قُتل في باكستان, فاحتفل الأمريكان واستبشر الأفغان وتفاوت العُربان وكل مستور بان.. أما في "تنكة" بلاد "الساحة" و"الميدان" فقد صار مقتل زعيم القاعدة مادة للاستثمار في بورصة الأخبار باسم الثورة والثوار. الخبر الرئيس على فضائية "سهيل" –المعارضة- ليس مقتل بن لادن, في الساعات الأولى على إعلان الحادثة التي واكبتها الفضائيات العالمية ووسائل الإعلام, وإنما خبر عاجل وغريب ينسب الى مصادر "خاصة" اتهاما مفاده أنَّ السلطة تعمل على "طباعة صور بن لادن" مُعمَّماً, وتوزيعها في ساحات اعتصام المعارضة!! لحقه عاجل مشابه, حيث "المصادر" هذه المرة تزعم أن "النظام اليمني" يعد تسجيلا مصورا باسم القاعدة يهدد بالانتقام من السعودية وأمريكا لرفضها دفن جثة بن لادن في البر!! وفي عاجل ثالث المصادر نفسها تتهم مطابع دائرة التوجيه المعنوي بطباعة صور بن لادن- مجددا! إلا أمريكا فضائية الإخوان المسلمين في اليمن تجاهلت الحدث الرئيس وراحت تنفس من غيضها وتمارس النقمة بعيدا عن أمريكا والقوات الأمريكية الخاصة التي اقتنصت بن لادن, مهاجمة واتهام النظام الوطني في اليمن أسهل من ذلك. وابتداع معركة الصور خيار لا يكلف نقمة أمريكية في هذه الظروف, بخلاف لو قيل مثلا أن أمريكا قتلت أسامة! وهي قتلته بالفعل, ولكن ما مصلحة الإخوان الآن في قول الحقيقة واستدعاء غضب واشنطن وسفارتها؟! أمريكا قتلت زعيم القاعدة وألقت جثته في البحر, فلم يجد إخوان اليمن قاعدة أفضل وأنسب من مهاجمة الحكومة اليمنية وليس الأمريكية, واتهامها بجريمة العصر "طباعة صور بن لادن"!! أما أمريكا فعليها السلام والصمت ومفاعيل تطمينات مافي وثائق ويكيليكس بشأن إخوان اليمن ومرونة حكمهم, لو تتذكرون! الغريب أنه فات "المصادر" إياها أن تزود القناة بعاجل رابع يتهم النظام بالوقوف وراء "صلاة الغائب" في الساحة وغيرها!! غريمك الطارف • مات بن لادن واستراح, كما استراح خلق كثير في العالم.. بحسب الأخبار. ومكتوب على اليمن واليمنيين أن لا يستريحوا أبدا في شأن يخص زعيم القاعدة, حيا أو ميتا. تركوا القاتل ينعم ويحتفل ونسوا القتيل (الأصل) وجثته, وراحوا يطاردون مُتَّهماً باستنساخ حياة القتيل في صور من ورق!؟ "غريمك الطارف" و"كل من حيره على من قدر"! ولو كانت هذه الحكومة المطيِّسة فالحة بقضايا الصور كانت حسَّنت قليلا من صورتها وطبعت منها آلافا! في حاجة غريبة, وفي حاجة أغرب من غربية. "هي تيِّه" ولا غيرها. كانت فضائيات العالم تنقل خبر مقتل زعيم القاعدة طوال النهار والليل. والخبر الوحيد العاجل بعد العاجل, الذي انشغلت به الرائعة "سهيل" ليس مقتل بن لادن, وانما روايات وشائعات كرتونية مدهشة حول "مؤامرة" جهنمية بطبع صور ملونة مقاس (A4)! في "ممر المشمش" • هناك معلومات شبه "افرنجية" تشير الى "انفراجات" شرق أوسطية, في علاقة أمريكا –أسلمها الله- بالإخوان والأحزاب والجماعات الدينية المتمدينة –أمركها الله. "ربيع الثورات العربية" كما يسمى, المحظي ببركة رب البيت الأبيض يوفر ممرا آمنا للجماعات البديلة, للانتقال المبرمج من خانة "العدو اللدود" إلى خانة "الحليف الودود". في "ممر المشمش" وهو الاسم الرمزي الذي أُعطي لهذه العملية في أدبيات "حمائم التغيير الناعم" في واشنطن, وعلى رأس القائمة.. طيبة الذكر وسيئة الحظ "مادلين أولبرايت", صاحبة الدعوة الشهيرة, التي أطلقتها أواسط العقد الماضي الى الحوار مع الإخوان المسلمين والجماعات الدينية في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما وتمكينها من الوصول الى السلطة. وتحفظ نوعا ما, يومها, إخوان مصر والأردن ورحب بها وهرول إليها, بوسطية منقطعة النظير, إخوان صنعاء وبير العزب. يرد-في الممر المذكور- حديث عن تبادل التهدئة وفقا لمبدأ التعامل بالمثل. السكوت عن أمريكا واستبدال الدعاء عليها بالدعاء على الحكام والحكومات الإسلامية –عدوة الله وأمريكا, ثمن بسيط ويسهل دفعه مقابل سكوت أمريكا, عن عبور أعداء الأمس وحلفاء اليوم (عبر ممر المشمش), الى عروش الحكم والحكومات وكروش الحكام المستغنى عنهم والمصروفين أمريكيا, من الخدمة على طريقة "سلم سلطاتك الآن وفورا" كما قيل لمبارك والقذافي وزين الهاربين من قبل, وهو قول يساوي في القيمة والدلالة الموضوعية "إرحل, الآن وفورا" او المعنى التهميشي الناسف المحمل, كبرنامج شيفرة على شريحة ذكية في هيئة كلمة بسيطة لا تكاد ترى, اسمها "إسقاط"... باتجاه النظام/الأنظمة! والحديث الذي قيل عن منحها "براءة اختراع" لم يجئ من فراغ (..) قصة بسيطة.. ومعقدة.. بسهولة تبعث على الريبة في اليقين واليقين في الشك. هذا كلام فارغ وخيانة للثورة وأمجاد الساحات, وردة عن عقائد وفوائد "الشعب يريد", أعرف هذا. وأعرف أن "عقدة المؤامرة" عادة عربية سيئة, أُفضل أن أفضِّلها على تجميل المؤامرات الجلية أحيانا! تبادل السكوت • يقترح صديق لا أعرفه من "ابوت اباد" الباكستانية التي ذاع صيتها منذ الاثنين الماضي وصارت من أشهر المدن في العالم رغم فقرها وجوع سكانها, يقترح إكمال الخيانة السابقة بخلاصة على صلة بأول الكلام, ويفترض أن مبدأ "السكوت والسكوت الآخر" أو تبادل السكوت ويعني سكوت أمريكا مقابل السكوت عنها, كان من مفاعيله الإعلامية مؤخرا السكوت عن قتلة زعيم القاعدة –المجاهد الشهيد كما تحكي النفوس لنفسها سرا وخلسة بعيدا عن أعين حراس وكاميرات "ممر المشمش" الموصولة مباشرة بشاشة عرض عملاقة داخل واشنطن. وطلب الثأر, بدلا عن ذلك, لدى الحكام والحكومات والأنظمة المحلية المحكومة بالإعدام أو الإسقاط والرحيل و"سلم فورا". في اليمن, مثلا, صور بن لادن صارت القضية الأهم والعنوان الأبرز, يالها من جريمة ومؤامرة وجناية ضد الإنسانية: شخصيات حكومية -مزعومة- تطلب طباعة صور لبن لادن؟!! كما لو أن الأخبار لم تصل الإخوان بعد عن مقتل بن لادن "زات نفسه". والجزيرة –مثلا- هي الأخرى راحت تتساءل وتُسائل ضيوفا من مختلف العواصم والمسميات المهنية والألقاب الشرفية المجانية حول "ربيع الثورات العربية ومستقبلها بعد مقتل زعيم القاعدة"؟ أو "حجم وطبيعة الهجمات الانتقامية ثأرا لمقتل بن لادن, من قبل تنظيم القاعدة في اليمن ومناطق أخرى ضد الأهداف الحكومية والمصالح الأجنبية"؟! الفكرة نفسها تقريبا, أمريكا تقتل بن لادن في أفغانستان والقاعديون في اليمن ودول عربية أخرى لا تحبها الجزيرة وقطر, عليهم أن ينهضوا من فورهم طلبا للثأر؟! تربيع الدائرة • أغرب من ذلك ان مذيعي الجزيرة يرددون دائما فكرة مكرسة ومفادها "مبالغة النظام اليمني في تصوير وتضخيم حجم وخطورة تنظيم القاعدة في اليمن, لأهداف سياسية وابتزاز الغرب وأمريكا". جميع ضيوفهم من المعارضة اليمنية وطابور "المحللين والخبراء والمتخصصين" في شؤون القاعدة والجماعات الإرهابية, (الجزيرة وحدها اكتشفت فيهم هذه الخبرات, آخرهم شاب –ثائر- وطالب جامعي وناشط ومحلل سياسي وخبير.....الخ), كل هؤلاء يعطون مذيعي الجزيرة إجابات (صحيحة) جدا, بنفس المعنى الذي في بطن المذيع, وان القاعدة كذبة لا وجود لها في اليمن, ثم فجأة, وربما في نفس الاستضافة, الجميع تنبأ بردة فعل سريعة وعنيفة تقدم عليها قاعدة اليمن ثأرا لزعيمها الروحي, باعتبار قاعدة اليمن صارت المركز الأول بعد أفغانستان ورحيل بن لادن! • القاعدة في اليمن كذبة اخترعها النظام ورددها الرئيس, هكذا يقال. وأيضا القاعدة في اليمن خطيرة وعنيفة, والمركز, وسترد سريعا وبعنف!! لو أرادت الجزيرة وأخواتها لجعلت الدائرة مربعا والكسبة طاهش الحوبان. ولم لا؟ معهم غاز وفلوس وقاعدة أمريكية وبعد هذا كله لديهم محللون وخبراء وقادة أحزاب يستطيع أقلهم خبرة أن يثبت بالدليل القاطع أن "مئات الآلاف" من المحتجين خرجوا في مسيرة (صامتة) جابت شوارع وساحات وأحياء "حديبو" عاصمة جزيرة سقطرة (ويهتفون) برحيل الرئيس صالح, حتى لو كان عدد سكان الجزيرة بكاملها مجتمعين –بمن فيهم المنتقلون الى رحمة الله خلال العشرين سنة الماضية لا يُغطي هذا الرقم الخرافي المستحيل! ماذا.. لو؟ • الأمر –الى الآن- توقف عند الصور, ولكن من يضمن إذا ظهر غدا أو بعده إرهابيون هنا.. أو هناك من داخل الساحات يخطبون بالثأر لزعيمهم ويفجرون بمن حولهم من الأبرياء (الثوار), ان لا يُقال إن مطابع التوجيه أو مؤسسة الثورة –مثلا- نسخت هؤلاء وسربتهم داخل "فلاش" إلى الساحة؟!