من يقود الناس إلى حقل ألغام وهو يعرف لا يقل إجراما ممن زرع هذه الألغام ، ومن يحاول إعادة اليمن إلى مربع ما قبل المبادرة سواء بتصرفاته أو بأقواله أو حتى بالإيعاز لبعض الأطراف لتنفيذ نشاط ما ليس أقل جرما ممن يطلق الرصاصة الأولى التي ستفجر الوضع. صحيح أن أحداث العام الماضي أفرزت واقعا مختلفا وأحدثت تغييرا شبه كلي في معادلة القوى السياسية لكنها لم تنسف الجدول الدوري السياسي في اليمن ، حتى وإن شعرت بعض الأطرافاً السياسية بنوع من وهم التضخم أو العملقة ، أو أصبحت أطرافاً أخرى أكثر جدية في ردة الفعل والتعامل مع كل مستجد بمبالغة مكشوفة. ورغم أن كل طرف يدرك تماما حجمه الحقيقي في الساحة الوطنية إلا أن هناك من يصر في وسائل إعلامه على تقديم نفسه كممثل وحيد للشعب مهوناً أو مستخفا ومسفها لخصومه الذين يعتبرهم أقلية أخذوا أكبر من حجمهم ، أو أن الظروف هي من خدمتهم بشكل أو بآخر ليمثلوا رقما في الساحة. وإذا ما فتحت حوارا مع أحد أنصار هذا الطرف أو ذاك فستجد صعوبة بالغة بإقناعه بضرورة تقبل الآخر مهما اختلفت معه باعتباره شريكاً أساسياً في هذا الوطن ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزه أو اقصائه لأن ذلك لن يخلق اليمن الجديد الذي يحلم به أبناء هذا الوطن. لقد خلفت الأحداث الأخيرة لغة مقيتة ومصطلحات وصفات يتبادلها الخصوم بشكل مزعج ويستحيل أن تساعد على الخروج من الفترة الانتقالية كما نتمنى إلا تحت ضغط الدول الراعية للمبادرة وجهود المخلصين - وهم قلة - من أبناء الوطن. على كل حال يلعب الوقت دورا خطيرا في رسم صورة الفائز الحقيقي بثقة اليمنيين والخاسر الفعلي لذات الثقة. إذ تعيش اليمن اليوم أجواء الشوط الثاني من المبادرة النهائية للفوزبكأس العالم لكرة القدم ، حيث يمر الوقت ثقيلا على المتقدم بالأهداف وسريعا جدا على الخاسر. وهو كذلك بالنسبة لأبطال الدوري السياسي اليمني فالحزب أو التكتل أو الجماعة التي تثق بقدراتها وبجماهيرها وببرنامجها تنتظر الانتخابات القادمة بفارغ الصبر وتتمنى لعجلة الحياة أن تمر بسلام حتى يوم إعلان نتائج الانتخابات القادمة سواء الرئاسية أو النيابية ، بينما تجاهد بعض القوى التي تدرك أنها أضعف وأصغر مما تحاول إظهاره في وسائل إعلامها والشارع اليمني بشكل عام عرقلة الحياة وصناعة العقبات والحواجز التي تبطئ من وصولنا إلى صناديق الاقتراع وتحاول الوصول إلى مبتغاها بطرق أخرى بعيدة جدا عن صندوق الانتخابات لأن الانتخابات ستفضحها أمام جماهيرها وأمام خصومها وأمام العالم. التصعيدات والفوضى التي يحاول البعض صنعها لن تخدم إلا الضعفاء أما الأقوياء فلا يخشون أبدا من تطبيع الحياة والاحتكام لصندوق الاقتراع ، لأنهم إن فازوا في الانتخابات فسيفوزون بجدارة وإن خسروا سيكونوا معارضة قوية تخدم الحياة السياسية ولا تضر بها. لقد خلق الواقع الجديد مساحة متساوية للتنافس على السلطة ونتمنى ألا نسمع تلك الأعذار التي اعتدنا سماعها عقب كل انتخابات لأنها هذه المرة لن تكون مقبولة البتة.