على خلفية استقالة الأستاذ خالد الديني من قيادة المحافظة في هذه المرحلة الحرجة تعالت الردود التي تطالبه بالرجوع عن قراره كونه شخصية تتمتع بقبول واسع داخل المحافظة, وكفاءة في إدارة ملف المحافظة, هذا ما طُرح في المواقع وتعليقات الزوار, وإن كنت لا أقيّم الأشخاص والمواقف من خلال تعليق على خبر أو مقال لمعرفتي بكيفية صناعة هذه التعليقات وتوجيهها وتوظيفها, ولكن كثيرا ما ينقصنا في تحليلنا للأحداث؛ النظرة العميقة في خفايا الحدث وأبرز العوامل والمؤثرات التي تؤثر فيه, حتى نستطيع أن نصيب كبد الحقيقة في أحكامنا ومواقفنا. وهنا قضية أخرى لها علاقة كبيرة بموضوعنا؛ وهي العاطفة الجامحة التي دائما ما تسبق عقولنا لتحل مكانها ويكون الحسم دائما لها ومن جهتها. وموضوع الأستاذ خالد الديني وعلى كثرة ما سمعت عنه إلى أنني أفرق بين الأستاذ خالد الديني الإنسان الذي يتمتع بكثير من الأخلاق والآداب التي شهد له بها كثير من الناس, وبين الأستاذ خالد الديني محافظ المحافظة والعضو المؤتمري والذي يحيط به سجاج كبير جدا ومغلق من كل الاتجاهات من أعضاء حزبه إشتراكيوا الأمس مؤتمروا اليوم, هنا المسألة تختلف تماما والتقييم لابد أن يأخذ في الاعتبار كل هذه المعطيات, ومن هذا المنطلق نستطيع أن نبني نظرة وأن نجري تقييما دقيقا بعيدا عن العاطفة التي دائما ما تجتذبها الأخلاق الفاضلة نحوها. وبالتالي فإن إدارة المحافظة لا تقوم على شخصية واحدة إلا إذا كانت الإجراءات النظامية مختلة أو مغيبة, وهناك فريق كامل يتبع هذا المحافظ في إدارة البلاد ويشترك معه في المسؤولية أيضا, وربما يكون الطاقم هو العائق الأكبر أمام أي تقدم وتطور في الإدارة, ولهذا فإن الدول التي يأتي رئيسها عبر صندوق الاقتراع فإن أولى إجراءات التغيير أن يأتي بطاقمه وإدارييه ومساعديه حتى يستطيع أن ينجح في مهمته وعمله, هذه حقيقة سياسية سارية المفعول في كل زمان ومكان. وإذا نحينا الأستاذ خالد الديني الإنسان والمواطن والشخصية المعروفة على اعتبار أننا متفقون على نزاهته, فهل سيكون حُكمنا على الأستاذ خالد الديني المحافظ المؤتمري والمسؤول الأول أمام الله أولا ثم أمام الجمهور الحضرمي ثم أمام التاريخ حينما يدخل في سجلاته وصفحاته, نفس الحكم الأول, من وجهة نظري أن المسألة تختلف تماما, لأن تقييم الشخصية القيادية الأولى في المحافظة يكون من خلال الانجازات والتغيير الذي شهده المواطن ولامسه في حياته اليومية على اعتبار أنها صاحبة القرار, وليس من خلال الجوانب الخلقية والسلوكية في حياته, ولهذا عندما قال عمر بن الخطاب – وهو من هو في أخلاقه وسلوكه – " إن رأيتم مني اعوجاجا ًفبماذا تقومونني ..؟ وينهض رجل من عامة الناس في المسجد – مواطن – وقد سل سيفه قائلا ً: نقومك بهذا ..!! ويرد عمر رضي الله عنه: الحمد لله الذي وجدت في رعيتي من يقومني إذا أخطأت", لأن الحُكم إذا لم يحسن الإنسان إدارته فماذا تنفع الأخلاق الحميدة والفاضلة, ومن هنا جاء دعاء عمر المشهور " اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة" أي جرأة الفاجر على أداء باطلة دونما حساب لأي اعتبارات, وعجز الرجل الثقة النزيه عن فرض الحق والعدل, فكونه ثقة لم يمنع عمر من الاستعاذة بالله منه, وكان – رضي الله عنه – يوصي كل من يوليه ولاية بعدة وصايا من ضمنها ( … إن وجدناك أمينا ضعيفا, استبدلناك لضعفك, وسلّمَتْك من معرّتنا أمانتُك ) وقد أخذ العلماء من قوله تعالى ( يا أبت استأجره أن خير من استأجرت القوي الأمين ) أن يكون الحاكم يتمتع بالأمانة والصلاح والقدرة على فرضه وتطبيقه ونشره بين الناس أي القوة, وإلا فتنحيته أولى وأفضل, لقد كانت نصيحةُ النبي -صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر الغفاري – وقد جاء طالبًا الولاية ، طامعًا في عطاء النبي -صلى الله عليه وسلم - نصيحةُ محب صادق حريص على من يحب ، فقال له: يا أبا ذر ، إني أراك ضعيفًا ، وإني أُحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمَّرَنَّ على اثنين، ولا تولين مال يتيم ) (إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة ، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها (صحيح مسلم. فلابد من الأخذ في الاعتبار أن المحيط الذي يحيط بهذا الشخص أو ذاك له الدور الأكبر في إفشاله وعدم نجاحه, والتاريخ مليء بالشواهد على هذا, وليس هذا بالحجة التي تجعله في مأمن من المؤاخذة والمساءلة أمام الله عز وجل , وأمام الرأي العام من شارع وإعلام ومؤسسات قضائية ثانيا. وأظن أن الأستاذ خالد الديني قد أوتي من هذا الجهة؛ وهي البطانة التي كانت حوله, حيث أن المعروف عنها أنها غارقة في الفساد حتى شحمة آذانها, وأنّى لشاب حديث عهد بسياسة أن يقارع هؤلاء الدهاقنة وأن يستقل بقراره وحكمه, فهي تمثل البيئة الفاسدة الذي تفسد كل من يدخل فيها ويتعايش معها, ولهذا فإن خيار الاستقالة لن يصلح الأمر بقدر ما هو سيقدم فرصة لهؤلاء ليحددوا من يملئ هذا الفراغ من نفس تلك العينة. وحتى أكون أكثر صراحة ووضوحا, فإن الأستاذ خالد كان يمثل منظومة متكاملة تسير وفق رؤية حزبية ممنهجة مرسومة ومحددة المعالم مثله مثل أي حزبي في الساحة, ولم يكن يستطيع أن يخرج عن هذا الإطار, ولهذا لم يقدم ما كان يؤمل منه سوى الانشغال بإطفاء الحرائق فقط, فلم يُقيل أحدا من الفاسدين, ولم يقدم أحدا منهم للمحاكمة, ولم يكن خصما وندا للعسكر, ويقف ضد تصرفاتهم الهمجية والبربرية, ولم يوقف عملية النهب المنظمة, وإن كان مجيئه في فترة حرجة جدا, فإن بإمكانه أن يقدم أكثر مما قدم لو لم يكن يتحرك وفق إطار حزبي وحاشية تحيط به مثل الذئاب الضارية, وبالتالي فإني أعتذر للأستاذ خالد وأقول له: يا ليت لو تضع النقاط على الحروف ليعرف المواطن الحضرمي حقيقة ما يدور في أروقة إدارة المحافظة. وأقول له أيضا: هلا فعلتها وقدمت استقالتك؟؟ لعلمي أنك لن تقدم أفضل مما قدمت, ولا تملك الخيار الذي يجعلك تتفوق في إدارة المحافظة, ولم يكن المحيط الذي يحيط بك محفزا ومشجعا, لأنك ملتزم بالتزامات حزبية هي من خذلتك, ومع هذا أضع شرطين لتقديم الاستقالة وهما: أن تكوّن مجلسا من أبناء حضرموت ممن عرفوا بالنزاهة والكفاءة ورجاحة العقل من العلماء والأكاديميين والمفكرين والكتاب وقادة القبائل كمجلس وطني لإدارة المحافظة ويتخذ موقفا حازما في وجه غطرسة صنعاء وعنجهية حكامها, وعلى أن يكوّنوا جبهة شعبية واسعة وتكون أول إجراءاتهم: السعي الجاد في إخراج العسكر من حضرموت عن بكرة أبيهم وإبدالهم بجيش من أبناء حضرموت, والثاني: طرد الفلول المفسدين الذين يحيطون بك واستبدالهم بأخيار وأمناء وأكفاء, وهنا أستطيع أن أقول أن حضرموت وضعت قدمها على الطريق الصحيح. مع كامل ودي وتقديري وتحياتي لك, والله يوفقك لما فيه خير لك ولحضرموت وأهلها.