مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    رسالة سعودية قوية للحوثيين ومليشيات إيران في المنطقة    كأن الحرب في يومها الأول.. مليشيات الحوثي تهاجم السعودية بعد قمة الرياض    ماذا تعني زيارة الرئيس العليمي محافظة مارب ؟    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    طفلة تزهق روحها بوحشية الحوثي: الموت على بوابة النجاة!    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    أصول القطاع المصرفي الاماراتي تتجاوز 4.2 تريليون درهم للمرة الأولى في تاريخها    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    استشهاد 6 من جنود قواتنا المسلحة في عمل غادر بأبين    استشهاد 23 فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    ريمة سَّكاب اليمن !    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(أهم وأخطر) كتاب عن القات ودوره في الحياة السياسية في اليمن
نشر في حشد يوم 17 - 12 - 2012

صدر في يونيو العام الحالي 2012 كتاب بالألمانية والانجليزية للباحث بيير جاتر Peer Gaater، بعنوان سياسة القات "Politics of Qat" دور القات في حكم اليمن، لعله أهم كتاب على الاطلاق عن هذه النبتة الخبيثة ودورها في حياة اليمنيين، جاء صدوره متزامناً مع الثورة اليمنية التي تعيشها اليمن ولا تزال منذ ثورة الشباب السلمية التي جاءت لتغيير وتصحيح مسار تاريخ اليمن لبناء دولة مدنية ديمقراطية تتجاوز كل سلبيات الماضي البغيضة، بما فيها "القات".

"قليلة هي المنشورات التي تتحدث عن اليمن وتغفل عن ذكر ظاهرة القات. من بين فيض الكتب والمقالات المكرسة لهذا العقار ثمة عدد لا يستهان به منها يناقش مسالة ما اذا كان القات في الواقع هو نوع من انواع "المخدرات". فحتى اليوم يتم تباحث هذه المسالة المثيرة للجدل داخل الاتحاد الأوروبي: فهو محظور في المانيا وجايز قانوناً في بريطانيا العظمى بينما تجري حالياً في هولندا مداولات ساخنة حول فرض حظر محتمل على القات. الم يغدو كل شيء معلوم الآن عن هذه المادة التي تشكل الحياة اليومية لليمن واليمنيين الى حد كبير اكثر من اية اشياء عديدة اخرى. إذا ما امعنا في تحليل الأدبيات الخاصة بالقات سنكتشف اننا على اطلاع كبير جداً عن القات من حيث التاريخ، وعلم الصيدلة، والكيمياء الحيوية، والتاثيرات الصحية، فضلاً عن الجوانب الاجتماعية المتعلقة به. ومع ذلك وعند استعراض هذه الأدبيات سنكتشف بالتالي ان القليل معروف حتى الآن عن القات من حيث الاقتصاد ناهيك عن السياسة. ان البعد السياسي لهذه الظاهرة هو موضوع محوري قد تم تجاهله بشكل كامل تقريباً حتى الآن من ِقبل البحث العلمي: فباي شكل يعتبر القات اداة من ادوات السلطة بالمعنى السياسي للكلمة؟
يقدم بيير جاتر طي هذا الكتاب عمل رايع مستند على معرفته المكثفة بالموضوع: فقد عاش في اليمن لسنوات عديدة على هامش عمله في الأمم المتحدة والبنك الدولي وكمستشار في عدة وزارات يمنية وعضو في لجان دولية، جمع على اثر ذلك مادة مثيرة للإعجاب عن القات تمحورت مراجعها دوماً على الرصد التشاركي والمسوحات الميدانية المتعددة. بذلك اكتسب جاتر روى عميقة عن العمليات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تحيط بقضية القات والتي بقت حتى الآن محجوبة حتى عن اعين الخبراء في شوون المنطقة. لقد تمكن بيير قاتر من الحصول على المواد التي تفتح افاقاً جديدة تماماً على "ظاهرة القات".
لقد ا ْضفَت الحركات الثورية، التي احكمت قبضتها في اليمن على مدى العام الماضي على هذه الدراسة المزيد من الأهمية ووثاقة الصلة، حيث لعبت مسالة القات دوراً مركزياً في هذا السياق، اذ يمكن فعلاً القول من دون تردد: ان المناورات على السلطة، والفساد، والمحسوبية، والنظام السياسي المشخصن في اليمن، يصبح قابلاً للفهم فقط عندما يتم اخذ عامل القات على نحو مناسب في الاعتبار. وفي هذا الصدد، فان هذا العمل الذي بين ايدينا يشكل حافزاً نحو ادراك اعمق للكيفية التي يتفاعل بها المجتمع اليمني. ليس فقط من خلال استخلاص المعرفة السابقة عن القات، ولكن ايضا بتزينها بمكوِّن مهم للغاية – الا وهو البعد السياسي."

كانت تلك ما كتبته دار "هورست كوب" للنشر في مدخل الكتاب.

يقول الباحث: "ان ما كُتب حول عادة مضغ القات ودورها الاجتماعي وتاثير استخدام القات على الصحة هي ادبيات جديرة بالإعجاب الى حد كبير، وعليه فهذا الكتاب لا يسعى للتكرار بل يقوم بالتركيز على دور القات في السياسة المتعلقة باليمن المعاصر والمنطقة بشكل اوسع – وهو موضوع قد تم تجاهله تماما حتى الآن. ان استعراض سياسات القات والأحداث الاقتصادية خلال العقود الماضية ستُظهر كيف ان الحكومات اليمنية المتعاقبة تنبهت واستخدمت القات بشكل متزايد كاداة من ادوات السياسة وسوف توضح ايضا ان اجراءات الحكومة تجاه الَعقار ليست بدافع الرغبة الحقيقية للإصلاح او لمصلحة تخليص المجتمع اليمني من مفسدة اجتماعية، بل تتمثل ُجل دوافعها في الحاجة الى حشد الموارد المالية والرغبة في السيطرة الاجتماعية والاستقرار السياسي. فالقات السياسي – كما تقترح الدراسة – اصبح وقبل كل شيء جزء من استراتيجية شاملة لاستجلاب الريع توظفها النخبة الحاكمة في اوقات الأزمات الإيرادية بغية تدعيم احتكار الدولة للسلطة والحفاظ على شبكتها الواسعة من المحسوبية. ان ارتباط القات بالسياسة منذ سبعينات القرن الماضي يمثل نوع من الصفقة السياسية بين النظام الحاكم والقبايل، الأمر الذي يفسر موقف الحكومة المتساهل بل والمويد في معظم الأحيان تجاه العقار."

ولعل هذا البعد الخطير هو من إهمال محاور التي يتناولها هذا الباحث، والذي يلقي الضوء على دور "النظام السابق" في اعتماد سياسات دفعت إلى انتشار زراعة القات على النحو الخطير، وتحديداً بعد الوحدة في عام 1990، ويروي قصصاً حول كل ما ارتبط ببناء العلاقات والولاءات في طول اليمن وعرضها، التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت اليه.

وقد حرص الباحث المؤلف، الذي عاش في اليمن طويلاً، مشكوراً، وفي بادرة تعكس تقدير عالي منه لليمن واليمنيين، على نشر تمهيد باللغة العربية نورده كما هو فيما يلي:

تمهيد المؤلف

القات (Catha edulis Forsk) هو المنشط النفساني الذي يُزرع في كثير من المناطق المرتفعة من شرق افريقيا، بدءاً من جنوب السودان مروراً باثيوبيا وكينيا ومدغشقر والترانسفال. ويزرع ايضاً على الجانب المقابل للبحر الأحمر في المرتفعات الغربية لليمن، وعلى جبال عسير وجيزان في المملكة العربية السعودية. وفي حين ينظر اليه باعتباره من المخدرات في معظم الدول العربية، وكذلك في العديد من الدول الغربية، الا انه لا يوجد في اليمن حتى اليوم تشريع قابل للتطبيق للسيطرة على زراعته واستهلاكه او المتاجرة به.
تُزرع هذه الشجرة العنيدة التي تشتهر لدى المزارعين بمقاومتها للجفاف. وفقاً لإحصاءات رسمية على 12% من اراضي اليمن الزراعية، وتغطي 153,500 هكتار في عام 3.2009 ومع ذلك يعتقد عدد من كبار الباحثين اليمنيين ان الرقم الفعلي قد يصل الى الضعف. وفي بعض المناطق المرتفعة من اليمن يشارك اكثر من 90% من المزارعين في زراعة القات. حيث تحتل زراعة هذا العقار ما يربو على 80% من الأراضي المزروعة. ووفقا للتعداد الزراعي لليمن لعام 2003 فان هناك 494,000 من ملاك الأراضي يزرعون القات في المناطق الجبلية وهذا يشكل 43.6%من مزارعي البلاد يمثلون 3.9 مليون فرد اذا اُعتبر ان متوسط عدد افراد عايلة من المزارعين اليمنيين يصل الى اقل بقليل من ثمانية افراد. يستحوذ القات على 6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وعلى ثلث اجمالي الناتج المحلي الزراعي. حيث يشكل في المتوسط نسبة 10%من نفقات الأسر اليمنية لكن الإنفاق ذو الصلة بالقات قد يصل الى ما يقرب من 30% لدى الأسر الفقيرة. وبينما يوفر قطاع القات فرص عمل لواحد من بين سبعة عمال يمنيين، يشارك في العاصمة صنعاء وحدها نحو 13,000 شخص في بيع هذا العقار. في المتوسط ثمة 72% من الرجال اليمنيين و33% من النساء فوق سن ال12 من العمر يمضغون الأوراق المريرة لنبتة القات، حوالي 42% من المستهلكين الذكور يمضغونه بمعدل خمسة الى سبعة ايام في الأسبوع يظهرون بذلك علامات التعود الإلزامي.

ان القات هو المحصول النقدي السايد والدعامة الأساسية لاقتصاد البلاد في المناطق الريفية، لذا فان الدخل الذي يولّده القات يثني الناس في كثير من المناطق المرتفعة في اليمن عن التوجه نحو المدن من اجل البحث عن عمل. تعتبر شبكة توزيع القات بلا شك الأكثر تقدما في البلاد في حين ان هناك عدد قليل من القطاعات الاقتصادية الأخرى التي تتميز بمثل هذا المستوى من التنظيم. لكن القات يستنزف ايضا موارد المياه الشحيحة، ويسهم في تدهور التربة ومزاحمة انتاج المحاصيل الغذايية الأساسية والصادرات الزراعية. لقد توسعت المنطقة الواقعة تحت هيمنة القات بما يقرب من 20 ضعف خلال العقود الأربعة الماضية، مزيحاً بذلك المنتجات القابلة للتصدير كالبن والفواكه والخضروات والذرة والقمح. وبذلك انحسرت صادرات المحاصيل النقدية مثل البن في حين تعاظمت واردات الغذاء نتيجة للاكتساحات التي صنعها القات داخل الاقتصاد الريفي.

ان استهلاك القات والنفقات المتعلقة به تسهم أيضا في الفساد وسوء التغذية والفقر وتفكك الأسر. وبالنسبة للمنتجين والمستهلكين على حد سواء، يُنظر للقات باعتباره واحد من المخاطر الصحية الرييسية في اليمن، ويرجع ذلك اساسا الى الاستخدام غير المنظم للمبيدات في زراعته. نظراً للأهمية الاقتصادية للقات فانه من غير المستغرب ان تكون الضرائب الناجمة عن انتاج وبيع هذه النبتة جديرة بالاعتبار، بل وتشكل المصدر الرييسي للدخل المحلي لمحافظات كثيرة ولإدارات المديريات. يساهم قطاع القات في ايرادات الحكومة باربع طرق: العشر الدينية المفروضة على انتاج القات )زكاة(، وضريبة النظافة العامة التي تفرض للحفاظ على نظافة اسواق القات، واخيراً فرض ضريبة استهلاك القات وضريبة الشباب والرياضة، على حد سواء والمفروضة على مبيعات القات في حين يتم فرض الزكاة باعتبارها من الضرايب المباشرة التي يتم جمعها على مستوى المزرعة من قبل خبراء تقدير الزكاة. وتفرض الضرايب الأخرى والضرايب غير المباشرة على الحواجز العسكرية على الطرق المودية الى المدن وداخل اسواق القات. بلغت ضريبة استهلاك القات وحدها 3.4 مليار رالب يمني في عام 16) 2010 مليون دولار امريكي(. كذلك يتم تهريب القات عبر الجبال الى المملكة العربية السعودية حيث يحظر استهلاكه وتجارته. ويعتقد ان اعمال التهريب هذه تدر عايدات لليمن بمبلغ لا يقل عن 1 مليار دولار امريكي سنوياً. لكن الحكومة ليس لديها اي سيطرة على هذه التجارة غير المشروعة، ويعتقد ان عايداتها تدعم تمويل الحوثيين في المحافظة الشمالية لليمن صعدة.

اصدرت الحكومات الاستعمارية في عدن وشرق افريقيا حظراً متكرراً على القات دون جدوى. كذلك قامت الحكومات الثورية الحداثية في شمال وجنوب اليمن منذ اواخر ستينيات القرن الماضي بتدشين العديد من الحملات المناهضة للقات وهددت حتى باقتلاع اشجاره. ومع صعود الرييس علي عبدالله صالح الى السلطة في عام 1978 غدت قضية القات من المحرمات واختفى ذكر هذا المحصول من الإحصاءات الوطنية. في ذات الوقت، انتشرت زراعة القات لدى قبايل المرتفعات جراء استحداث اعداداً لا تحصى من الإعفاءات وبرامج الدعم التي اثارت بالتالي موجة لم يسبق لها مثيل من عمليات استخراج موارد المياه الجوفية. لقد جعلت عملية دعم مادة الديزل زراعة القات مشروعاً مربحاً للغاية القرن الماضي - عن اضفاء عدة عقود من الاستقرار النسبي على مرتفعات يتم بذل جهود متجددة ضد انتشار هذا العقار وقبل ان يعاود القات ظهوره في الحوليات الإحصايية لليمن جراء ضغوط الداينين الدوليين.

قامت الوحدة اليمنية عام 1990 مع جنوب اليمن الاشتراكي، حيثما كانت توجد لوايح صارمة بشان القات، لكن الوحدة هذه لم توثر في موقف الشمال تجاه القات، بل بالعكس فقد تم الغاء القوانين الجنوبية المنظمة له واتسعت عباءة التكتم الشمالية بشان القات لتغطي كامل ارجاء البلاد. وفي اعقاب حرب الانفصال عام 1994، تم نشر عشرات الآلاف من القوات الشمالية في كل جزء من الجنوب السابق. وحيث ان معظم هولاء الجنود كانوا معتادين على مضغ القات، فقد تمددت شبكات توزيع العقار حتى الى المراكز العسكرية الصحراوية النايية والتجمعات البدوية على الحدود السعودية والعمانية. وقد افضى الاستهلاك المتزايد للقات بين سكان الجنوب على مدى العقدين الماضيين الى زيادة التحويلات المالية غير المسبوقة من هذا الجزء المهمش اقتصادياً من البلاد باتجاه المرتفعات الشمالية.

لقد غدا مضغ القات اليوم جزء لا يتجزا من الحياة اليومية في كافة انحاء اليمن وعادة مقبولة بشكل عام لدى جميع طبقات المجتمع، وحتى في الوزارات او في مجلسي النواب والشورى تعقد جلسات ما بعد الظهيرة في جو من المضغ. كذلك، تولد لدى النخبة السياسية والاقتصادية في اليمن خلال العقود الماضية اهتمام ملحوظ تجاه القات حيث استثمر العديد من منتسبي هذه النخبة في قطاع القات بسبب ان العوايد الناتجة عن زراعته وتجارته هي ببساطة مذهلة. استفادت قبايل المرتفعات- التي يتم انتاج الجزء الأكبر من القات في اراضيها- كثيراً من نهج سياسة عدم التدخل من قبل الحكومة. وقد مكنت لها الأرباح المستفادة من قطاع القات من الحفاظ على استقلاليتها عن الدولة وبناء جيوش قبلية حقيقية وحتى تجهيزها باسلحة ثقيلة. ان فرض اي تقليص على انتاج القات ناهيك عن فرض حظر على محاصيله او استهلاكه لن يوثر سلباً على سكان المرتفعات الريفية فحسب، بل ان ذلك سيثير مقاومة القبايل وبالتالي سيفضي الى المزيد من زعزعة الاستقرار في البلاد وجعلها غير قابلة للحكم على الإطلاق.

ان العوامل التي تعيق التغيير في اليمن فيما يتعلق بالقات هي قبل كل شيء خوف الحكومة من القوة القبلية والاضطرابات العامة، بالإضافة الى ضلوع العديد من اطراف الطبقة الحاكمة في زراعة القات. يقترن ذلك ايضاً مع عدم قدرة السلطات على فرض القانون في المدن - ناهيك عن المناطق القبلية - مما يجعل صناع القرار يترددون في التحدث علناً ضد القات. ويتفاقم هذا الأمر بسبب العوز الفادح في وجود بدايل لتمضية وقضاء اوقات الفراغ، وعدم وجود انشطة اقتصادية اخرى مجدية ومربحة، الى جانب عدم وجود اسواق للمحاصيل البديلة ذات القيمة العالية.

شهد النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي بداية تحول الدولتين اليمنيتين من دولتين شبه ريعية تعتمدا اعتماداً كبيراً على التحويلات المالية من المهاجرين والدخل السياسي غير المستقر، الى دولة ريعية نفطية موحدة سياسياً. ومنذ ذلك الحين اصبحت السياسة في اليمن متشابكة بشكل وثيق مع ما تسقطه هبات الرياح من القطاع النفطي واسعار السوق العالمية للنفط. تُمثل ايرادات القطاع النفطي ما يربو عن 90% من عايدات التصدير لليمن وحوالي 70%من دخل الحكومة. لقد مكنت هذه الإيرادات النظام، خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي والسنوات الأولى من الألفية الثانية، من توسيع شبكة المحسوبية بشكل كبير وب ْسط سلطته على مناطق كثيرة من الريف. خلال تلك الفترة اصبح ارتباط القات بالسياسة متشابكاً على نحو متزايد مع الوضع الإيرادي للنظام وتم توظيف هذه الارتباطية بشكل متزايد كوسيلة للبحث عن مصادر للدخل في اوقات الأزمات الاقتصادية. على الرغم من المقاومة الشديدة لمزارعي القات والقبايل، الا ان الحكومة شرعت منذ عام 1999 على نحو متكرر في اقامة حملات مناهضة للقات ذات جاذبية جماهيرية عالية. لقد كانت هذه الحملات في اغلب الأحيان عفوية ومنسقة على نحو سيء وبالتالي فقد ماتت معظمها في مهدها ولم تطبق اي من القوانين التي ُسنت حول القات بشكل فعلي على الإطلاق، (على سبيل المثال ذلك قانون عام 2002 التي حظر مضغ القات في المرافق الحكومية) لم تُسفر هذه الحملات عن اية تغييرات من حيث زراعة واستهلاك العقار، لكنها نجحت في اكساب صناع السياسة اليمنيين احترام نظرايهم من الدول العربية وهييت لهم احسان مجتمع المانحين. ودون المساومة على قبضته على السلطة، اصبح النظام هو المستفيد من زيادة مستويات مساعدات التنمية، وفي نهاية الأمر، اثمرت سياسة القات بشكل سخي ليس اقلها سخاء حصول اليمن على وعد مبديي بقبول انضمامها الى مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2016.

لعب القات ايضا دورا مهما خلال "ثورة الشباب" في اليمن عام 2011. فبالرغم من الاعتقاد السايد ان القات هو عقار يولد التراخي والخمول والتقاعس عن العمل، الا انه ساعد على حشد كل من مويدي النظام والمعارضين المتظاهرين ضد صالح: اقام انصار النظام خيامهم في ميدان التحرير وحاولوا الجلوس ضد الاحتجاجات ومضغ القات الذي كان يوزع لهم مجاناً من قبل النظام. وفي "ساحة التغيير" كانت رحى العقل المدبر وراء الثورة ت لأنفسهم مدينة من الخيام. هناك، وبينما كانت تُمضغ اوراق القات كانت تدور نقاشات مستفيضة وحماسية حول نظام جديد ذو روية حديثة لمرحلة ما بعد صالح.

بينما تتجه اليمن نحو عصر ما بعد النفط - مع توقع بعض المحللين استنزاف احتياطات النفط في وقت قريب كقرب عام 2017 - سيكون من المثير للاهتمام ملاحظة ما هو الدور الذي سيلعبه القات وايراداته في هذا النظام السياسي في المستقبل. فهل سيكون النظام قادرا على الاستفادة من قطاع القات؟ وهل سينجح النظام في احكام قبضته على اسواق القات وتنظيم وترشيد اجراءات فرض الضرايب عليه لتعويض العايدات المفقودة من النفط؟ ام ان شبكة التفكك الخاصة بالمحسوبية ستجعل البلد غير قابل للحكم بتاتاً في وقت قد تكتسب القبايل المنتجة للقات الحكم الذاتي وليصبح القات هو الحاكم الحقيقي للمجتمع اليمني تماماً كما هو الحال في معظم مجتمعات الصومال اليوم؟

هل القات من المخدرات؟
في اليمن لا يعتبر القات من المخدرات من قبل السلطات حتى ان بوليصات تامين السيارات تغطي على نحو بيّن الحوادث التي تحدث اثناء قيادة المركبات )انظر الملحق 41(. قد يكون القات مخدر او قد لا يكون، بالمدلول السريري- بمعنى هل القات َعقار يتسبب في الإدمان البدني؟ ان اوراق شجرة القات هي بالتاكيد مخدر اجتماعي اذ ان الحياة الاجتماعية في معظم انحاء اليمن تدور اليوم حول القات، بل يعتقد كثير من اليمنيين انه لن تكون هناك اية حياة اجتماعية حيثما لا يكون هناك قات. ان مضغ اوراق القات يخلق البهجة، ويمنح الارتياح، ويحفز التفاهم المتبادل والرفقة. فهو يساعد على خلق روابط قوية بين الناس ويسهل عملية المصالحة وحل مشاكل اليمن القبلية الكثيرة. ليسوا قلة اوليك الذين يعتقدون انهم لن يستطيعوا النهوض من الفراش، ناهيك عن القدرة على العمل بدون قات وبالتالي فهم يبدءون يومهم بالمضغ لأن القات يعطيهم قوة للجسم وقوة للإرادة. ان مضغ القات يجعل المرء ينسى الياس والعنف – حتى ولو كان ذلك فقط لساعات قليلة - فهو يجعل المرء يتعامل مع مظالم الحياة ويمنحه الأمل في بلد يبدو مستقبله السياسي والاقتصادي قاتماً جداً. ان مضغ القات يجعل المرء ينسى الفقر وينسى الأفواه الجايعة المحتاجة للإطعام في المنزل.

ومع ذلك، يود العديد من اليمنيين - متعلمين كانوا ام لا – الامتناع عن استخدام الأوراق من وقت لآخر، سواء كان ذلك لأسباب مالية او عايلية او صحية. لكنهم يشعرون بانهم مجبرون على المضغً من ِقبل الجيران والأصدقاء او الزملاء، ويخشون استبعادهم من الأوساط الاجتماعية والحياة الاجتماعية. بل يخشى كثيرا منهم من فقدان الاحترام، وفقدان فرص العمل، او حتى من مجرد الاستبعاد من الإحاطة بالمعلومات المتداولة في جلسات القات. لقد لاحظت على مر السنين، كيف ان عادة المضغ انتشرت في حضرموت وعلى جزيرة سقطرى، وكيف انها استحوذت على سكان المناطق الساحلية ومن ثم زحفت ببطء نحو الوديان باتجاه رعاة المرتفعات، وكيف انتشرت من الجنود الى الصيادين، ومن التجار للمزارعين، ومن البالغين للمراهقين، واخيراً من الأزواج لزوجاتهم. شاهدت مجموعة من السكان العزل اليايسين، واعضاء مجالس محلية، وشيوخ، واباء، وازواج يحاربون انتشار القات بكل الوسايل المتاحة لهم، لكن دون جدوى. شاهد ُت كيف عصف القات بالثقافة الفريدة لهذه المناطق، وكيف تغيرت العادات الاجتماعية والمجتمعات، وكيف تلاشت الوسايل التقليدية الخاصة بقضاء اوقات الفراغ، وكيف ذابت القيم وتخففت الأخلاق.

لقدعرفتُ اليمن منذ نحو عشرين عاماً، وشاركت في اعداد لاتحصى من مجالس مضغ القات واجريت مقابلات مع عدة الاف من الناس حول قضية القات. بالنسبة لي، اوراق شجرة القات ليست عقارا مخدراً. ومع ذلك، فان لدي اعتقاداً راسخاً بانها اكثر بكثير من كونها "منبه اجتماعي خفيف" كما تشير اليها الأدبيات غالباً. بل انها - اي اوراق شجرة القات - من المخدرات الاجتماعية القوية القابضة بشدة على حياة اليمن واليمنيين. ان هذه النبتة تخلق شكلا من اشكال الإدمان النفساني الذي يجعلها ضارة وبالتاكيد خطرة مثلها مثل اي ضرب من ضروب المخدرات الأخرى.

منهج الدراسة

ان ما كُتب حول عادة مضغ القات ودورها الاجتماعي وتاثير استخدام القات على الصحة هي ادبيات جديرة بالإعجاب الى حد كبير، وعليه فهذا الكتاب لا يسعى للتكرار بل يقوم بالتركيز على دور القات في السياسة المتعلقة باليمن المعاصر والمنطقة بشكل اوسع – وهو موضوع قد تم تجاهله تماما حتى الآن. ان استعراض سياسات القات والأحداث الاقتصادية خلال العقود الماضية ستُظهر كيف ان الحكومات اليمنية المتعاقبة تنبهت واستخدمت القات بشكل متزايد كاداة من ادوات السياسة وسوف توضح ايضا ان اجراءات الحكومة تجاه الَعقار ليست بدافع الرغبة الحقيقية للإصلاح او لمصلحة تخليص المجتمع اليمني من مفسدة اجتماعية، بل تتمثل ُجل دوافعها في الحاجة الى حشد الموارد المالية والرغبة في السيطرة الاجتماعية والاستقرار السياسي. فالقات السياسي – كما تقترح الدراسة – اصبح وقبل كل شيء جزء من استراتيجية شاملة لاستجلاب الريع توظفها النخبة الحاكمة في اوقات الأزمات الإيرادية بغية تدعيم احتكار الدولة للسلطة والحفاظ على شبكتها الواسعة من المحسوبية. ان ارتباط القات بالسياسة منذ سبعينات القرن الماضي يمثل نوع من الصفقة السياسية بين النظام الحاكم والقبايل، الأمر الذي يفسر موقف الحكومة المتساهل بل والمويد في معظم الأحيان تجاه العقار.

بعد لمحة موجزة عن تاريخ وتطور استهلاك القات في اليمن والمدى التي انتشرت فيه هذه العادة واثارها الضارة على الصحة، يوثق الفصل الأول والفصل الثاني مسالة تحول اليمن خلال سبعينات القرن الماضي من مجتمع زراعي الى دولة شبه ريعية، فضلا عن تحوله من بلد يعتمد الى حد كبير على تحويلات العمال المهاجرين والدخل السياسي الى اقتصاد نفطي. ثم يحلل الكتاب في فصله الثالث من منظور استرجاعي للأحداث القات السياسي على الصعيد الإقليمي، ويشمل ذلك نضال الإدارات الاستعمارية ضد القات في اليمن وشرق افريقيا، بالإضافة الى دور القات خلال العهود الأخيرة لأيمة اليمن وموقف جامعة الدول العربية ازاء العقار. هنا ايضا يتم عرض الجهود غير المثمرة لحكومة السعودية وعلماء الدين السعوديين ضد محاصيل القات، الى جانب تقديم بحث تحليلي عن القات السياسي في صومال ما بعد الاستعمار، حيث ان العقار اصبح احد العوامل التي تغذي الحرب الأهلية طويلة الأمد.

يصف الفصل الرابع نهج حكومات اليمن الثورية تجاه القات في كل من جنوب وشمال اليمن، ومن ثم يتطرق الفصل الخامس نحو ايلاء نظرة فاحصة للتغييرات الناجمة عن تداخل القات مع السياسة الى جانب التغيرات التي حدثت للنمو الزراعي للقات خلال العقدين الأولين من نظام صالح. ثم يُعِّرج الفصل السادس على التوثيق بقدر كبير من الإسهاب، كيف اضحى القات وسيلة لاستجلاب الريع خلال اوقات الأزمات المالية والسياسية.

يشرح الفصل السابع من الكتاب تقلبات القات السياسي في اعقاب الموتمر الوطني الأول عن القات وكذلك يوثق هذا الفصل النشاطية السياسية بشان القات من قبل الطبقة الحاكمة عقب تصريح مجلس التعاون الخليجي عن عزمه على قبول انضمام اليمن للمجلس في حال قام اليمن بمحاربة الفساد والحد من انتشار الأسلحة ومناهضة القات. ويورد هذا الفصل ايضاً مجموعة من المقابلات مع عدد من صانعي القرار رفيعي المستوى في اليمن.

يحلل الفصل الثامن الدور الذي يلعبه القات في تحقيق الاستقرار السياسي والسيطرة السياسية والهوية في دولة هشة. ويستعرض دور القات في حرب صعده ودوره في الإرهاب، وكذلك في نشر هيمنة الشمال على اليمن الجنوبي السابق، ويناقش ايضاً دور القات في "ثورة الشباب" في اليمن عام 2011. علاوة على ذلك، يستطلع هذا الفصل اثار القات على الفساد وعلى اهمية ايرادات القات في عملية اللامركزية في اليمن. الى جانب ذلك، يوثق هذا الفصل المهمة الصعبة لمنظمات المجتمع المدني والمجتمعات الدينية في محاربة القات. واخيراً، ستعرض الفصل التاسع الاستخلاصات ويقدم اطلالة على يمن ما بعد عصر النفط."

إنه كتاب جدير بالاطلاع والبحث من قبل الشباب، أصحاب وملاّك المستقبل، وهم بصدد بناء اليمن الجديد!!!
إنها رسالة لليمنيين في كل الأرض اليمنية!!!
إنها رسالة لليمن الجديد.

يمكن الاطلاع على موقع الكتاب على الرابط التالي

http://www.qat-yemen.com/


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.