احتضنت قاعة اتحاد الأدباء والكتاب بالمكلا مساء الأربعاء الماضي 10/12/2014م أمسية بعنوان: (انطباعات عن زيارة المشقاص)، عقب زيارة للمشقاص قام بها ثلة من الأساتذة وأعضاء الاتحاد بدعوة شخصية من الشاعر المقدم كرامة بن عمرو بن حمادة الثعيني يوم الجمعة 28/11/2014م في منزله الكائن بمدينة الريدة بمديرية الريدة وقصيعر، حيث ارتأت سكرتارية الاتحاد ممثلة بالدكتور عبدالقادر علي باعيسى تخصيص أمسية في الإتحاد للحديث عن هذه الزيارة، لنقل صورة عن انطباعات الأساتذة الذين قاموا بالزيارة. افتتح الأمسية د. عبدالقادر باعيسى بداية بالترحيب بالحضور، ثم أفسح المجال للأساتذة للحديث عن انطباعاتهم. أ. د عبدالله الجعيدي: احتفى بنا المشقاصيون احتفاء كبيرًا، وكانت أول زيارة علمية لي مع الأستاذ عبدالرحمن الملاحي رحمه الله، عندما كنا بصدد إعداد كتاب عن القائم مخارش ووثائق من أرشيف السلطنة القعيطية، وقد أشار لي الملاحي بأن لا أكتب ولا أعد أي تصور حتى أزور المشقاص، فرتب لنا الأستاذ الملاحي الرحلة، وكانت رحلة مشقاصية بامتياز. وهذه الزيارة كان لها طابع ضيافي وشخصي تركت في نفسي أثرًا كبيرًا، ومن وحي الزيارة الأولى عن مخارش ووثائقه نحن بحاجة إلى دار للوثائق في حضرموت، تجمع فيه الوثائق بصورة مطبوعة وإلكترونية، والمشقاص ما زالت كنزًا تراثيًّا، ويجب تشجيع أبناء المشقاص لدراسة اللهجات القديمة والآثار والتاريخ، فهناك من يختص بالوثائق وهناك من يختص باللغات القديمة، حتى تبرز قراءة المشقاص من داخله، فهو متصل بتاريخ حضرموت. د. عبده بن بدر: سأبدأ بأسئلة وأريد أن أركز على بعض الأسئلة وأريد وجهة نظركم، فالشعر الشعبي المشقاصي لفتني فيه شعر الكرّام الذي ينشد للتغلب على لحظات الضجر عند المسافر، وهذا ما يدعو لإعادة تعريف الشعر الشعبي، وبأي معيار ندرج شعر الكرّام في ألحان الشعر الشعبي، من حيث ألفاظه البدوية الخالصة، ولهجتها المحلية؟ فأبناء المشقاص لا يتحدثون الآن بتلك اللهجة التي قيلت بها الأشعار، وقد وجدت بعض أبناء المشقاص يتأسف لذلك، هل يمكن إخراج الكرّام من الشعر الشعبي؟ كتاب الملاحي عن الختان كان فتحًا جيدًا، فاختيار الملاحي لموضوعه كان فيه من الذكاء الشيء الكثير، ونحن نستطيع أن نقرأ المنطقة من خلال آثارها، ليس الآثار الحسية، وإنما اللغة ذاتها، وما يتركه الناس مدونًا من أشعار ووجدت أن القصائد تبدأ بالحديث عن الفيء امتداده، انعطافه، التحامه، فلو وُجد باحث متمكن من اللهجة يستطيع أن يرسم لوحة عن الفيء وحركته في الشعر. د. سعيد البطاطي: سنظل مندهشين بهذه الزيارة أو بأي زيارة أخرى إلى منطقة مماثلة وسيظل ما نقول مجرد انطباع، لأنه ليست لدينا أي خبرة الحفر في طبقات ثقافة المنطقة كما قال د. عبده، كما أنه لديس لدينا امكانات التحقق، كما أنه ليس لدينا القدرة من خلال الزيارة على دراسة المنطقة، ولكننا نستطيع أن (ننجز قراءات ودراسات أدبية ولغوية ولهجية) فالشعر المشقاصي له علاقة باللغة الحضرمية القديمة، ولو وجدت النوايا يمكن دراسته، وهناك قسمان في الجامعة هما قسما اللغة العربية واللغة الإنجليزية، فثمة مجالات شاسعة للدراسة، وجانب آخر ثقافة الشاعر الشعبي، فالشاعر ن حمادة عندما سئل عن المحضار قال: عمّم، وخصّص، وإذا رأيته رأيت ملاكًا، أي استوعب محيطه واستوعب ما يحيط بمحيطه، وكذلك كل الكتب التي قرأتها عن المحضار. د. رزق الجابري: الزيارة إلى المشقاص بدعوة كريمة من المقدم بن حمادة مكنتنا من الوقوف على مكان جغرافي له شخصيته، يتميز عن بقية الأمكنة الجغرافية في حضرموت، ونحن لم نشاهد إلا عيّنة من المشقاص، والمشقاص مخزون تراثي في مكان يتسم بالعزلة الجغرافية التي حفظت لنا تراث المشقاص، فعندما ننظر إلى المشقاص نجد أكثر من 349 قرية ومستقرة بشرية، ولم نشاهد منها إلا أماكن محدودة لا تتجاوز عشرة، وبقية الأماكن ما زالت بحاجة إلى من يصل إليها. والزيارة وكرم الضيافة تنقلنا إلى علم الانثروبولوجيا العادات والتقاليد في المشقاص كما في غيرها من مناطق حضرموت فما زالت المنظومة الثقافية والقيم والأخلاق في المشقاص ثابتة لم تتهشم بعد، وهناك أودية بدش، شخاوي، تنشوه، عسدالجبل، وهذه الأودية فيها تجمعات سكانية كبيرة، ونحن لم نشاهد إلا قليلا، ونحن بحاجة إلى تنشيط مراكز الدراسات للبحث عن المشقاص وتكثيف الزيارات، فنحن بحاجة إلى كم هائل من الدراسات عنها. أ. سالم باراس: أثارت لدي الزيارة عدة تساؤلات عن الإنسان والمكان، ما هو المشقاص؟ أين هو المشقاص؟ وأجدادنا كانت لهم علاقة بالمشقاص، وكانوا يقولون لنا المشقاص شرق، والمشقاص الحالي من رأس باغشوة إلى حظاتهم، وبعضهم يقولون المشقاص يحدد على أساس وحدة اللهجة وليس المكان، وبلباس معين، فهو ثقافة محددة، قال لي أحدهم أنتم تتحيزون يا أصحاب الاتحاد، لأنكم زرتم ثعين ولم تزوروا الحموم، وهناك من يقول أن الحموم هم أهل المنطقة وثعين وافدون، وهناك من يقول العكس، وهناك تنوع في الغناء وليس فقط لديهم الكرام والحفه.. وهناك من قال أن هناك نوع من الدان يغنيه المشايخ آل باعباد. د. محمد المحفلي: سعيد بالعودة إلى هذا المكان الجميل ولم أكن معكم في هذه الزيارة، وأريد أن أعلق على ما أورده د. عبده بخصوص الأدب الشعبي، وهناك فرق بين الأدب الشعبي والأدب العامي ذي اللهجة العامية، وبالمصطلح، الشعبي هو الذي لايعرف قائله، وأنا لدي بحث عن الحكايات الشعبية فسآخذ الحكايات التي لايعرف من قالها ولا متى قيلت، ويجب أن يدرس الأدب الشعبي في الجامعة، إلى جانب دراسة الأدب الجاهلي والحديث وغيره. أ. محمد عوض محروس: الكرام هو حداء الجمالة، وحداء الجمالة لايختص بالمشقاص فقط، فالأستاذ جعفر السقاف تحدث عن حداء الجمالة في مناطق أخرى من حضرموت، وهو موجود في كل المناطق في حضرموت وغيرها، ويقول الدكتور محمد بافقيه أن المشقاص بمعنى الشرق، وبامطرف يحدد المشقاص من دمخ حساي إلى الحامي، وقال بامطرف أن المعراب من الحامي إلى المعينة، وقبيلة البحسن من الحموم قاطني (المعدي) ضمن المشقاص ولكن لهجتهم لهجة أهل المعراب وأهل الحامي لهجتهم خليط، والمشقاص هناك من يقصرها على الريدة وقصيعر، مثلاً أهل الديس إذا سمعوا كلامًا لم يعجبهم قالوا: (روح عبّره على المشوقص). وهنالك شعراء آخرون في المشقاص يمكن دراسة أشعارهم بما يسهم في التعرف على ثقافة المشقاص. باسل باعباد: إضافة بسيطة للتنبيه على بعض ما تطرق له الأستاذ سالم باراس، فقد تكلم عن تحديد المشقاص وأن البعض يحدده على أساس وجود لهجة واحدة، بينما نجد هناك تنوع لهجي داخل القبائل، وبحسب المناطق، لكن هذه اللهجات المنوعة جميعها تشترك في خصائص عامة. همام باعباد: بالنسبة لملاحظة الدكتور الجعيدي حقًا المشقاص مخلاف أهمله التاريخ، وبالنسبة لإهمال أبناء المشقاص لجانب التراث والتاريخ، إذ لم تلتحق بركب التعليم النظامي إلا في فترة متأخرة؛ حيث تأسست مدرسة الشاطئ في عام 1948م، والتي شكلت امتدادًا لمدرسة قصيعر الابتدائية المؤسسة عام 1946م، وكانت قبلها معلامات في قصيعر والمسجد الجامع، وممن كتب عن المشقاص الفقيد أحمد سعيد باعباد في كتابه الموسوم: (من التراث المشقاصي)، وهو من إصدارات مكتب الثقافة بحضرموت، نشر فيه دراسة عن تراث الأعراس، وأخرى عن التراث البحري،وكذلك أبحاث أخرى لبعض المهتمين منهم الأستاذ فائز محمد باعباد. ودراسة اللهجة أمر مهم، وديوان بن حمادة خطوة نحو توثيق التراث المشقاصي، وللأخ بورح أيضًا كتاب ضخم جمع فيه أشعارًا كثيرة لعدة شعراء، ولكنه لم يجد تمويلاً لطباعته. د. محمد عبدالنور: كنت أسمع عن المشقاص، عند تعرفي على شخصية القاضي عبدالرحمن بن علي بن حسان (ت818ه) الذي ذكره الطيب بامخرمة في قلادة النحر، وابن حسان صاحب جملة كتب تاريخية وفقهية هي مفقودة اليوم، ويدل هذا على أن المنطقة علمية، فوجود قاضٍ ومؤرخ يدل على أن المنطقة علمية، وخير من وصف هذه المناطق ابن عبيدالله السقاف في كتابه إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت، وعلوي بن طاهر الحداد صاحب كتاب (الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها) الذي زار المنطقة ووصفها وصفًا دقيقًا، وقد تطرق إلى الجانب اللغوي لمنطقة في مجلة الرابطة العلوية، وقد تم جمع هذه المقالات. أ. علي العوبثاني: تركت فينا زيارة المشقاص أثرا طيبا وكانت رحلة ثقافية وترفيهية معا، وقد وجه الشيخ بن حمادة دعوته الكريمة لنا لنزوره في بيته بالمشقاص، وحال وصولنا استقبلنا الشيخ كرامة والأستاذ بورح فرحين بقدومنا، ثم بدأ الأساتذة وأولهم الدكتور عبده بن بدر في تقديم الاسئلة للشيخ الشاعر ابن حمادة الذي كان يجيب على كل سؤال يطرح عليه، وفي العصر انتقلنا إلى قرية (المحجر) حيث حفل المجلس العامر (القعيدة بتعبيرهم) بكلمات رائعة من بن حماده والأساتذة، ومع المغرب غادرنا المكان الذي حف بنا وغمرنا بكرمه وحبه. د. عبدالقادر باعيسى: يبدو لي أن ثقافة المشقاص اليوم هي غير الثقافة التي كانت سائدة عندما كان المشقاصيون داخل أوديتهم المغلقة، انتشر المشقاصيون اليوم في أرجاء المدن الساحلية الحضرمسة وغيرها واختلطوا بالبيئة الحضرية الأمر الذي سيؤثر بالضرورة على معرفة الثقافة المشقاصية الخالصة، فالشاعر الشيخ الفاضل كرامة بن حمادة اغترب في الكويت وأقام به زمنا طويلا واستقبلنا في بيت حديث ، بضيافة حديثة، في مدينة هي ريدة بن عبدالودود، وليس في خيمة في صرم من صروم البادية، ومع هذا فإنك تشعر أن ثقل الثقافة المشقاصية وتراكمها التاريخي قد ألقت بأثرها الواضح على الرجل انطلاقا من تربيته الأولى داخل الأودية المشقاصية وبين القبائل المشقاصية بعاداتها وتقاليدها، وهو ما يمكن الاستفادة منه ودرسه كما أشار الزملاء، وعندما نحاول المقارنة يبدو لي أن الثقافة القديمة في جيل بن حمادة أظهر أثرا من الثقافة المستجدة التي تعرفوا عليها في أسفارهم وانعكست في مطعمهم وسكناهم وملبسهم، بخلاف الأجيال الجديدة الآن التي ربما كان للبيئة الحديثة أثرا أشد عليهم.