لم تفت قضية استقالة خمس من مذيعات فضائية "الجزيرة" القطرية على بعض وسائل الإعلام البريطانية. وكانت صحيفة "ديلي تليغراف" من بين أبرز الصحف التي أوردت النبأ. وكان عنوانها "مقدمات برامج الجزيرة يستقلن بسبب تعليقات عن الحشمة". لندن، وكالات: قالت صحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية إن أزمة شقّت فضائية الجزيرة الشهيرة بعد ان اشتكت المذيعات مما قلن إنه "تحرّش" بهن من قبل نائب رئيس هيئة تحرير الفضائية أيمن جاب الله. واتهمنه بأنه أصدر "تعليقات مسيئة" عن ملبسهن. وبعد ان امتنعت القناة عن الوقوف خلفهن، قدمت المذيعات الخمس، وهن من أشهر الوجوه في الشرق الأوسط بفضل انتشار "الجزيرة" نفسها، استقالتهن الجماعية. وبرّأ تحقيق داخلي جاب الله مشددا على أن للفضائية الحق في الكيفية التي يظهر بها مقدمو برامجها. وأشارت الصحيفة الى أن المذيعات يأتين من مجتمعات متحررة نسبيا ولا يرتدين النقاب أو الحجاب، على عكس بعض المذيعات الأخريات، ويتزيّن بالمكياج الثقيل. ولذا فربما بدا طبيعيا ان يستغربن الحديث عن مظهرهن. والمذيعات المستقيلات هن اللبنانيات جمانة نمور ولينا زهرالدين وجلنار موسى والسورية لونا الشبل. وتبعا لمصادر الصحيفة داخل "الجزيرة"، فقد بدأت المعركة بين جاب الله والمذيعات من فترة على ما يراه المسؤول "تخليا عن الحشمة". وقالت "تليغراف" إن من المرجح لهذه المشكلة أن تسلط الضوء على المتاعب التي تواجهها "الجزيرة" في سعيها لأن تصبح "بي بي سي" الشرق الأوسط، خاصة بالنظر الى محاولتها الانتشار في العديد من المجتمعات المحافظة التي تعج بها المنطقة. الى ذلك، قالت احدى المذيعات المستقيلات لوكالة الانباء الفرنسية "لم نتلق حتى الآن ردا من الادارة لكنّ قرارنا بالاستقالة نهائي ولا رجوع عنه" مبررة الاستقالة "بعدم تحمل الأجواء الموجودة". وذكرت المذيعة ان الاستقالة اتت نتيجة "تراكمات خمس او ست سنوات، وبسبب سياسة لا تحترم القواعد المهنية" مشيرة الى "مزاجية بعض المسؤولين". اللبنانية لينا زهر الدين واشارت الى ان بعض المسؤولين في القناة "يوجهون لنا ملاحظات خارجة عن حدود اللياقة وخارج الاطار المهني والاخلاقي، نحن مذيعات الجزيرة محتشمات ويطلب منا أن يزيد احتشامنا، وهذا يمس بكرامتنا". ولم يصدر اي تعليق رسمي من ادارة القناة حول الاستقالات. لكنّ مصدرا مقربا من إدارة القناة قال لوكالة فرانس برس ان الجزيرة "أرادت تحديد "كود" (معايير) لبعض المسائل الفنية المتعلقة بلباس المذيعين وماكياجهم". وذكر ان رئيس التحرير أصدر قرارا منذ فترة في مسألة اللباس والماكياج والتسريحة، وقبل اصدار القرار تم الاطلاع على المعايير المتبعة في مؤسسات إعلامية كبرى مثل هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) و"سي ان ان" الاميركية. ووفقا للقرار، "لم يطلب من المذيعات ان يتحجبن كما لم يطلب منهن تحديد الماكياج، وتم طلب بعض المسائل الفنية المتعلقة بإظهار هوية على الشاشة والفكرة الاساسية هي الموازنة بين المضمون كقناة اخبارية وبين الشكل"، على حد تعبير المصدر. واقر المصدر بحصول مشاكل عند متابعة تطبيق القرار، موضحا ان "بعض المذيعات صدمن على اساس ان الجزيرة تحاول فرض اللباس بصورة معينة وبعض المذيعات اعتبرن ان ايصال الرسالة في تطبيق الخطوط الجديدة فيها اساءة لهن". كما اقر المصدر بتشكيل لجنة للتحقيق في القضية، مؤكدا "لم يجبر احد، اي احد على شيء ضد قناعاته". وحول اتهام القناة الفضائية بتبني خط تحريري قريب من الاسلاميين، قال المصدر "كلا، ابدا. هذه اتهامات قديمة، نحن نغطي الأحداث بتوازن". وعن استقالة بعض المراسلين الرجال في القناة خارج الدوحة، قال المصدر إن تزامنها مع استقالة المذيعات هي مجرد صدفة وان لا علاقة بين المسألتين. كما اكد انه "لم يبت في استقالات المذيعات" و"هناك زملاء في غرفة الاخبار يريدون الانتقال من الجزيرة الى مؤسسات اخرى وليس لدينا كما يقال استقالات بالجملة وسينتقل الينا قريبا ثلاثة مذيعين جدد". وبحسب المصدر، فان القناة "تقدر عمل الجميع وجهودهم ولا تستطيع الزام الناس بالبقاء". وساطات لثني المستقيلات عن قرارهن الى ذلك عقد السيد وضاح خنفر مدير عام شبكة "الجزيرة" الفضائية اجتماعاً عاماً لجميع موظفي محطة "الجزيرة" الاخبارية وابلغهم فيه عن تفاصيل عملية اعادة الهيكلة التي اجراها لاعادة تنظيم العمل في المحطة، والتغييرات التي احدثت على المناصب التحريرية الرئيسية. وعلمت "القدس العربي" ان الدكتور مصطفى سواق مدير مركز دراسات الجزيرة ومدير مكتبها السابق قد جرى تعيينه مديراً عاماً للاخبار في المحطة وهو منصب يجمع بين منصب السيد احمد الشيخ رئيس التحرير السابق الذي عين مستشاراً للشيخ حمد بن ثامر رئيس مجلس ادارة الشبكة، ومنصب السيد ايمن جاب الله مدير غرفة الاخبار الذي عين رئيساً لمحطة "الجزيرة مباشر". وقالت مصادرة مطلعة داخل "الجزيرة" ل "القدس العربي" انه جرى استحداث منصب جديد في المحطة وهو منصب مدير التحرير الذي اسند الى السيد حسام شويكي وسيكون من مهماته الاشراف على الشاشة ومن يظهر عليها، وتنفيذ السياسات التحريرية وترتيب ورديات المذيعين والمذيعات. واضافت ان السيد محمد داوود سيتولى مهمة الاشراف على مراسلي الجزيرة ومكاتبها في مختلف انحاء العالم، ومسؤولية جمع الاخبار، والتكليف بالمهمات التحريرية والتغطيات الاخبارية. وما زالت قضية المذيعات المستقيلات الخمس تتفاعل داخل المحطة وخارجها، ففي الداخل بدأت حالة من التضامن تتبلور بين زميلات لهن تحدثن عن تقديم استقالتهن، وهناك من يتحدث عن اربع منهن، بينما حفلت صحف ومحطات تلفزة في الخارج، وخاصة في لبنان بفرد صفحات تخوض في اسباب الاستقالة تتضمن الكثير من المبالغات في بعض الاحيان، وفي بعض الصحف في محاولة لزعزعة استقرار محطة الجزيرة مثلما قال أحد المقربين من الادارة. وقالت احدى مذيعات "الجزيرة" التي رفضت ذكر اسمها ان مطالب المذيعات المستقيلات كانت عادلة، وانهن تعرضن لمضايقات فعلاً مثل الاخريات. فحتى السيدة خديجة بن قنة المحجبة تعرضت لانتقادات بسبب لون الروج، الامر الذي دفعها الى شتم من وجه اليها الانتقاد، وكادت ترميه بكوب كان امامها. السيد احمد الشيخ رئيس التحرير السابق للمحطة عبر عن استيائه الشديد من ربط اسمه ونقله من موقعه بمثل هذه الاتهامات. وقالت مصادر في المحطة ان عملية ابعاده من مهامه التحريرية كانت مقررة منذ اشهر، وليست لها علاقة مطلقا بهذه الاتهامات ولم يجر التحقيق معه مطلقا، رغم ان هذا التحقيق الداخلي اسقط جميع هذه الاتهامات. وقد صرح السيد الشيخ ل"القدس العربي" في اتصال هاتفي معه في الدوحة انه يعتز بكل دقيقة عمل فيها في محطة "الجزيرة" على مدى السنوات الست الماضية، وقال "انني اعتبر ما حدث لي "ترقية" لانني اعتز بالعمل مستشارا للشيخ حمد بن ثامر الذي لم ار منه خلال 14 عاما من العمل معه غير اعمال الخير والخلق القويم". وعلمت "القدس العربي" ان محاولات ووساطات تبذل حاليا من قبل شخصيات داخل "الجزيرة" وخارجها لاعادة المستقيلات الى عملهن، بعد استعداد بعضهن لسحب استقالاتهن. وقالت مصادر مطلعة ل"القدس العربي" ان معظم المستقيلات يتمتعن بكفاءة عالية، وقدمن الكثير للجزيرة، وربما يكون من الملائم عودتهن خاصة بعد حدوث التغييرات والمناقلات الاخيرة التي تجسد معظم مطالبهن. ولكن لم يصدر عن الادارة التي قبلت استقالاتهن اي رد فعل تجاه هذه الوساطات بعد. ويأمل اصحاب هذه الوساطات ان يتدخل الامير حمد بن خليفة لصالح عودة المستقيلات خاصة انه يعتز بجميع العاملين في الجزيرة على حسب قول احد الوسطاء، فقد اعاد عباس ناصر بعد تقديمه استقالته للالتحاق بقناة "بي.بي.سي" العربية نتيجة خلاف مع رئيسه في العمل في مكتب بيروت. احداث اسطول الحرية، والمجزرة الاسرائيلية التي ارتكبت في عرض البحر جمدت قضية استقالة المذيعات مؤقتا، ولكنها قد تطفو على السطح مجددا في الايام المقبلة.