لجان في لجان .. حتى تصل بك الحال كمن يطارد الجان, كثيرة هي كعدد رمال عالج, ما أن تموت إحداها حتى تولد أختها, لها نقطة بداية وليس لها نهاية. مهارتنا في سرعة تكوين اللجان, فاقت مهارة اليابان, في الإبداع والإتقان , اللهم بارك لنا في لجاننا وجلساتها ومقراتها ومحاضرها وإحصاءاتها, واجعلها بردا وسلاما علينا, فهي أسهل طريقة لامتصاص غضب الشارع, وللتهرب من المؤاخذة والمساءلة, ولتبرير التقاعس والتخاذل, بها يُقضى على القضية, وتَشقى الرعية, وتطيل عمر الحرامية. اللجان هي أهم شيء في سلطتنا المحلية, أهم من المواطن وما ملك, وأهم من خيرات البر والبحر, وربما أهم من الهواء والماء, فهي بمثابة كهف علي بابا الملي بالمجوهرات والماس, وسعيد الحظ هذه الأيام, من يرأس لجنة, لها طنّة ورنّة, أعرف صديقا لي ممن فاز بلجنةٍ وإدارةٍ وكرسي دوار, وفي ظرف شهور قليلة أصبح من ملاك الدولار. وللجان سماسرة ودلال, يعرفون اللجان, سمينها من هزيلها, يعرفون مواطن اللحم فيها الذي يسمن ويغني من جوع, من تلك العجفاء الجدعاء العرجاء, التي لا تشبع أهلها ولا تقيم صلبها, يعرفون كيف يصطادونها ويتسابقون إليها, يعرفون باب الولوج إليها والظفر بخطامها, وإن كان الواحد منهم لا يمتُّ لحضرموت بصلة إلا أنه من الوافدين إليها عام 94 , وتذكرت أن لجنة من لجاننا السمينة, شكلت على أثر كارثة عظيمة, وسرعان ما اشرأبت لرئاستها أعناق هؤلاء السماسرة, حتى حامت حولها الشكوك ورميت بالتهم والاختلاسات والتلاعب, خصوصا عندما لاح بريق الريال الخليجي. ما هو سر ابدعنا في تشكل اللجان, وبلادتنا في متابعتها ومحاسبتها, ولماذا هي جوفاء خاوية من كل القيم النبيلة مفتقرة للأمانة والنزاهة, ولماذا الحبل على الغارب لقوادها, يشرّقون بها ويغرّبون, من غير رقيب ولا حسيب, وغاية ما ينال أولئك اللصوص بعد أن فاحت رائحة الاختلاسات منهم, أن يُبَعد الواحد منهم معززا مكرما بملاينه المنهوبة. كل الذي خرجنا به من لجاننا هذه هو زيادة مشاكلنا وتفاقم أزماتنا وطول أمد كوارثنا, ولم تكن يوما أسهمت في مؤاساتنا وتخفيف معاناتنا وإخراجنا من شراسة وشدة الأزمات والنكبات, بل هي عين الشقاء ومظنة البلاء. وشر اللجان تلك التي لا تقدم ولا تؤخر, كتلك التي تحقق ليل نهار في مقتل عشرات من أبناء حضرموت في أكثر من وقعة ونزلة, تلك اللجان المشكلة, مثل فزاعة الطيور المخشّبة, ما إن تكتشف – الطيور – تجمدها وسكونها وحالة السبات الغارقة فيها, حتى تتخذها صديقا حميما وربما استظلت بظلها, ومرحت على أطرافها, حتى يأتي مولاها ويعلق عليها الخشاش والأجراس, لتزمجر وتزأر كلما مرّ عليها هواءٌ أو غبار, وهكذا تظل فزاعة جوفاء خرقاء ولو علقوا عليها جرس الفاتيكان. يا شعب حضرموت, أبشروا بمخزون هائل من اللجان, لدى سلطتنا صاحبة الشأن, لجانٌ ؛ كعدد أنفاسكم, وكلما قُتل منكم أحد , في المكلا .. في ساه .. في سيؤون, قام سوق اللجان فهناك لجان ولجان ولجان, بارعةٌ كبراعة المحقق كونان, تسهر على قضاياكم وبلواكم, وترصد الشاردة والواردة, لتخرج في الأخير وتقول: القاتل مجهول, والرحمة والغفران للمقتول.