتعفّن قبل أن تكشف الرائحة ما وقع.
في حالة مضادة، تقع حرب بسبب العقار. مسنون كثيرون طُردوا من منازلهم وخاصة النساء. يسهل طرد النساء لأن ملكية المنازل لا تعود لهنّ. فالرجال هم الذين يملكون العقار. الحل؟ تلجأ النساء للتسوّل أوللأقارب وتصمتن بصبر رهيب حماية لسمعة الأولاد الذين طردوهن.
في الحالات الطيبة، يسكن المسنون مع أولادهم المتزوجين. بسبب الاكتظاظ يجري تعنيف المسنين لفظياً، يتّهمون بالخرف وقلة النظافة. هكذا يعيشون في بيئة نابذة. في حالات الموت يتقاتل الورثة على شقة مساحتها 60 متراً سيؤدي بيعها إلى تشريد الجميع. لذلك يتم تقسيم المساحة. ومرة جرت قرعة وحصلت البنتان على المطبخ، وسكنتا فيه، فصار كل فرد يطبخ في غرفته.
في مثل هذه الأوضاع يبدو المسنون الفقراء فاشلين في نظر أبنائهم، وكم من ابن وجّه لوالديه الفقيرين هذا السؤال: لماذا أنجبتموني؟
يتزامن هذا التقييم القاسي مع مشاكل صحية عديدة، أخفّها نقص النظر والسمع. صعوبة في الاعتماد على النفس حتى في المرحاض. وهو عبارة عن ثقب في الإسفلت يفرض جلوس القرفصاء، مما يسبب ألم المفاصل، وقد يفقد المسن توازنه ويقع على ظهره. لا توجد مراحيض - كراسي في منازل الفقراء.
علاج الروماتيزم مكلف ودواؤه يؤذي المعدة، وهكذا يتعقد الوضع لأن الفقراء وهم ملح البلد ومعناه - لا يملكون تغطية صحية. قضوا عمرهم يعملون في اقتصاد غير مهيكل، بلا تقاعد. كانت عضلاتهم هي رأسمالهم. وقد أطعمتهم في حدود الكفاف من دون أن يتمكنوا من الادخار. وحين ارتخت عضلاتهم قل أو انعدم دخلهم. كلما شاخوا أكثر افتقروا أكثر. يصعب عليهم الوصول لعلاج يحفظ كرامتهم. ترعبهم بيروقراطية المستشفيات واكتظاظها، يفضلون العلاج البديل: الأعشاب والحجامة والكي... وهو آخر الدواء، ولا شيء بعده.

* كاتب وسينمائي من المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.