من أهم السمات التي تتصف بها المجتمعات الديمقراطية هي وجود نقابات مهنية تمثل كافة القطاعات العاملة, ولا يعقل ونحن في القرن الحادي والعشرين أن تغيب هذه السمة في مجتمع معين ومهما كان السبب.ان النقابات وجدت لتهتم بأمور العاملين وترعاهم وتدافع عن حقوقهم المشروعة التي يشرعها الدستور الديمقراطي. من المعروف والمتعارف عليه هو ذلك الدور الريادي الكبير الذي يقوم به المعلم في سبيل تنمية وتطوير وازدهار المجتمع، فهو القائد الحقيقي لمسيرة الأمة الحضارية، لذا فقد منحته الأمم المتقدمة تربويا حقه، فأولته عنايتها، وجعلته يحتل المكانة الاجتماعية العظمى التي تليق به،ويسرت له أسباب العيش الكريم التي تمكنه من القيام بواجبه الضخم على أتم وجه, فهو"الجندي المجهول". مع مطلع القرن الحادي والعشرين يكون قد مر أكثر من قرن ونصف القرن على صدور"البيان الشيوعي" الذي صاغه كارل ماركس وفريدريك أنغلز ليعبر عن موقف الشيوعيين الأوروبيين وبرنامجهم في أجواء تؤذن بانتشار الإنتفاضات الديمقراطية الثورية في القارة الأوروبية. وختم ماركس وانغلز البيان بالنداء والشعار المعروف: "يا عمال العالم اتحدوا"، تتويجاً لتبيانهما الدور التاريخي الجديد الذي تكتسبه الطبقة العاملة الناشئة مع التطور الرأسمالي ونزوعه التوسعي, ومن بعدهم طور لينين شعار "البيان الشيوعي" ليصبح:"يا عمال العالم وشعوبه المضطهدة اتحدوا, فلن تخسروا شيئا إلا قيودكم وأمامكم عالم بأسره كي تكسبوه". لا ادري لماذا لا توجد نقابة للمعلمين في الأردن, أو بالأحرى لماذا لا يتم إعادة إنشاء هذه النقابة؟. من المعروف بأن تشكيل النقابات العمالية يعد من أهم الانجازات التي رأت النور بعد تولي الراحل الملك الحسين سلطاته الدستورية, وكانت نقابة المعلمين أقوى وأهم هذه النقابات, ولكن ولأسباب سياسية أمنية تم حلها ثلاثة أعوام بعد تشكيلها وكان ذلك عام 1956 في عهد الرئيس سمير الرفاعي الجد, وقد تمت الاستعاضة عن هذه النقابة بما يسمى"نوادي المعلمين" لكي لا يشعر المعلمون بأن حقوقهم هضمت, وكما يقول المثل العامي"ضحك على اللحى". في الفترة الأخيرة ازدادت مطالبة المعلمين الأردنيين بإعادة إحياء نقابتهم, وهذا مطلب قانوني مشروع لا غبار عليه..فلماذا يسمح للأطباء مثلا بأن تكون لهم نقابة ويحرم المعلمون من هذا الأمر؟..سؤال وجه مرارا لوزير التربية والتعليم السابق الدكتور إبراهيم بدران الذي رأى أن أمر تشكيل نقابة للمعلمين لا يصب في مصلحة الطلاب, ويضع العراقيل في تقدم المسيرة التربوية في الأردن, لا أدري كيف توصل معالي الوزير إلى هذه النتيجة ومن أين أتى بها, فالمعلمون كغيرهم من"الشغيلة" بحاجة ماسة إلى إطار يرعاهم والإطار الوحيد والأوحد هو النقابة وليس غيرها. حسب رأيي المتواضع بإمكاني القول إن معالي الوزير يعرف تمام المعرفة لماذا يعارض إنشاء نقابة للمعلمين, فعندما طالب المعلمون في سبعينيات القرن المنصرم بإعادة إحياء نقابتهم كانت المخاوف أن يقوم التيار السياسي اليساري القوي آنذاك بالسيطرة على هذه النقابة تماما كما سيطرت عليها بعيد تأسيسها القوى اليسارية من بعثيين وقوميين عرب وتيارات إسلامية"الإخوان المسلمون", وأما اليوم فالمخاوف تزداد لأن التيار الإسلامي يقف بالمرصاد وهذا ما لا تريده الحكومة كون المعلمين هم أصحاب النفوذ الأقوى وتسييس النقابة أمر لا بد منه. لقد تفاءلنا خيرا عندما تم تعيين الدكتور خالد الكركي وزيرا للتربية والتعليم وقلنا بأن هذا التعيين يعد خسارة فادحة للجامعة الأردنية ومكسب كبير لهذه الوزارة والمسيرة التربوية والتعليمية, وقلنا كذلك بأنه سيدعم المعلمين في كافة مطالبهم بما فيها تشكيل نقابة لهم, ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن, فقد طالب معالي الوزير الجديد المعلمين بالاكتفاء بتشكيل اتحاد خاص بهم وهو أمر أيضا ينطبق عليه المثل العامي"ضحك على اللحى", فهذا الاتحاد سيكون كحجارة الشطرنج تلعب به الحكومة وتحركه كيفما تشاء وأين تشاء, فلا حول له ولا قوة..إن أملنا بالدكتور الكركي لا يزال قائما وهو الذي سينصف المعلمين الذين يربون الأجيال التي بدورها تصنع المستقبل. منذ قرابة القرن ونصف القرن تم تأسيس اتحاد التعليم الوطني الأمريكي وله مهامه وفعالياته التي تخدم المعلمين وتضمن حقوقهم وأيضا ترعى مسيرة التعليم وتحافظ على أن تكون على أعلى المستويات..نعم, هذا ما يحدث في أمريكا, وأما في الأردن فمطالبة المعلمين بتأسيس نقابة لهم ينظر إليها وكأنها مطلب غير مشروع, بل يعاقب عليه القانون, والمعلمون خارجون على هذا القانون, والسؤال الذي يطرح نفسه:هل المعلمون في أمريكا وغيرها من الدول المتحضرة أفضل من معلمي الأردن؟..سؤال أهمسه في آذان أصحاب القرار, فهل من مجيب؟. أكثر من مئة وعشرين ألف معلم ومعلمة في الأردن يطالبون بإنشاء نقابة أو بالأحرى إعادة تفعيلها وتشكيلها..نقابة قام بحلها سمير الرفاعي الجد, فهل يقوم سمير الرفاعي الحفيد بإعادة تأسيسها وإصلاح ما أفسده جده, أم أن العطار لا يصلح ما أفسده الزمن, أو إن الحفيد لا يصلح ما أفسده الجد؟. وللمعلمين أقول, يا معلمي الأردن اتحدوا فلن تخسروا شيئا إلا حقوقكم المسلوبة, وأمامكم مستقبل طويل لتناضلوا فيه من أجل إعادتها. كلي أمل بأن تشكيل نقابتكم بات قاب قوسين أو أدنى وان كتب لكم النجاح في تشكيلها فعليكم وضع مصالحكم العليا المشتركة فوق المصالح الحزبية الفئوية الضيقة, فالنقابة تمثل كل المعلمين بغض النظر عن انتمائهم الحزبي والسياسي, راجيا لكم ومن الأعماق النجاح الباهر, يا صناع الأجيال, ورحم الله شوقي عندما قال فيكم:قم للمعلم وفه التبجيلا**كاد المعلم أن يكون رسولا. خاص بحشد نت -القدس المحتلة