يقول الأستاذ / رياض باشراحيل : أن العظماء والنوابغ وأفذاذ الرجال من المبدعين في مختلف ميادين الثقافة بمفهومها الشامل عبر العصور هم الذين يحفظون الماضي ويصنعون الحاضر ويستشرفون المستقبل ، وحينما يسعى القدر إلى تحقيق آمانى واحلام الإنسان يجد هذا الإنسان نفسه في حاله من الانشراح الفكري والفرحة تغمر وجدانه فيجد العبارات تتفاعل مع هذا الفرحة وبيداء فكره في تجميع وترصيص المعاني والمفردات التي يجعلها الركيزة الأساسية في انشاء تحقيقه الصحفي دون الخوض في مزايدات فلسفية لغوية ، ولقد حالفني الحظ واسعدني القدر هذا اليوم بمعرفة الشاعر الدكتور الشيخ محمد بن عبود العمودي الذى غصت في اعماق محيطه لمعرفة المزيد عنه لكن لم يسعفني الزمن فقد كانت زيارتي له في مقر أقامته بمنتجع المرجان الواقع على البحر الأحمربمدينة جدة كانت زيارة تعارف استنتجت من خلالها في مدة قصيره ما اخطه لكم .،، على مقامات الرست والحجاز والبياتي بداءت امواج البحر تتراقص امام ناظري في منتجع المرجان في ليلة كان القمر فيها متجلي ويشع بنوره على هذه الامواج الراقصة ، ليلة مغمورة بكرم وجود هذا الشاعر عشت بمعيته في ذكريات جميلة مفعمة باحاديث الزمن الجميل عن أرض اجداده وخاصة مدينة بضه التي تقبع في وادي دوعن حضرموت ومالها من تاريخ عريق وما تحتضنه هذه المدينة من عائلة آل العمودي فهذه العائلة الكريمة لها فروع متفرعة في عدة مدن حضرمية . كانت ليلة تجلت لي فيها النفس واستطعمت بمقامات مختلفة من الموسيقى التي تلذذت بها من خلال بعض القصائد المخطوطة سوى كانت بالفصحى أو بالشعر الدارج أو الحميني التي عودنا بها هذا الشاعر الرقيق المتواضع فجعلني محلقاً في سماء الأدب العربي السلس وفي نهاية هذه الزيارة تكرم الشاعر بكل تواضع بإهدائي المجموعة الشعرية التي تحتوى على أربعة دواوين وهى كالتالي : نفحات الورود .. سكن الليل .. ربيع العمر .. منتهى الحب فعلاً كانت ليلة في منتهى الحب .
هذه دواوين تحمل في طياتها معاني وحروف ومفردات لغوية تناثرت على صفحات هذه الدواوين بأسلوب السهل الممتنع أسلوب راقي من الناحية الأدبية وتتحدث هذه المفردات بلغة مبسطة تصل إلى القلب دون ترجمة أو تعريف . . لا اريد هنا أن أبرز فكرى الأدبي في ترجمة بعض القصائد لشاعرنا بن عبود ولا اريد أن يظن البعض أنني ناقداً فأنا لست بناقد ولا أعطي لنفسي الحق في نقد قصائد الشعراء أو أدب الأدباء وإنما هي خواطر تلملمت في حنايا فكري فأحببت أن انثرها عن هذا الشاعر الذي سمعت عنه الكثير من خلال بعض الأصدقاء الذين لهم معرفة به وما شاهدته خلال زيارتي له . وقفة تأملية : تأملت من خلال مطالعتي لهذه الدواوين أن الشاعر الدكتور بن عبود يغوص في محيطات الأدب العربي والموروث الشبعى الحضرمي فيستخرج لنا هذه الجواهر المكنونة في أعماق هذه المحيطات وينثرها لنا كنوزاً شعرية تنساب إلى النفس دون استئذان ووجدت أن كثير من أشعاره تدور حول مواضيع متعددة ومختلفة الأشكال والأبعاد وهى بحد ذاتها مميزة أختص بها شاعرنا . لقد برع في الشعر الحميني ووصل إلى مكانة يحسد عليها في الشعر العربي الفصيح (شعر الفصحى) ثم تغلغل إلى الشعر الديني ( الروحاني ) فهنا يتخيل لنا بأن شاعرنا يمتلك عدة شخصيات أدبية متوافقة في الالهام الشعري دون تضارب في الأفكار والمواضيع الشعرية كأن هذه الشخصيات أنما هي نسيج واحد . أن الموهبة التي يمتلكها شاعرنا بن عبود هي مزيج من مواهب متعددة كما أنه لدية تذوق موسيقي راقي فهو يعرف مسالك ودروب المقامات الموسيقية . الشوق والحنين في أشعار بن عبود: هناك الكثير من الشعراء ترجموا لنا في أشعارهم هذا الجانب وما يدور في خواطرهم من الشوق والحنين لكن شاعرنا بن عبود يختلف هنا في ترجمة شوقة وحنينه بأسلوب راقي ينساب إلى النفس البشرية دون تعقيد . يشعر المتلقي لقصائده أو المستمع لهذه القصائد الملحنة أنه يعيش مع واقعه فيجد نفسه في هذه القصيدة أو تلك فنجده هنا في هذه الأبيات من قصيدة سكن الليل يحملنا في معيته ويذكرنا بما نخفيه من الشوق والحنين إلى الحبيب حينما يغيب عن أنظارنا فجأة دون أنذار كانه عرف خبايانا فتعالوا نغوص في هذه الابيات ونستمتع بمفرداتها الجميلة حين يقول :
سكَنَ اللَّيلُ والأماني عِذاب وحنيني إلى الحبيبِ عَذاب عِذاب بكسر العين مشتقة من العذوبة فعذوبة الشي لها مذاق خاص و عَذاب مشتقة من العذاب والعذاب كلّ ما شقَّ على الانسان ومنعه من مراده . . كُلَّما داعبَ الكرَى جَفنَ عيني هزَّني الشَّوقُ وأضناني الغياب كلمات ذات معنى لها دلالة أدبية تستحق التعمق في مفرداتها ثم يعود لنا بمعاني مختلفة النهج والمنهج الأدبي نهج له تذوق أدبي راقي حينما يقول في نفس القصيدة . أنا و الشَّوقُ في الغرامِ ضحايا سرَقَ البُعدُ عُمرَنا و الغياب هنا اتضحت لنا الرؤية الأدبية وأثبت لنا أن الشوق يأتي للعاشق المغرم فيصل به إلى ذروة الغرام بالحبيب الغائب فنتيجة لهذا الشوق والغرام أن يصبح العاشق ضحية من ضحايا هذا البعد فيسرق هذا البعد من عمره . كقول الحسن البصري: (يا ابن آدم أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك ) فعندما يطول البعد يسرق من عمر العاشق فهنا قد ينهار العاشق فيذهب ضحية هذا الشوق لكن شاعرنا لم يستسلم لهذا البعد وإنما زاد اصرار وتمسك بالحبيب الغائب فوصف نفسه بهذه الابيات قدَرٌ نعشَقُ الصِّعابَ و نَمشي في طريقٍ به الشُّجاعُ يُهاب هنا يبين لنا الشاعر أن العاشق لا بد له أن يؤمن بالقدر ولا يستسلم بل عليه أن يمضي نحو الحبيب مهما كان الطريق وما يحتويه من صعاب ومشقة طريق يهاب منه الشجاع لكن العاشق لايهمه سوى الوصول الى الحبيب حتى يطفي نار هذا الشوق ويسعد في نهاية المطاف بحبيبه . وفي قصيدة رحماك من ديوان نفحات الورود يبين لنا الشاعر أنه أستسلم لمحبوبته برغم الصد والهجران ورغم ما ذرفته العين من دموع على هذا الصد منها ورغم تأجج نيران هذا الصد فيقول :
رُحماكِ ساحرةَ الأجفان ِرُحماكِ فَالقَلبُ رَغمَ الصد لا زالَ يهواكِ والعينُ سَالت عَلى الأوجانِ دَمعتُها وَهِي التي مَا بَكت في البُعدِ إِلاكِ بَاتت ونارُ الجوَى والشوق ُيؤرقُها ويقول أيضاً في نفس القصيدة : الشوقُ فِي القَلبِ كَالإِعصارِ دَمرنِي والعُمرُ يَمضي وعُمرُ الصب رُؤياكِ هنا وظف لنا الشاعر الشوق في مكانة مختلفة عن مكانة الشوق في قصيدة سكن الليل وجعلني في موقع الاختيار بين المكانتين وكل مكانة لها معاناتها لكن في هذه القصيدة يستسلم الشاعر لمحبوبتة ويرضى بما تحكم عليه فيقول في بعض أبياتها : إن كُنت بالصد والهجرَانِ قَاتلتي فَلستُ إِلا قَتيلاً بَينَ قَتلاكِ إنْ كَان قَتلكِ للعُشاقِ مَفخَرةٌ بِالموتِ أَرضى إِذا مَا الموتُ أَرْضاكِ في هذه الابيات يوضح الشاعر أن العشاق مختلفين في الطبائع فهناك عاشق رغم الصد والهجران وما يحتويه من الشوق والحنين إلا انه لم يفقد الأمل بل يمتلك القوة والعزيمة والثقة بالنفس فيسعى إلى دروب محبوبته مهما كانت هذه الدروب وما بها من مصاعب فهو يعترف أنها قدر من الاقدار لابد له أن يجتازها حتى يصل إلى محبوبته هذا ما تحمله قصيدة سكن الليل لكن قصيدة رحماك هنا العاشق اختلفت طبائعه فاستسلم لهذا الصد والهجران والشوق الذى مثّله بالإعصار المدمر ورضي بأن يكون قتيلاً لمحبوبته أو بالموت اذا كان الموت يرضيها . حقيقة التعمق في قصائد بن عبود تحتاج منا إلى جهد متواصل لمعرفة ما تحتويه من مواقف وافكار بنيت على أثرهما قصائده فالقصيدة تُبناء على موقف أو حدث أو فكرة تجتاح الشاعر فيضع لها الاساس ثم يبني على هذا الاساس تكملة الحدث او الفكرة فتنتج في نهاية المطاف قصيدته المترابطة، لهذا اكتفي بهاتين القصيدتين التي شدتني مفرداتها ومعانيها الصادقة وما تحكيه من الواقعية .
وان ذهبنا الي القصائد الروحانية ( القصيدة الدينية ) لم يستسلم شاعرنا بن عبود بخط او خطين متوازيين في كتابة القصائد بل سلك عدة خطوط شعرية وبزغ نجمه في هذا المجال الشعري والخط الآخر هو خط الروحانيات التي تفجرت في لحظة تجلّى مع الله فثارت نفسه بهذا التجلي فكتب أجابته للسائل عن نسبه فقال : أيها السائل عن منتسبي نسبي ديني وديني نسبى وديار العرب سكني ومهجتي وفي كياني عبق تاريخ أبي ودم الأجداد في أوردتي سال إرثا من كرام نجب ها انا من رام أن يعرفني مسلم القلب بنبض عربي إلى هنا اكتفي بهذا القدر لأن الحديث عن الشاعر الشيخ الدكتور محمد بن عبود العمودي يحتاج مني إلى جهد في لملمة العبارات التي تعطي شاعرنا حقه الأدبي مني ولكن لضيق الوقت فالحديث عن بن عبود يحتاج إلى وقت أطول حتى أكون صادقاً فيما اكتبه عنه ، لهذا سوف يكون هناك عودة عن الحديث عن هذا الشيخ الإنسان المتواضع وعن حبه لفعل الخير وعن مكانته الاجتماعية في المجتمع السعودي وعن مكانته الأدبية والشعرية مع تقديم بعض من نماذج قصائده المتنوعة.