طه العامري : عرف بتواضعه الجم وبمثالية عالية , مسالما عاش , عصاميا كان وظل يفلسف الحياة بطريقة مثالية حتى حين جرفته أقداره لتلقي به في خضم المهام الوطنية الجسيمة ومن ثم وجدا نفسه في قلب المعادلة الوطنية الحافلة بكثير من العقد والتعقيدات , لم يخذل وطنه رغم التحديات بل خاض معترك التحولات الوطنية ليمارس دورا وطنيا خلاقا مجبولا بكل قيم الإيثار والتضحية ونكران الذات .. ذلك هو الأستاذ المناضل الشهيد / عبد العزيز عبد الغني صالح رئيس مجلس الشورى الذي شكل رحيلة فاجعة وخسارة وطنية , وليس المشكلة في ( الموت) كحقيقة مطلقة وراسخة في ذاكرة وهويتنا الدينية ' فالموت حق وهو الحقيقة الوحيدة التي نسلم بها ونخضع لفلسفتها , لكن من عوامل اسباب الموت ما يعمق من فاجعة الواقعة والحدث في الوجدان والذاكرة خاصة بحق إنسان لم يكون يندرج في كل مواقفه في سياق أجندة ( التميز) السلوكي لبعض من رموز عرفوا (التميز) بأنه قدرا من الكبرياء وقليلا من الغطرسة وكثيرا من التعالي ..!! الأستاذ لم يكون من هؤلاء , كان بسيطا في سلوكه ومتواضعا في علاقته ودمثا في أخلاقه , لكنه كان عظيما في افعاله كبيرا في عمله استثنائيا في علاقته بوطنه ومخلصا لشعبه , وطامحا في الوصول بوطنه وشعبه إلى مصاف الدول والشعوب المتقدمة والمتطورة والمستقرة على كثير من قواعد التنمية المعرفية ..لم يكون الأستاذ عبد العزيز عبد الغني صاحب ( عصاء سحرية) ولم يكون مخلوق أسطوري قدما من كوكب التميز والإثارة .. بل كان مواطنا يمنيا مثله مثل ملايين من ابناء الشعب , لكنه كان متميزا بحبه لوطنه واحترامه لشعبه وتقديسه للنظام والقانون وحبه لدرجة العشق لدوره ورسالته الوطنية , التي يؤديها من خلال وظيفته العامة , ولم تكون الوظيفة العامة بنظر الأستاذ وسيلة للتباهي والتفاخر والتوظيف أو الإثراء , بل كان الوظيفة العامة لها قدسية وفلسفة خاصة عند الأستاذ الذي قدرا له أن يضع اولى فلسفة التنمية الوطنية من خلال الخطط الخمسية التي صاغ ابجدياتها منذ أوائل السبعينيات حين صاغ تلك الأسس التنموية بصورة دراسات نظرية لم يستوعبها _حينها صناع القرار _ لكنه لم يتخلى عنها وظل يسعي لتحقيقها كأسس عملية لقاعدة اقتصادية وتنموية تستوعب حاجة الواقع وتلبي تطلعاته وبحسب القدرات المتاحة التي لا بد من تسخيرها لتعزيز وترسيخ الثورة والجمهورية خاصة وبلادنا خرجت للتو من نزاع داخلي استغرق سنوات وخلال تلك السنوات أهدرت بلادنا الكثير من القدرات المادية والمعنوية , كان وزير الصحة _حينها_ في أواخر الستينيات هو من قدم رؤية اقتصادية لصناع القرار الذين حينها عجزوا عن فهمها فما بالكم في تنفيذها وترجمتها لخطط ميدانية .. في العام 1975م كان البلاد بحاجة لشخصية وطنية قادرة على معالجة الوضع الاقتصادي المتردي , وحين كان الحكومات تشكل وتستقيل على خلفية الخلافات بين رموز المرحلة كان لا بد من البحث عن شخصية وطنية متميزة ليس بقدراتها بل في علاقتها وفي قيمها واخلاقياتها فكان الأستاذ عبد العزيز عبد الغني هو الذي يتميز بكل المواصفات المطلوبة , وفيه تجتمع كل المميزات الإيجابية وبكثير من المثالية والتواضع الجم الذي يتحلى به الاستاذ .. وقع عليه الاختيار لتشكيل الحكومة فكان مثال رائع للنجاح غذ سرعان ما بدت ملامح قدراته الاقتصادية تلقي بظلالها على مسار الواقع الاقتصادي , لينطلق الأستاذ في تقديم اروع نموذج للنجاح الوطني وعلى مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية , لم يكون صاحب نزوع ذاتي للشهرة والتفاخر والتباهي , بل كان لسلوكه الشخصي الراقي والمتواضع عاملا في نجاحه في الاستحواذ على قلوب الكثيرين من ابناء الوطن سوى من العامة او من النخب ( المتناحرة) فيما بينها _حينها_ وهو التناحر الذي افشل تلك الأطراف المتناحرة عن تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار ناهيكم ان تلك النخب المتناحرة تسببت في عرقلة انطلاقة 0 قطار التنمية الوطنية , الذي لم ينطلق إلا منذ العام 1978م حين تولى فخامة الأخ / علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية – حفظه الله _ مقاليد السلطة حيث قدرا لعجلة التنمية أن تدور ولقدرات وطاقات ورؤى ومفاهيم وفلسفة الاستاذ والمفكر والمخطط الاقتصادي والتنموي ان تنطلق في كنف عهد جديد يتطلع للنجاح ويؤمن بالتقدم , وانطلقت رحلة البناء والتنمية الوطنية وبدت عجلة التحولات التنموية الوطنية والحضارية تدور على هدى من رعاية وتوجيه فخامة الأخ / علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية , وعلى يد الأستاذ الحالم بتنمية وتقدم وطنه وتطور شعبه .. لم يكون الأستاذ عبد العزيز عاشقا للسلطة , بل كان عاشقا لوطن وحالما بتنميته وتقدمه , كان يعمل بوفاء ومصداقية وقدرة ووعي بما يريده الوطن ويحتاجه والشعب , لهذا كانت الخطط الاقتصادية والتنموية التي وضع معالمها الأستاذ الشهيد تجسد الحاجة الوطنية وتعبر عن الأولوية المطلوب تحقيقها لتمكين الوطن من الوصول لأهدافه الحضارية .. خلال الفترة الممتدة من العام 1978م _ حتى العام 2011م كان الأستاذ عبد العزيز عبد الغني يجسد بكل سلوكياته ومواقفه عنفوان الضمير الوطني ونموذجية الانتماء المثالي لوطن أن لم يحمل في ذاكرة أمثال الأستاذ , فأي ذاكرة قد تحمله .. مسيرة شاقة لكنها مثمرة , خطيرة , لكن من بين غبار الأخطار اوجدنا الأمان , بعزيمة رجال اوفياء أمثال الأستاذ الذي حل رفيقا واخا بجانب فخامة الأخ الرئيس فكان له نعم الأخ وخير الرفيق ومعا وبجانبهما الكثير من الرموز الوطنية الصادقة والوفية والمخلصة التي شكلت بسيرتها خارطة التحولات الوطنية , وعلى هدى من توجيهات ورعاية الأخ الرئيس , بلغت بلادنا بفضل اولئك الرجال مرتبة تنموية متقدمة .. ليظل الأستاذ عبد العزيز عبد الغني هو الاستثناء في سيرته وسلوكه ومواقفه وحبه لوطنه وعشقه لهذا الوطن بطريقة ربما لم يستوعبها البعض ممن أخذوا عليه بعض (المواقف) منها قول (البعض ماذا فعل لهذه المنطقة او تلك )..؟ لم يدرك هؤلاء رؤية رجل بحجم ومكانة الأستاذ الذي قطعا خسرته بلادنا لأننا لن نرى ولن نعرف شخصية وطنية يمكن أن تغطي غياب الأستاذ عبد العزيز عبد الغني الذي فقده وطنه وفقده شعبه , وفقدته أحلام وتطلعات الأجيال اليمنية , التي لأجلها عمل الأستاذ عبد العزيز ومن اجلها فكر ووضع الخطط الاقتصادية والتنموية . طبعا وكما اسلفت لم يكون الأستاذ يمتلك ( عصا موسى) وليس لديه قدرات أسطورية خارقة , لكنه كان أولا إنسان وبصفات الإنسان النموذجية اتصف ومارس حياته وعلاقته , وكان محبا لوظيفته عاشقا لرسالته متيما بحب وطنه , لم يفكر يوما بذاتية ولم يمارس السلطة بطريقة الانتصار للرغبات وأن كانت مشروعة .. وفيا صادقا حكيما نقيا لم يسئ لأحد ولم يتذمر من احد , لم نسمع ويسمع عنه أبناء اليمن يوما أنه سخر وظيفته واستغل مكانته لتحقيق مصالح ذاتية , بل عاش عصاميا زاهدا متواضعا , كريما بولائه للوطن وبوفائه للقائد الرمز وبحبه لشعبه .. لا شك ان الأزمة التي فجرتها بعض الأطراف خلال الأشهر الماضية نالت من الأستاذ وأزعجته وهو الذي عائش كل الأزمات والمنعطفات لكنه قطعا لم يشهد في حياته الحافلة بالمخاطر والأخطار أزمة سبق للوطن ان شهدها ببشاعة الأزمة الراهنة التي أذهلته بدوافعها واسبابها وبطريقة إخراجها وحتى بأدواتها ورموزها .. قطعا لم يكون يتوقع أنه قد يشهد ازمة بهذه الطريقة التي نرى فيها واقعنا ومكاسبنا التي عمل عليها رجال الوطن طويلا مهددة بالخطر كما هو حالنا اليوم .. نعم كانت الأزمة بمثابة صدمة للأستاذ ولكل من سار في دربه في سبيل تقدم وتنمية الوطن .. ومع ذلك لم يتردد في بذل كل جهوده وطاقاته ومساعيه لحل الأزمة والوصول مع اطرافها لتوافق واتفاق وبما يحفظ أمن واستقرار الوطن ويحفظ مكاسب ويصون تحولات في ظل متغيرات إقليمية ودولية جد خطيرة وكان الأستاذ أكثر من يدرك خطورة الوضع الإقليمي والدولي , وممكنات توظيف واستغلال الأزمة الداخلية لتندرج في سياق المساومات المحورية التي قطعا لن تصب في خدمة شعبنا ووطننا ومكاسبهما لهذا بذل الأستاذ وطيلة ايام الأزمة الكثير من الجهود والمساعي بين اطرافها وتنقل من ( بيت لأخر) وحاور كل الأطراف تقريبا , وتقريبا أن لم يكون أكيد اصيب رحمة الله عليه بصدمة من طروحات مفجري الأزمة وهي طروحات جديدة حتى بمفرداتها لم يكون الاستاذ يتوقع سماعها يوما من يمني بما في ذلك الشعارات التي رفعتها أطراف الأزمة ..إلا أن وقعت جريمة ضرب مسجد الرئاسة في اول أيام الأشهر الحرم وفي اول جمعة من رجب وهي الجمعة التي أطلق عليها ( جمعة الأمان) .. لكنا وفي جمعة الأمان شهدنا ابشع وأقذر وأهمج جريمة غير مسبوقة في التاريخ ارتكبها للأسف ( بعضنا) من عشاق السلطة ..؟ ترى أي سلطة هذه يمكن الوصول إليها من خلال أجساد رموز وهامات وطنية ..؟ أي سلطة هذه تستحق التضحية بهامة وطنية بمحجم الأستاذ/ عبد العزيز عبد الغني ..؟ هل لا يزال من يسمون أنفسهم ب( الثوار) يصرون على الانتصار وأن كان رجل ومفكر وطني وشخصية وطنية مثل الأستاذ / عبد العزيز عبد الغني هو أول ضحايا هؤلاء ( الثوار) أو على حسابهم ارتكبت الجريمة ..؟!! هل استشهاد الأستاذ عبد العزيز جزءا من مشروع انتصار ( الثورة)..؟!! كما يؤكد البعض هذا ممن فقدوا البصر والبصيرة ..؟ نعم أجزم أن الأستاذ عبد العزيز لم يخسر حياته في هذه الجريمة , بل نحن والوطن من خسرنا الأستاذ وفينا القتلة أيضا داخلين في الخسارة ففي الأخير جميعنا يمنيين وليس بمقدور احدنا ان يلغي الأخر او يفرض خياراته على الأخر لكن المطلوب منا جميعا احترام القانون وتقديس النظام .. لقد خسرنا علما وطنيا عاش من أجل اليمن واستشهد في سبيلها , فإن شعرنا أن استشهاده فاجعة ورحيله عنا خسارة , فعلينا ان نجعل استشهاده عامل توحيد لمواقفنا ونعود لعقولنا ولنبدأ نحاور بعضنا اقتداء بشهيدنا الأستاذ الذي كان يؤمن بالحوار كما كان مستمعا جيدا لكل من يحدثه .. طبعا الأستاذ لم يرحل عناء بل باق بسيرته ومأثرة وتاريخه وتراثه الأخلاقي الوطني والإنساني .. قطعا لن ننسى الأستاذ / عبد العزيز عبد الغني الذي تشكلت قناعتنا وذاكرتنا مع سيرته ومن خلال حضوره على الخارطة الوطنية ودوره في تشكيل هذه الخارطة بالكثير من المنجزات والمكاسب ..لكن بالمقابل نتساءل أليس من الأجدر بناء ان نقف امام فاجعة استشهاد هذا الرمز الوطني ونتخذ من الواقعة قاعدة للاتفاق والتوافق والحوار والعمل لمصلحة الوطن والشعب وبما يصون منهما ومنجزاتهما بعيدا عن المكابرة والنزوع للانتصار للرغبات الذاتية لهذا أو ذاك , تجسيدا لحقيقة ان الأزمة ليست أزمة وطنية بل أزمة ( ذاتية) لبعض أطراف الأزمة ممن يعانوا من حالة نرجسية تدفعهم لجعل أنفسهم انداد للوطن بل ويتوهمون انهم من يقرر مستقبل ومصير هذا الوطن ..؟!