لقد امتنَ اللهُ عز وجل على عبادهِ بكثيرٍ من النعمِ ومنها نعمة الشمس التي جعلها الله تعالى مركزاً لهذه المجرة وأوحى للكواكبِ أن تدورَ من حولِها بسرعاتٍ وفتراتٍ زمنية مختلفة ، فمثلاً في كوكبنا الأزرق "الأرض" يحدثُ خلال هذه الدورة السنوية تعاقب لأربعةِ فصولٍ يُطلق عليها : (الربيع ، والصيف ، والخريف ، والشتاء) .. لكن تلك الأسماء لم تَعد خاصةً فقط بتلكَ الفصولِ، ففي عالمنا العربي صارت أسماءٌ (للثوراتِ والانتفاضاتِ) التي شهدها وما زالت تشهدها بعض البلدانِ العربيةِ إلى هذه اللحظة في محاولةٍ لإسقاطِ الأنظمةِ الحاكمةِ لتلك البلدان. فان كانت الأشجارُ تزهرُ في الربيعِ وتُتمرُ صيفاً وتبدأ أوراقها بالتساقطِ في الخريف قبل أن تصبح أغصانها جرداء بلا أي أوراق في فصلِ الشتاء ، فهل تمرُ الثوراتُ العربية بمثلِ مَا تمرُ به الأشجار ؟ . ففي مهدِ الثورات الحديثة "تونس" وكذا في مصرَ فقد أزهرت ثورةُ كل منهما وأثمرت سريعاً إلا أن الثمارَ لم تكن ناضجةً بما فيه الكفاية إذ شَهِدَ البلدين مواجهات دامية وانفلات امني خطير ، أما في كلٍ من ليبيا واليمن وسوريا فان الثورةَ في هذه الدول الثلاث قد أزهرت ولكنها لم تُتمِر بعد ، مما أدى إلى اللجوء لاستخدامِ هرمونات تسريع النمو وهي التي فشلت لاحقاً في أداء ما كانَ يُرجى منها ، فتارةً نرى تدخلً دولي وصلَ إلى حدِ شنِ عمليةٍ عسكريةٍ ضخمة لإزالةِ النظامِ الحاكم سعياً لمحاكمتهِ دولياً ، وفي الأخرى تعرضَ رموزُ النظامِ الحاكمِ لمحاولة اغتيال جماعية أثناء أداءهم للعبادةِ في المسجدِ ، وأما البلد الثلاث فقد شَهِد مقابرَ جماعيةٍ وموجةَ نزوحٍ جماعي إلى دولِ الجوارِ في الوقت نفسه الذي تُفرض على ذلك البلد حُزمة ضخمة من العقوباتِ الدوليةِ لمحاولة إنهاكه وإضعافه .. وهانحن ذا نشهد "مبكراً" بداية تساقط الأوراق لتلك الثورات المزعومة ، فقد سالت الدماء مؤخراً في مصرَ وقبلها في تونس أثناء مواجهات بين الحكام الجدد وذوي مَن قتلوا أثناء الاحتجاجات بِحجة التأخر في "القصاصِ" من القتلةِ وسفاكي الدماء ، فهل يا ترى سوف نشهد عما قريب أحداث "الفصل الأخير" من قصة الثورات العربية ؟
لقد أظهرت تلك الثورات سوء تنظيم وتخطيط ثوارها ، أولئك الذين استعجلوا قَطَفَ الثمار للثوراتِ تحت ذريعة أن هذا العصرَ الذي نعيشه هو "عصر السرعة" ، وهو ما يشير إلى أن ثوارَ القرن الحادي والعشرين لم يتعلموا شيئاً من تاريخِ أمتهم العربية وماضيها، فبعض ثورات القرن الماضي استمرت لأكثرِ من المائة عام فكيف سوف تنتصر الثورات الجديدة في بضعة أيام ؟ ، ولماذا أيضاً اقتصرت ثوراتهم على الجانبِ السياسي فقط ولم تكن في مجالات أخرى ؟ ، أليس كان مِن الأجدر تفجير ثورة في العلوم والتكنولوجيا أملاً في أن تلحقَ "امَةَ اقرأ" بِرَكب الدول المتقدمة والمتطورة ، وسعياً لاستعادةِ الأمجاد المفقودة ، فمتى يا ترى سوف يعرف العرب أين يكون ما ينفعهم وأين توجد مصلحتهم الحقيقية ؟ [email protected]