أثارت فتوى الشيخ عبدالرحمن البراك بتكفير مستبيح الاختلاط ردود فعل كثيرة في العالم العربي والإسلامي، بل وأثارت لغطا في الإعلام الغربي الذي تلقفها بفرح شديد كونها تمثل دليلا قاطعا على الغلظة والتشدد إزاء المرأة، وعلى الإرهاب الفكري للوهابية التي هي منه براء. لكن فتوى البراك لم تترك لنا فرصة للدفاع عن وضع المرأة في المجتمع السعودي، وعن هكذا إفتاء بعزلها بحجة تحريم الاختلاط. ورغم سماحة الإسلام فيما يتعلق بالاختلاط وضوابط الخلوة الشرعية وغير الشرعية مما أفتى بها علماء المذاهب الأربعة، ورغم ما أعلنه وزير العدل السعودي من عدم وجود أصل لمصطلح "الاختلاط" في مصادر التشريع الأساسية سواء في القرآن أو السنة، إلا أن بعض علمائنا الأفاضل ما زالت تؤرقهم فكرة خروج المرأة من عزلتها التي فرضت عليها قسرا، ومازالت أنثى هذه الديار شغلهم الشاغل، يصدرون الفتوى تلو الفتوى لتكبيلها وشل حركتها. والمؤلم هو أن هذه الفتاوى يمكن تصنيفها ضمن الفرقعات الإعلامية، والحملات التحريضية ضد كل منجز للمرأة السعودية، وتدخل ضمن ما يعرف ب"الفتاوى الجدلية" الصادرة من أفراد متشددين يمكن مجادلتهم بل ورفع دعوى ضدهم، خلافا لما يصدر عن المجامع الفقهية وهيئة كبار العلماء. وتذكرني فتوى البراك بتلك الفتاوى الفسفورية التي أطلقها علماء دين آخرون مثل فتوى الداعية المنجد بقتل "ميكي ماوس" وما أسفرت عنه من تشويه لصورة الإسلام في القنوات والمواقع الإعلامية الغربية ما زاد الطين بلة. استقبلت فتوى البراك وأنا في بيروت وأمامي مجتمع سعودي بأكمله بنسائه وأطفاله ورجاله وشبابه وشاباته، تموج بهم ردهات السوليدير، وأرصفة الروشه والحمرا، خرجوا جميعا في هجرة جماعية مؤقته يحتفلون بالربيع ويتنفسون بشغف نسائم الحرية البريئة التي لا تتوفر لهم في عقر دارهم. فهل من تعاليم الإسلام أن يشطر المجتمع إلى شطرين، أحدهما مضيء والآخر معتم؟ ولماذا لا تضيء المرأة السعودية إلا خارج وطنها، وعندما يصلنا ضوؤها وتصطدم به عيوننا، نفتح لها أبوابنا وقلوبنا. فماذا يقول هؤلاء في ثريا عبيد وغادة المطيري وحياة سندي وخولة الكريع، وغيرهن ممن "اختلطن" في دور العلم و بيئة"العمل"، وأدرن الرؤوس بعلمهن وفضلهن؟ وهل هن ومن أيدهن كفار حسب فتوى الشيخ البراك؟ والمضحك المبكي هو أن معظم الفتاوى تركز على المرأة، المخلوق الضعيف الذي وعلى مرأى من الجميع، يطلق بطرا، ويحرم من نفقة المتعة بخلا أو انتقاما، ويحرم من فلذات أكباده قسرا، ويعذبون بعيدا عنه تجبرا، ويحرم من السفر"مزاجا"وعنترية، وتستباح عواطفه وتغرس السكين في خاصرته تعددا ومسيارا ومسفارا. وحين يتحرك هذا المخلوق المنهك بحثا عن مصد رزق يغنيه عن جور الرجل، تبيع فيه للمرأة كل ما يخص المرأة، يهب هؤلاء جميعا ليمنعوه شاهرين في وجهه فتوى القنوط! ومازال سيل الفتاوى منهمرا، ومازالت المرأة السعودية معلقة.. فوق صفيح ساخن. - عن جريدة الوطن السعودية