منذ قيام ثورة الشباب في اليمن , وترك علي عبدالله صالح السلطة بموجب المبادرة الخليجية المزمّنة بآلياتها التنفيذية , والتي بموجبها أيضاً أصبح الرئيس هادي رئيساً مؤقتا للبلاد , ومنذ ذلك الحين و اليمن بمجمله يعيش حالة انفلاتٍ أمني خاصة في المحافظات الجنوبية التي أصبحت أحزابها وفصائلها السياسية المختلفة أكثر جرأةً وشجاعة في إعلان مطالبها ومحاولة فرضها على الحكومة الجديدة , واستغلال ضعفها الناتج عن مواجهتها لتركة ضخمة من الفساد المستمر والمتجذّر لعقود من الزمن , واستغلال انفلات الأوضاع وتدهوّرها أمنياً واقتصادياً وسياسياً للحصول على مطالبها . وكما يعلم الجميع أن الصفّ الجنوبي عبارة عن صفوف ويحمل كل منهما العداء للآخر , وكل منهم يرى أنه الوحيد الذي يعرف مصلحة الوطن وهو الأولى بأن يكون ممثّلاً للشعب الجنوبي وهو الأقدر على فهم مطالب الجنوبيين وانتزاع حقوقهم كاملةً غير منقوصة وهو الذي يمتلك الحلول السحرية ليعيد للجنوب استقلاله وتاريخه ,وغير ذلك من الأوهام الظاهرة والخفية. قادة الأحزاب السياسية في الجنوب يجنّدون الأموال ويحشدون الشباب ويشحذون عقولهم الغضة وينفخون فيها نيران الحقد والضغينة على الحكومة وعلى إخوانهم في الشمال ويقنعونهم أن كل ما يعيشون فيه من مشكلات سببه الوحيد وجود الشمالي!…تماما كما تقنع بعض دول الخليج شبابها بأن مشكلاتهم سببها وجود الأجنبي وبالذات اليمني , وبدلاً من تشجيعهم على إيجاد حلول لما يعانونه من مصاعب حياتية كالبطالة والفقر وغيرها من الإشكاليات التي تعانيه المحافظات الجنوبية , تجدهم يدفعونهم نحو أعمال التخريب والعصيان المدني الذي لن يتضرّر منه سوى المواطن والتاجر البسيط , هذا إلى جانب ما نسمع عنه من إيقاع الشباب في فخاخ المخدرات والمسكرات وحبوب الهلوسة وتناول القات لتسهل عليهم عملية قيادتهم بلا وعي ودون تحكيمٍ للعقل. إنهم يربّون في عقولهم العنصرية والسلبية واللامبالاة واللامسؤولية وبناء القصور فوق السحاب , جيلٌ كامل لن يتمكن من تقديم شيءٍ لوطنه نتيجة العقلية التي تجذّرت في فكره ولن يستطيع الفكاك عنها مالم يعي ويدرك حقيقة الأمر وما يُدبّر له , وما لم يعرف مصلحته ومصلحة أرضه فإن هناك من سيستغل طاقته خدمةٌ لمصالحه الخاصة حيث سيعمل جاهداً أن لا يتولّى زمام الأمور سواه ولو بعد حين. فكيف نبني وطناً على خراب القلوب والعقول والمشاريع ؟ أيُّ دولةٍ ننشدها من وراء من يسعى في الأرض فساداً ؟ أيّ دولةٍ نحلم بها وأبناءها يتعلمون في المدارس الغش والخيانة ؟ ألا يعلم هؤلاء أن صلاح الأمم من صلاح مجتمعاتها والعلاقات التي تبنى بين أفرادها , وما السياسة إلاّ جزءاً من هذه العلاقات التي تؤثّر وتتأثّر بالمزاج والذوق الشعبي العام ؟ ومع ذلك فإني أحيي قادة الأحزاب الذين يشاركون في الحوار الوطني مهما كانت المآخذ عليه, إلّا أنهم يسعون سعياً صادقاً وواعياً نحو إيجاد حلول حقيقية للقضية الجنوبية بعيداً عن لغة الإقصاء والعنصرية المقيتة , فيما يخدم مصلحة الوطن والمواطن في الجنوب والشمال. والسؤال الذي يلحّ عليّ اليوم : ماذا لو وجدنا مخرجاً منصفاً للأزمة واستطاعت الحكومة الجديدة إعطاء الشعب في الجنوب كل ما يحلم به , وسَعت إلى تنفيذ مطالبه بكل صدقٍ وشفافية, كيف سيكون موقف تلك الفصائل الجنوبية الداعية للانفصال والاستقلال واستعادة الدولة كحلٍّ وحيد للأزمة ؟ وهذا هو المِحكّ الذي سيختبر به الشعب الجنوبي صدقهم من كذبهم في بحثهم عن الحقوق المسلوبة , فالمواطن يريد الأمن والاستقرار يريد عملاً شريفاً يكسب به قوت يومه يريد عدالةً اجتماعية يريد صحةً وتعليماً وخدماتٍ عامة ومكاناً يعبِّر فيه عن ذاته وعن مواقفه بكل حرية , وتنمية وتطورا مستداما يضمن مستقبل الأجيال القادمة , فلو تحقق كل ذلك من قبل أيّ حكومة فإنه حتماً سيكون كافياً لاستتباب الأوضاع في الجنوب ورضا الجنوبيين والشماليين على حدٍّ سواء . ولكن إذا حدث ذلك واستمرت إشاعة الفوضى من قِبل قادة الفصائل الجنوبية وأتباعهم , فإن الشعب بالتأكيد سينفضّ من حولهم وسيُكشف كذبهم وبحثهم عن المصالح الشخصية في الحصول على كراسي أو نهب لخيرات الوطن , أو تحقيقاً لأجنداتٍ خارجية تدعمهم بكل الأشكال. أدعو الله أن يحفظ اليمن شمالاً وجنوبا ًوسائر بلاد المسلمين ويبعد عنها شرّ من أراد بها سوءاً من أبنائها أو من سواهم .