يحرص الأمريكيون كثيرا على صناعة أنظمة مطيعة لها وتستخدم بذلك نفوذها الواسع لا سيما في العالم العربي والإسلامي والذي يصل إلى حدود واسعة تتجاوز الحكومات والمؤسسات الرسمية كما لسفاراتها أيضا نفوذ يتجاوز حدود الدبلوماسية والتقاليد المعروفة بحيث يلتقي السفير الأمريكي في صنعاء بمختلف الأطياف السياسية في اليمن وكذلك الشخصيات الاجتماعية ويعقد لقاءات متكررة ومتنوعة مع مختلف الشرائح ، بعكس السفير الصيني الذي ربما لم يعرف شخصية إجتماعية واحدة ولم تعقد له جلسة مع أي طرف سياسي في البلد . بالطبع لم تصل الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى ما وصلت إليه من قوة وهيمنة ونفوذ وتدخل في كل صغيرة وكبيرة في هذا الكوكب نتاج الصدفة أو الجهود العادية بل جهود كبيرة تلبي طموح دولة أمريكا التي تعتبر نفسها سيدة هذا العالم . حجم النتائج التي سمحت للأمريكيين أن يصلوا إلى ما هم عليه اليوم هو نتيجة طبيعية لجهود كبيرة بذلت في مختلف المجالات ومنها صناعة حكومات ومؤسسات في العالم الإسلامي تخدم في مجملها هيمنتها المطلقة على العالم . بدا واضحا للعيان أن الثورات الشعبية خلطت الأوراق كثيرا وأزالت ذلك الروتين الطبيعي الذي كانت أمريكا منسجمة عليه للغاية فعندما بدأت الثورة في تونس تحركت الولاياتالمتحدةالأمريكية بإتجاهات عديدة منها المحافظة على الأنظمة إن كان هناك مجال لذلك ،، وكذلك عدم التصادم مع إرادة الشعوب والتحرك سريعا لإختراق رموز الثورات تحت أي العناوين كانت دينية أو سياسية أو اجتماعية لتحصل على بديل مناسب عن النظام السابق وهو ما فعلته تماما في ثورة تونس حيث أوجدت فراغ سمح لها الآن بصناعة نظام جديد بكل يسر وسهولة . وفي ثورة مصر كانت الهيئات الدبلوماسية والعسكرية العليا في الولاياتالمتحدةالأمريكية على إنعقاد دائم لمتابعة الوضع في مصر وحرصت بكل إمكانياتها الحفاظ على حسني مبارك إلى آخر فرصة فيما كانت الإتصالات مستمرة مع محمد البرادعي وآخرين في مصر لإيجاد البديل المناسب طبعا البديل المناسب للإدارة الأمريكية وليس لشعب مصر . في اليمن الموقف الأمريكي هو ذاته يحرص جدا على إبقاء النظام لأنه كما قالت آخر تصريحات للبيت الأبيض حليف إستراتيجي في مكافحة الإرهاب ولم يخل بأي تعهدات معه في هذا الجانب إلا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تتحرك في الجانب الآخر وهو إيجاد البديل ولأنها تعرف جيدا مكونات المجتمعات وتنوعاتها من بلد إلى آخر فقد حرصت هذه المرة أن تكون المملكة العربية السعودية هي من تتحرك لهذا الموضوع وقد صدرت تصريحات أمريكية عليا تفيد أن أمريكا أوكلت المهمة إلى الرياض لإيجاد حل مناسب للخروج من الأزمة اليمنية وطبعا الحل المناسب للإدارة الأمريكية وليس للشعب اليمني . صدرت تصريحات لبعض قادة اللقاء المشترك في البلد تقول أن أي حكومة قادمة في البلد ستحارب الإرهاب والقاعدة !! هي ذات المواقف التي صدرت من البرادعي وآخرين في مصر أن أي حكومة قادمة في مصر ستظل محافظة على المعاهدات الدولية ومنها معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل . بين هذا وذاك يتضح لنا جيدا أن الموقف الأمريكي يتحرك على أكثر من صعيد ويستخدم كافة الأدوات المناسبة فحين تتحدث المعارضة أنها ستحارب الإرهاب في اليمن وكذلك القاعدة فمعناه أن أول ما يهم أي نظام قادم في اليمن أو في غيره أن تثبت أولا ولائها للأمريكيين تحت أي عنوان مطلوب . التحرك الأمريكي الأخير في الرياض جاء واضح الأهداف أنه من أجل بحث الوضع في اليمن وما أكثر ما يبحث الأمريكيون عن الوضع في اليمن في العاصمة السعودية الرياض وندرك جيدا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أو المملكة العربية السعودية لا يبحثون في المقام الأول إلا من هو النظام البديل لنظام صالح الذي رفضه الشعب اليمني ؟ وهل ستكون الحكومة اليمنية القادمة تلبي طموح ومطالب أمريكا في اليمن والمنطقة وتحافظ على أمن حلفائها وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية من مخاطر ما يسمى بالقاعدة والحركات المتشددة في اليمن !!! هذا هو الموقف ، والهم والرغبة الأمريكية المطلوبة من ثورة الشعب اليمني وللتعامل مع الأحداث نحتاج إلى بصيرة وفهم لنقول لأبناء الشعب اليمني هل تحركت الولاياتالمتحدةالأمريكية يوما ما لتحرير الشعوب من هذه الأنظمة التي ترعاها أم أنها تتحرك فقط من أجل مصالحها من أي نظام بديل . الثورة المصرية ورغم تسارع فصولها كانت الإدارة الأمريكية وقتها تصنع البديل المناسب وخلق الوضع المناسب الذي تسميه إنتقال سلمي وسلس للسلطة ،، وهي الآن في اليمن تبحث بكل إمكانياتها البديل المناسب لخلافة صالح وبإنتقال سلمي وسلس يحافظ في النهاية على المصالح والأهداف الأمريكية . ما يثير التساؤل أيضا هو هذا البعبع الذي تتحرك أمريكا في العالم طولا وعرضا بإسمه وتحت عنوان محاربته والذي يسمى ( القاعدة ) ما باله هذه الأيام ؟ وأين نشاطه ؟ وأين هي تصريحاته النارية ؟ أهو في حالة إستجمام أم في حالة ترتيب أوراق لبدء مرحلة جديدة لصراع جديد تصنعه الدوائر المغلقة للإستخبارات الأمريكية في المنطقة والتي هي أيضا مشغولة لترتيب أرضية مناسبة تتحرك فيها وعليها لتبدأ بعد ذلك تشغيل أدواتها تحت عنوان الشراكة الدولية في مكافحة الإرهاب والقاعدة .