كلام نسمعه كثيرًا وتردده الكثير من الببغاوات من ذوات الأفواه العريضة مفاده أننا معشر الحضارم جبناء خوارون لا طاقة لنا على حمل السلاح، وأننا من ذوي الأنامل الرقيقة التي لا تحسن إلا تحريك أعواد الأقلام ودحرجة حبات المسابح وتقليب الأوراق النقدية . أما السلاح والعسكرة فدعوها لأهل الضالع وطور الباحة والصبيحة الرجاجيل . وهو قول كان يقال لإخواننا المصريين قديمًا : المصري لا يفلح أن يكون إلا شيخًا أزهريًا أو فلاحًا أجيرًا، أما العسكرة والجندية والجهادية فلا تصلح إلا للجراكسة وأحفاد المماليك القوقازيين وبقايا البشوات الأتراك . إن لنا تجربتنا العسكرية المشرفة قديمًا وحديثًا، لدينا قديمًا جيش طالب الحق الحضرمي الذي اكتسح اليمن جنوبها فشمالها حتى أسقط مدينة صنعاء المنيعة، ومنها انطلق ليستولي على أرض الحجاز ويهيمن على الحرمين، ويصبح على مرمى حجر من عاصمة الأمويين، وكان جل أفراده وقادته من العنصر الحضرمي، ولم تستطع الدولة الأموية آنذاك صد هذا المارد الذي انطلق من الزجاجة الحضرمية إلا بلباب جيشها وعمدة قوتها، الأمر الذي عجل بسقوط دولة الأمويين الذريع وانهيارها السريع . لدينا حديثًا تجربة ما كان يسمى بجيش البادية الحضرمي، ومن البديهي أن يكون جميع أفراده وقادته من العناصر الحضرمية، وقد عرف عنه الانضباط العالي، وأبدى قدرته على حماية المنطقة الشرقية لسنوات طويلة، رغم طبيعتها الصحراوية الشاسعة والمفتوحة، حتى تم التآمر عليه وتشتيت شمله . إن التنكر والمصير السيئ الذي لقيه هذا الجيش الحضرمي كان أول حائل بين إقبال الفرد الحضرمي على التعسكر والانخراط في سلك جيش الدولة الوليدة ما بعد الاستقلال، لأنه ببساطة لم يشعر أن هذه الدولة دولته أو تمثله بحيث تستحق تعاطفه أو ولاءه وتضحيته، فضلاً عن ما اتخذته هذه الدولة البائسة من خط فكري منحرف يخالف الفطرة السوية التي تربى عليها الحضرمي، وما أدى إليه ذلك الانحراف من ويلات على حضرموت أرضًا وإنسانًا قبل غيرها من مكونات تلك الدولة البائسة . هذا فضلاً عن أن هذه الدولة بتأثير انحرافها الفكري لم توفر وسيلة في معاداة محيطها الإقليمي العربي المسلم، وكيف سينضم الحضرمي لجيش يعادي موطن هجرته ومصدر تحويلاته المالية، جيش لدولة منحرفة سلبت مصادر رزقه وكبلته عن أهم خصيصة عرف بها وهي التجارة الحرة والاستفادة من رؤوس أمواله فيما يعود بالنفع له ولموطنه . فهل بعد هذا كله ما زلنا نصدق خرافة أن الحضرمي لا يصلح للسلاح أو العسكرة، إنه ولا ريب استنتاج انهزامي وسطحي، أتى على ضوء تجربة الدولة الجنوبية البائدة، وتشكيلة جيشها البائس الذي كلنا نعرف عقيدته ومصدر مكوناته، وطبيعة قادته الجهلة الذي أبادهم الله في يوم واحد شر إبادة .