تكثر الأعراس في مثل هذه الأيام وتزداد الزواجات في هذا الموسم ونحن لا نريد أن نتكلم عن فضل الزواج وحِكمه والترغيب فيه ولا نريد الحديث عن منكرات الأفراح وما يصحبها من ممارسات خاطئة وأفعال سيئة ولكن نريد أن نتكلم عن مشكلة مقلقة وشبح مخيف وظاهرة مأساوية مزعجة إنها مشكلة العنوسة. هذه المعضلة التي أصبحت تنغص حياة الآلاف الأسر وتهدد نفسيات الآلاف البنين والبنات وتغرقهم في بحار التيه ومستنقعات الفساد والضياع إلا من عصمه الله. إن العنوسة آفة تكاد اليوم أن تكون موجودة في كل بيت فلا يكاد يخلو بيت من وجود شاب أو فتاة بلغت سن الزواج وتجاوزته ولم تتزوج بعد وطال مكثها في بيت أهلها ولا زالت تعد في عاد العذارى والأبكار خاصة مع ازدياد نسبة الإناث على نسبة الذكور. إنها مشكلة مستفحلة ومنتشرة في كثير من بيوتنا ومجتمعاتنا العربية ففي مصر وصل عدد العانسين والعانسات إلى أكثر من تسعة ملايين شخص وفي بلاد الحرمين بلغ عدد النساء اللاتي وصلن الثلاثين من أعمارهن دون زواج إلى أكثر من مليون امرأة وفي الجزائر وصلن إلى واحد وخمسين في المائة من إجمالي عدد النساء أي أكثر من أربعة ملايين فتاة لم يتزوجن رغم تجاوزهن سن الرابعة والثلاثين وفي سوريا أكثر من ستين في المائة هن من العازبات وفي العراق خمسة وثمانين في المائة ممن بلغن سن الزواج لم يتزوجن بسبب ظروف البلد ووضعه الأليم. وفي اليمن كشفت دراسة حديثة عن وجود أكثر من نصف مليون امرأة تجاوزن سن الثلاثين ولم يتزوجن بعد وأن أكثر العانسات هن ممن يحملن الشهادات الجامعية وممن انخرطن في الحياة العامة والسلك الوظيفي خاصة ممن يعشن في المدن لا في القرى والأرياف. إنها أرقام خطيرة ومؤشرات كبيرة وإحصائيات مخيفة تجعل الحديث عن هذه الظاهرة أمراً يستوجب الدراسة ويتطلب البحث عن المعالجات والحلول. إن من أعظم أسباب انتشار العنوسة هي تلك العادات والتقاليد السيئة والأعراف الخاطئة السائدة كالتباهي في المهور والمغالاة فيها والتفاخر في التجهيز لمؤن الزواج وتكاليفه فهذا سبب رئيسي وعائق كبير أدى إلى نشوء هذه المشكلة. ومن العادات القبيحة التي تتسبب في استفحال وانتشار ظاهرة العنوسة الأعراف القبلية والفروقات العنصرية والعصبية فبعض الناس يشترط في الزوج أن يكون من قبيلة فلان أو من آل فلان ويشددون في هذا الأمر على حساب عنوسة أبنائهم وبناتهم ولا يراعون إيمان المرء وتقواه وصلاحه وإنما يراعون نسبه واسمه ورسمه. وبعضهم يشترط الترتيب بين الفتيات في الزواج فلا يزوج الصغرى قبل أختها ولا يزوج الكبرى قبل الصغرى مهما كانت الظروف والدواعي ثم يستمر هذا المسلسل حتى يصرن البنات كلهن من العانسات بسبب هذا التشدد الخاطئ في عدم تزويج البنت قبل أختها التي هي أكبر منها. وبعض الآباء يأخذه الجشع ويستخفه الطمع إلى أن يصد الخُطاب عن بناته حتى يأتي إليهن من هو أرفع قدراً وأكثر مالاً خاصة إذا رأى في ابنته جانباً من الجمال أو المستوى المرموق وفي النهاية يتباعد الناس عنه ويتركونه بسبب كثرة رده لهم وسماعهم عنه برد فلان وفلان أو يقوم باشتراط شروط تعجيزية يفرضها على الخاطب ليصرفه بها عن خطبة ابنته وهنا تتسع دائرة العنوسة.