في غضون أسبوع واحد، شهِد اليمن تطوّرات وأحداث بدت مُترابِطة ومُتداخلة فيما بينها إلى حد بعيد، وسلّطت الضّوء على هذا البلد وما يُعانيه من اختلالات كبيرة وما يُواجهه من مخاطِر تهدِّد مُستقبله ومستقبل المنطقة على حدٍّ سواء، وِفقا لِما جاء على لِسان عبد الكريم الأرحبي، نائب رئيس الوزراء اليمني ووزير التنمية والتخطيط، الذي حذّر من انحدار بلاده إلى مجاهيل "الصوملة"، وعزّزه خطَر تنامي الاعتداءات الإرهابية الأخيرة. وفي الوقت الذي أثار تصريح المسؤول اليمني الرّفيع المخاوِف من مخاطر "الصّوملة" التي ألمح إليها وانشغل المُراقبون والمهتمّون ووسائل الإعلام بالتّصريحات، التي جاءت على لسان ذلك الوزير، تجدّدت الأعمال الإرهابية باستهداف عملية انتحارية لفوج سياحي من كوريا الجنوبية في شرق البلاد، أسفر عن مقتل أربعة وجرح آخرين، ثم تبعتها عملية انتحارية أخرى قُرب مطار العاصمة صنعاء، ضد وفد من المحقِّقين الكوريين، الذين قدِموا للتّحقيق في مقتل مواطنيهم. هذه التطورات لم تُؤد إلى إعادة طرح مُشكلة الإرهاب في البلاد فحسب، بل سلطت الضّوء مجددا على مُجمل أوضاعه المُختلة وما قد يَؤول إليه من انهِيار، وهو دفع نائب رئيس الحكومة إلى التّحذير منه عندما عبّر عن خِشيته من أن تنزلِق بلاده إلى المصير الصّومالي، والتشديد على أن ذلك المصير، ليس في مصلحة أمْن واستِقرار دُول المنطقة، التي دعاها إلى مَدِّ يَد المساعدة. وإذا كان التّصريح قد أثار مخاوِف الكثيرين، فإنه ليس كذلك بالنسبة لتنظيم القاعدة، الذي يرى في اليَمن أرض المَدد لمشروعه الجِهادي، طِبقا لما يطرحه ويروّج له في بياناته وخُطب أعضائه، وبالتالي، فالانهيار الذي يخشى منه المسؤولون، لن يكون إلا تُربة خصبة لنشاط هذا التيار المتطرّف، طِبقا لما تؤكِّده جملة من المؤشرات الباعثة على التشاؤم. وضع اقتصادي صعب فالاقتصاد اليَمني يجتاز أسوأ مراحِله نتيجة لتراجُع أسعار النفط في السوق العالمية من 147 إلى 40 دولارا من ناحية، ونتيجة لتناقُص إنتاجه من جهة ثانية، في الوقت الذي يُمثِّل حوالي 42.5% من مصادر تمويل المُوازنة وِفقا لقانون السَّنة الجارية. فقد تناقص إنتاجه من 450 عام 2004 إلى 320 ألف العام الماضي، وجاءت مؤشِّرات عائدات النّفط مطلع السنة الحالية، مثيرة للفَزع، إذ سجّلت خلال شهر يناير الماضي أدنى مستوىً لها منذ تِسع سنوات، منخفضة بنسبة 77%، وبلغت عائِداتها 73 مليون دولار مقارنة مع 317 مليون دولار في يناير من العام الماضي. وتشير التّقديرات إلى أنه، في حالة ثبات متوسّط سِعر البرميل عند (40) دولارا، سيبلغ عجْز الموازنة 10،4% من النّاتج المحلي الإجمالي، والمؤكّد أن ترتفِع نسبة العجز إلى أعلى من ذلك، كلما تناقَص السِّعر العالمي للنفط وبسبب الضّربة المُوجعة، التي وجّهتها العمليات الإرهابية للقِطاع السياحي، الذي كان يُعوّل عليه أن يحقِّق معدل نُمو يصِل إلى 15%، مما قد يقلِّص حظوظ نُموِّه كثيرا ويزيد من مصاعِب الحكومة اليمنية، التي ما فتئت تُواجه تحدِّيات عِدّة وتتعرّض لضغوط مطلبية، بالكاد تستجيب لبعضها، ما يدعو إلى أخذ تصريح الأرحبي كمُؤشِّر حقيقي على خطَرٍ يُواجه صنعاء، وليس اعتباره أسلوب مجرّد ابتزاز، كما ذهبت إلى ذلك بعض الصّحف ووسائل الإعلام. اليمن .. جزء من الكلّ الإقليمي علي سيف حسن، مستشار وزارة التنمية والتخطيط والناشط السياسي المعروف ورئيس المنتدى السياسي قال لسويس انفو في سياق إجابته على سؤال حول خلفيات ودلالات تصريح وزير التنمية: "الأرحبي عندما أطلق تحذيره، كان يفكِّر بصوت عالٍ وكان يتحدّث بهَمّ أمن واستقرار المنطقة ككُل. فهو يُؤمِن أن الأمن لأي مِنطقة لا يتحقّق، إلا بأمن جميع مكوِّناتها، وما يجري في اليمن، هو جُزء من الكُلّ الإقليمي، يهُم المنطقة برمّتها". ويضيف علي سيف حسن أن هذا الكلام "شدّد ويشدِّد عليه خبراء الأمن قبل غيرهم، فهو لم يقُل أي شيء جديد، إذ سبق أن حذّرت الدّراسات المحلية والدولية الصادرة عن مؤسسات خِبرة من المخاطر التي تواجه الدولة اليمنية، وسبق أن قُلتُ هذا الكلام في عام 1998، والدكتور عبدالكريم الإرياني، مستشار رئيس الجمهورية قال الكلام نفسه، وإن بصيغة دبلوماسية، وهذا هو واقع حقيقي. فاليمن تُعاني من نفاذ الموارِد الطبيعية الشّحيحة أصلا، ونسبة نُموّ السكان هي من أعلى المعدّلات العالمية والأقل دخلا، وتواجه تناقصا خطيرا في المياه في عموم التّراب الوطني وفي العاصمة صنعاء بوجه خاص، وبعد 20 سنة، سيجف حوضها المائي، فيما سيبلغ تِعداد سكانها حينها 6 مليون، جميعهم سيصبح بلا ماء ولا مرعى". وفي معرض ردِّه على أن الحكومة لم تستغِل المساعدات التي مُنحت لها استغلالا عقلانيا، نتيجة لانتشار الفساد، قال ورئيس المنتدى السياسي: "أكثر مَن يعاني من شروط ومتطلّبات المانحين واحتياجات وإمكانات الإدارات المستفيدة منها، هي وزارة التخطيط، مشيرا إلى ما يسمِّيه وجود فَجوة كبيرة بين شروط المانحين للمساعدات، وبين المستفيدين منها، وأنه لا يُمكن ردْم تلك الفجوة بسهولة، إلا بعمل مُشترك بين المانحين والدولة والأطراف المستفيدة، موضِّحا أن اليمن تحصَّل على أقل المعدّلات من المساعدات الخارجية، حوالي 13 دولارا للفرد، بينما دُول مشابهة بمعايير الحصول على المساعدات الدولية، وربما هي أحسن قليلا، لكن الفرد يتلقّى فيها 33 دولارا. وفي هذا السياق، شدد سيف قائلا: "الوزير يعلَم يقِينا أن البلدان المانِحة ليست جمعيات خيرية، وإنما هي دُول لها مصالحها لا تقدِّم هِبات، بل تخطِّط من منظور إستراتيجي، ولذلك، خاطبهم باللّغة التي يفهمونها، وركّز على البُعد الأمني الذي يُدركه الجميع ويتحدّثون فيه بعيدا عن وسائل الإعلام والاعتداءات الإرهابية الأخيرة، ستزيد من مصاعب البلاد". " إنهاك الدولة.. وإضعاف الإقتصاد" ومن جهته، قال محمد الوصابي، الباحث في مركز سبأ للدراسات الإستراتيجية في ردّه على سؤال لسويس انفو حول ما تُضيفه الاعتداءات الإرهابية الأخيرة على البلاد من مشاكل: "إنها ستزيد الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد تأزّماً وتعقيداً، مؤكِّدا أن تنظيم القاعدة، الذي نفّذ هذه العمليات وعلى نحو استعراضي، يُقصَد منها إظهار عجز الدولة اليمنية، التي يراها "غير شرعية" و"عميلة" لأمريكا والغرب، كما للنِّظام السعودي المجاور، وإنهاكها – وهي المُنهَكة أصلاً – اقتصادياً، ولذلك وجّه ضربته لدولة تربطها باليمن علاقات اقتصادية هامّة. فكوريا شريك أساسي في مشروع الغاز اليمني، الذي سيبدأ تصدير حصّة مهمّة منه إلى كوريا، ابتداءً من منتصف العام الجاري، وتساهِم فيه ثلاث شركات كورية، (إس كي) بنسبة 9.55%، والمؤسسة الكورية للغاز (كوغاز) ب 6% وشركة هيونداي ب 5.88%، ولذلك، فإنه أراد إضعاف أهمّ مفاصل الاقتصاد اليمني، حسب الوصابي. وعلى الرّغم من أن الهجمات الإرهابية كشفت عن أن اليمن ما زال يواجِه خطر الإرهاب، رغم محاولاته تجفيف منابِعه وسيزيد من الضغوط على صنعاء، إلا أن الوصابي يعتقِد عكس ذلك، مؤكِّدا أنه مع اشتِداد العُنف الإرهابي الذي يستهدف موارِد وقطاعات اقتصادية حسّاسة في اليمن، بالتّوازي مع استفحال الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها البلاد، ستكون الحكومة اليمنية في وضع تفاوُضي أفضل فيما يتعلّق بقدرتها على تلقِّي المزيد من المساعدات الخارجية، الأمر الذي سيُعطي مصداقية لتحذيرات لكبار مسؤوليها - وفي مقدّمتهم عبد الكريم الأرحبي، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير التخطيط والتعاون الدولي - والتي تُلوِّح صراحةً بإمكانية غَرق البلاد في الفَوضى و"تحولها إلى صومال جديد". الخلاصة، أن مهاوي الانهيار، التي يحذِّر منها، أصبحت أمرا مألوفا في تقارير المؤسسات المعنِية برصْد قوّة وضُعف الدّول، ولم تعُد مستفزّة للمسؤولين اليمنيين كما كانت من قبل، بعد أن أدركوا أنهم أمام حقائق كشَفت عنها تداعِيات الأزمة المالية بوضوح، وزادت من مخاطرها النّشاطات المتزايدة للقاعدة في الآونة الأخيرة، مما حدا بالمسؤول المكلّف بخفايا المؤشرات التنموية، أن ينذر بعواقِب خطيرة لبلاده وللمنطقة على حدٍّ سواء. ويشاطره كثيرون في هذا التقييم، من بينهم علي سيف حسن الذي يقول: "إن المنطقة منظومة واحدة والمشاكل لا تعترف بحدود الدّول، وأن ما تشهده اليوم من تكامُل وتعاون بين أطراف منظومة القاعدة، الذين كشفوا عن قُدرات كبيرة في التّنسيق والتخطيط والتعاون في تنفيذ العمليات، يعكس توحّد المنطقة في شرّها، دون توحّدها على الخير، مضيفا: "من المُؤسف أن الشرّ يتوحّد والخير يتفرّق، وما أتمنّاه هو العكس، أن يحصل تنسيق وتكامل في مِحور الخير، كما هو حاصل في مجال الشر". مجرد محاولات يائسة؟ ويستنتج من كلّ ما يجري وممّا يرصده المعنيون على اختلاف مواقعهم، أن مصدر القلق الأكبر، هو انهيار الدولة وهيمنة أمَرَاء الحرب وتجّارها على مقاليد الأمور، كما هو حال الصومال، لأن ذلك الوضع هو الملائِم لتفريخ وتولِيد الإرهاب، الذي سيتّخذ وتيرةً أعنف في حال الانهيار المحذّر منه، عمّا هو عليه حاليا، والذي يقرأ فيه البعض مجرّد عمليات مرتبكة لا تعبِّر عن قوّة بقدْر ما هي دليل عن ضُعف. وفي هذا السياق قال المحلل السياسي سقاق عمر السقاف لسويس انفو: "يمكن القول أن تنظيم القاعدة (في جزيرة العرب) بعملياته الأخيرة، بدأ يفقد قواه وتماسُكه جرّاء الضّربات المستمرة التي وجِّهت له من قِبل أجهزة الأمن اليمنية، ويمكن التّدليل على ذلك، حسب ما يذهب إليه سقاف، بأنه أصبح يهاجم أهدافا سهلة وبسيطة نسبياً. فالأفراد المستهدَفين من رعايا دولة آسيوية - كوريا الجنوبية - لم تكُن الأنظار موجّهة إليهم، بعكس العمليات السابقة التي استهدفت رعايا ومصالِح غربية، مثل حادث مقتل السياح البلجيكيين وكذا الهجوم على السفارة الأمريكية العام الماضي، هذا من ناحية، وربما أراد من خلال هذه العمليات، أن يصرِف النظر ويشتِّت الجهود الأمنية، التي بدأت تشدّد عليه الخِناق، من ناحية أخرى. ويشاطِره في ذلك سيف حسن، الذي يرى أن الهجمات الإرهابية الأخيرة، التي حدَثت مؤخَّرا، مُتهوِّرة وجريئة ولا تعدو، حسب سيف، أن تكون مجرّد محاولات يائِسة لإثبات أن تنظيم القاعدة لم يتأثَّر بالضربات المُوجعة التي تلقّاها مؤخرا، عندما ألقت سلطات الأمن اليمنية القبض على قائده الميداني السعودي الجنسية "أبو الحارث" محمد العوفي، بعد أيام قلائل من الإعلان عن تشكيل قيادة موحّدة للتنظيم في الجزيرة بعضويته، والذي سلّم لسلطات بلاده بعد فراره منها والتِحاقه بالقيادة الجديدة. الحل.. تحديث الدولة! إجمالا، يمكِن القول أن اليمن لا يواجِه فقط خطر التهديدات الإرهابية، بل خطر تناقُص موارده الطبيعية، نتيجة لانعكاسات تداعِيات الأزمة المالية العالمية على عائداته من الصادرات النفطية، ومن ثَمّ على مُجمل أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية المولدة للظاهرة الإرهابية، ما يستدعي كل الأطراف المعنِية في المنطقة، الأخذ بيَد هذا البلد، حتى لا يقع في مهاوي الانهيار. لكن ذلك لا يكفي وحده، حسب ما يذهب إليه الكثير من المحلِّلين لمُجريات الأمور في البلاد، وإنما يتطلّب التحوّل بالدولة عن ممالاة ومحاباة الأطُر التقليدية، التي أضعفتها باستمرار، إلى دولة عصرية وحديثة تقوم على المسألة والشفافية واحترام القانون، وهو أمر لطالَما ربط بين بلوغه وبلوغ المساعدات المَوعودة من قِبل المانحين. وفيما يرى عدد من المراقبين أن تلك الخطوات كفيلة بأن تقِي البلاد مخاطر "الصّوملة" وتقضي على خطر الإرهاب، لكن التحذير من العواقب لن يُجدي كثيرا، طالما لا يُبذَل الجهد اللازم من أجل تجنّب الوقوع فيها.