قام محافظ حضرموت خلال شهر رمضان المنصرم بزيارات منزلية لبعض الشخصيات المرموقة في مجتمعنا الحضرمي، في بادرة تبدو طيبة من المسئول الأول بالمحافظة يفترض أنها تدل على وعي بمكانة من شملتهم الزيارات ووفاء لنشاطاتهم الاجتماعية أو جهودهم العلمية أو أعمالهم الإبداعية . والحقيقة أنني ليست لدي معرفة عن الكيفية التي تم بها اختيار من ساعدهم حظهم بتلك الزيارة أو معايير من يستحق لمسات الوفاء من السلطة بالمحافظة، كما لا ندري عن كيفية نشوء الفكرة ومن الذي أعد قائمة الشخصيات المستفيدة من الزيارات، ولا نريد أن نسترسل في الاسترابة في مقاصدها الحقيقية أو غاياتها الخفية إن وجدت، إلا أني لاحظت أن الزيارات قد انحصرت أو كادت في عاصمة المحافظة، وكأن وفاء سلطتنا هو وفاء مركزي، ولم أعلم أن المحافظ زار أحدًا خارجها أو كلف أحد وكلائه بالزيارة نيابة عنه، مع أن جميع محافظي الجمهورية يحسدونه على كثرة الوكلاء الذين نستدل من كثرتهم على أن هذه المحافظة إنما تمشي أمورها بالوكل . لكننا نبدي تعجبنا واستغرابنا من الغياب التام للجهات المعنية عن الحضور والمشاركة في تلك الزيارات الرمضانية الوفائية، فلا ممثل للثقافة ولا للشئون الاجتماعية ولا للمنظمات أو الاتحادات الفكرية والإبداعية، هل قام المحافظ بتلك الزيارات بصورة خاصة وبصفة شخصية أم بوصفه ممثلاً لسلطة رسمية عليا بالدولة . المحافظ يزور ويجعل في صحبته بعض الوجوه السياسية التي اعتادها حوله وكأنه ذاهب لجولة تفقدية لمشروع هنا أو هناك، ويغفل عن طبيعة هذه المهمة التي لم يعتد عليها، نسي أنه مسئول عن محافظة بها إدارات ثقافية واتحادات فكرية ومؤسسات إبداعية، وغنية بشخصيات لها ثقلها وحضورها، ثم لا يدعو بعض هؤلاء لصحبته في تلك الزيارات لتثريها فتفتق له سبل الحوار وترشده إلى مدارك القول، لاسيما أن من شملتهم الزيارات من أطياف ثقافية وفكرية متعددة ومتنوعة ومتباينة، إلا إذا وضعنا في بالنا أن محافظنا الشاب وحاشيته العتيقة قد أحاطوا بكل شيء علمًا . رحم الله زمانًا كان الأمير أو الوالي يجعل بطانته من صفوة مجتمعه من العلماء والأدباء ورجال الفكر يزين بهم مجلسه، ويجعلهم في صحبته حيثما حل أو ارتحل، فيسترشد بأقوالهم ويستنير بآرائهم ويستهدي بأفكارهم . لكن يبدو أن محافظنا الخلوق ومن ورائه السلطة المحلية لا يعرفون أحدًا، إنهم لا يسمعون ولا يرجعون، ولا يقرءون ولا يطلعون، وربما لا يفكرون، إنهم معزولون عن الوسط الثقافي والفكري والإبداعي تمامًا، أو ربما يخافونه أو يكرهونه ويعتبرونه من الترف، أو يرون الاقتراب من رجال العلم والفكر والرأي نوعًا من المجازفة وسبيلاً إلى وجع الدماغ، ويعتقدون أن مقولاتهم ضرب من الثرثرة المملة لا ينبغي أن يضيعوا فيها أوقاتهم النفيسة . أعتقد أنه حتى هؤلاء المحظوظون بالزيارة أن المحافظ لا يعرف أكثرهم، ولم يقرع سمعه اسم بعضهم إلا عندما تليت عليه قائمة من ينبغي عليه أن يزورهم ويلتقط صورًا تذكارية معهم.