لا أسهل من أن يحمل المرء جميع أخطاءه على شماعة غيره, و لا أسهل من تختصر جميع مشاكل الدولة في شخص أو مؤسسة واحدة ! خرجت ثورة ال 11 من فبراير تطالب بإسقاط نظام حكم فاسد فاختزلها البعض في "يرحل", و انساق البعض الآخر لهم في ظل عاطفية اللحظة و حرارة الموقف, رحل الرجل و لم يرحل, كعجوز متشبث بالحياة حتى آخر قطرة من دمه, و بقي النظام و بقيت أركانه و أعمدته قائمة بقوة العهد القديم و بشرعية الثورة الحديثة. لم يتغير الكثير في حياة العامة من الناس بعد الثورة بل ربما ازدادت الأوضاع سوءاً و لم يعد الحديث عن أن الثورة حققت أهدافها "برحيله" مجديا عند هذه العامة بل و حتى الخاصة ! و صار لا بد من كبش فداء جديد يغطي سوءة هذا النظام و تختصر فيه المشكلة فوقع الخيار السهل هذه المرة على مرشح التوافق الذي جاءوا به بأيديهم و الذي كان متوقعا أن يكون أداة بأيديهم يسيرون به المرحلة الانتقالية وفقا لمصالحهم التي لم تتحقق في عهده وبذلك أصبح عدوا لهم. أتساءل دائما عن سر مشكلة هذه البلد التي لا تهدأ, و أتذكر مقولة لأحد الدبلوماسيين البريطانيين الذي قال و هو يغادر اليمن بعد فترة عمل طويلة نسبيا: سأغادر اليمن كما دخلتها لا أفهم سببا لمشاكلها و لصراعاتها. و كلما اقتربت أكثر من مراكز النفوذ أزددت قناعة أن المشكلة لم تكن صالح فحسب و لن تكون هادي و لن تصبح فلان, المشكلة اليمنية مشاع بين أبناءها يسهم فيها المواطن البسيط بجزء كما يسهم فيها النافذ الكبير بأجزاء متعددة. خلال الفترة السابقة كنت متوسما في شخص هادي حلا و مخرجا من مأزق الأزمة التي تعصف بهذه البلد و كنت أعبر عن رأيي هذا بحرية مطلقة باعتبارها أحد أهم الحقوق التي طالبنا بها خلال ثورة التغيير و التي كانت هي أهم ممارسة عملية لهذا الحق و فوجئت بكثير من الردود التي تحمل التنميط و الكره و القذف و السباب, و ما ذلك إلا تعبير حقيقي عما وصلنا إليه كشعب من مساهمة فاعلة في خلق المشاكل لا في صناعة الحل .. و هذا الأمر يجعلني أتساءل مجددا هل كانت المشكلة صالح و هل هي الآن هادي و هل ستكون مستقبلا فلان ! و لماذا نصر على اختصار الدولة في شخص ؟ ألا يعزز هذا للديكتاتورية من حيث لا نعلم ؟ و ألا يركز هذا القوة في يد رئيس ظالم كان أو عادلا؟ لماذا مثلا لا يقوم منتسبو الأحزاب بإصلاح أحزابهم من الداخل قبل الحديث عن الشأن السياسي العام أو على الأقل بالتزامن معه ؟ لماذا لا يتحدث منتسبو حزب الإصلاح مثلا عن بنية الحزب التي لا يعرف لقيادتها رأس من أرجل و كلما قامت إحدى هذه القيادات بخطئ يستحق الوقوف أمامه قال بعض منتسبوه أن هذا الشخص لا يمثلهم ! إن لم يكن حميد و آل الأحمر بكل قضايا الفساد و استغلال السلطة لتحقيق أرباح و منافع شخصية محضة, و علي محسن و كونه اليد العسكرية لعلي صالح منذ توليه الحكم و الزنداني باستغلاله للدين لأجل السياسة يمثلون الحزب بكل أخطاءهم و أياديهم التي تلطخت بآلام و معاناة الشعب فمن يمثله ؟ و لماذا لا يعترف الإصلاح بأن جناحيه الديني و القبلي قد أساؤوا استخدام الحزب بكل إمكانياته و كوادره العظيمة منذ بدء إنشاءه و حتى اليوم ؟ و لماذا يتعرض أحد أعضاء الحزب مثل ألفت الدبعي لكل أنواع القدح و السب لمجرد أنها خرجت عن السرب و تحدثت عن الأخطاء و أهمية الإصلاح من الداخل؟ و لماذا مثلا لا يتحدث منتسبو المؤتمر الشعبي العام عن إعادة هيكلة الحزب و ترميم الصدع و التحول من حزب الزعيم إلى حزب البرامج و الكفاءات و هو الحزب الذي يمتلك قدرا كبيرا منهم لولا ولوغهم في قضايا فساد و استغلال المال العام و استغلال إمكانيات و موارد الدولة لرفد جيوبهم الشخصية وفقا لثقافة حمران العيون. لماذا لا يقف أنصار الله أمام أنفسهم لمراجعة أيديلوجيتهم القائمة على التفوق العرقي و المذهبي و الذي جاء جدهم – كما يدعون – لدحضه و لتفضيل التقوى على النسب و المكانة. و لماذا لا يسعون لتأسيس حركة سياسية سلمية ترمي السلاح خلفها و تلتزم بأدوات العمل السياسي الديمقراطي ؟ و لماذا لا يساعدون في بناء الدولة المدنية الحديثة التي قالوا أنهم ملتزمون بها وفقا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي كانوا أحد أطرافه. و لماذا لا يطالب منتسبي الأحزاب بمحاسبة ممثليهم في حكومة الوفاق و هم المشاركون فيها و المسئولون عن نتائجها ! أتذكر مقولة أحدهم أن جميع أعضاء الحكومة الحالية وافقوا على قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية لكنهم رفضوا أن يعلن ذلك على الملأ حتى لا يتحملوا مسئولية المشكلة الاقتصادية التي عجزوا عن حلها بوسائل أخرى من أهمها الوقوف الجاد أمام الفساد المستشري في البلد. و لماذا لا يطالب منتسبي الأحزاب بإقالة أعضاءهم الذين تثبت عليهم قضايا فساد و استغلال للسلطة و انتهاك للقانون من عضوية الحزب و من مناصبهم التي يمثلون بها الحزب في مختلف مرافق الدولة. قرأنا كلاما لبعض منتسبي الأحزاب خلال حرب الدولة على القاعدة في الجنوب يتحدثون عن أهمية هيكلة الجيش قبل الزج به في حروب عبثية, و خلال حرب عمران طالب هم أنفسهم بتدخل الجيش الغير مهيكل في حرب يبدوا أن قادتها العسكريين و الحزبيين دخلوها بغير رضا القائد الأعلى للقوات المسلحة و بغير موافقة أو توجيه من وزير الدفاع ثم اتهم كليهما بالخيانة وفقا لمعيار الحزب و التحالف لا لمعيار الدولة و سيادتها و الأحكام و الأعراف العسكرية. الدولة تبدأ من أصغر مواطن أو تجمع أو تنظيم أو تكتل فينا, و المطالبة بإصلاح الوضع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي يبدأ من هؤلاء جميعا. الدولة ليست شخصا و لا مؤسسة بل هي نحن جميعا وفقا لدستور جامع و مواطنة متساوية و مسئولية مشتركة و من يقبل بأن يخرق العهد المشترك فليتوقع أن يخرقه الجميع من بعده. مبارك البحار ..