انطلاقا مما يأمله شعب الجنوب لمستقبله يأتي نضاله الحراكي التحرري السلمي الرائع، غير أنه في ما يبدو ومن خلال بعض المتابعات الخبرية يتم رسم أكثر من سيناريو سياسي ليتم به مواجهة الجماهير فجأة بوصفه تطورا تلقائيا لحركتهم الجماهيرية التحررية الصادقة بهدف السيطرة على التحول التاريخي في لحظة تاريخية مفصلية من زمن تصاعد النضال الوطني ليتم تقديم بدائل ليست متطابقة بالضرورة مع مطامح الجماهير ونزوعها للتحرر والاستقلال الحقيقي، ومن المؤكد أن كثيرا من الأروقة السياسية الإقليمية والدولية تتابع بدقة مستجدات الواقع في الجنوب وتحولاته بما قد يؤول إلى نتيجة ليست هي بالضرورة ما حلمت به الجماهير الصادقة المؤمنة المستشهدة حقا في سبيل الحرية والكرامة والوطن. إن آمال الجماهير الصادقة يمكن الافتراق عنها بسرعة أو الالتفاف عليها سواء من خلال ما أفضت به بعض مجريات الربيع العربي الراهن أو من خلال قراءة التاريخ الذي يمكن في ضوئه التكهن بما يستجد حيث أمكن دعم نماذج سلطوية تم استغلال رغبتها في المناصب والمال كأكبر مغريات ذات أثر قوي في الدفع بها وتشكيلها كزعامات في كثير من الجمهوريات المعاصرة، ولكنها زعامات مرتهنة لمصالح الآخر الذي صنعها أو استغل رغباتها الذاتية في تمرير مصالحه، أو رأت هي- لسبب أو لآخر- أنها لا يمكن أن تتجاوزه، مما يترتب عليه أن يتم ترتيب الأمور بهدوء أو (تجهيز الطبخة) كما يقولون في التعبير العامي الحضرمي تحت ظل الزخم الجماهيري الواسع وقوة اندفاعه بحيث يغاير ما تؤديه من خطابات وتصريحات وكتابات ما يجري تحت السطح، فتسهم في إنتاج خطابات في الوطنية المثالية الغاية منها –كما يبدو- توفير مساحة حماية لممارسة نشاطها واللعب على هذه النقطة التي يمكن بها –كما تظن- أن تخادع الجماهير، فبالنسبة لكثير من السياسيين ليس المهم الالتزام بما في الخطابات بوصف أن السياسة أحوال متغيرة وأن المصلحة وحدها هي الثابتة وهذه غاية الانتهازية النفعية التي يدخل في إطارها أن تفسر الملاحظات الناقدة الموجهة إليها بأنها تسعى للنيل من العمل النبيل الذي تقوم به. إن العلاقات السياسية في مثل هذه المرحلة شديدة الحساسية لاسيما بالنسبة للأفراد الذين يمارسونها والذين يمكن استغلال رغبتهم ومطامحهم في السلطة لغير ما تبتغيه الجماهير، وهو ما قد ينتج تبدلات جديدة في واقع الحال الجنوب بعيدا عن المرامي الصادقة التي يتم حرفها عن مسارها بتصنيع وجود آخر مختلف بشكل أو بآخر، ومن هنا يمكن فتح العين بقوة في الحفاظ على الاستقلال الحقيقي للجنوب في ظل متغيرات شديدة الحساسية بعيدا عن الارتهان السريع.