هاكان فيدان رئيس الاستخبارات التركية برز اسمه كمهندس الاستراتيجية الأمنية التركية، وهو مستشار قريب ووفي لرئيس الحكومة رجب طيب أردوغان. ويعد الرجل الثاني في تركيا، ويقال إنه أقوى من أي وزير، بل أقوى من الرئيس التركي عبدالله غول نفسه، مثل مصدر إزعاج لأميركا وإسرائيل منذ أن اتهمته واشنطن بتسريب معلومات مهمة لإيران. أنقرة- يقول المثل العالمي، «وراء كل رجل عظيم امرأة»، لكن، في عالم السياسة، كثيرا ما يكون «وراء كل رجل «عظيم» رجل»؛ حتى لو كان ذلك «العظيم» ديكتاتورا وأحادي الحكم والنفوذ، لا بدّ أن يكون له يد يمنى يستند عليها وتدعم خططه، وهذه اليد اليمنى هي ما يشار إليها عادة ب«الر جل الثاني» أو «الرجل الخفي». الرجل الثاني الذي نتوقّف عند سيرته على امتداد هذه الأسطر، تأتيناأخباره من بلاد الأناضول مغريةً باختراق دهاليز عالم الاستخبارات الغامض مقتربةً من أسرار اليد اليمنى لرئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان، ففي سنة 2010، شهدت الاستخبارات التركية «انقلابا» تاريخيا، حين أعلن أردوغان تعيين مستشاره هاكان فيدان على رأس المؤسسة الاستخباراتية التركية، واصفا إياه ب «إنه حافظ أسراري، إنه حافظ أسرار الدولة». وقد يكون اسم هاكان فيدان جديدا على الساحة العربية والشرق أوسطية، لكنّه في الحقيقة لاعب رئيسي في كثير من الأحداث التي تلعب فيها تركيا اليوم، منذ حادثة «أسطول الحرية والخلاف بين اسرائيل وتركيا، ووصولا إلى الدور التركي في دول «الربيع العربي». البحث في سيرة فيدان هاكان، ضابط الصف السابق ومستشار أردوغان في السياسة الخارجية، يكشف أنه رجل مهم ولديه مكانة هامة في السياسة التركية الداخلية والخارجية وأحد «أدمغة» أردوغان، بل إنه أكثر تأثيرا في سياسات تركيا من الرئيس عبد الله غول. الشرق الأوسط الجديد ووجوهه يقول عنه جيمس جيفري، الذي عمل كسفير للولايات المتحدة في تركيا والعراق: «فيدان هو وجه الشرق الأوسط الجديد»، متابعا: «علينا أن نعمل معه لأنه يستطيع إنهاء المهام، لكن لا يجب افتراض أنه الصديق الساذج للولايات المتحدة، لأنه ليس كذلك». ويصفه إيمري أوسلو، خبير في شؤون الاستخبارات بأنه «أقوى كثيرا من أي وزير، بل إنه أقوى من الرئيس عبدالله غول نفسه». ظهور هاكان فيدان، أو بالأحرى، ظهور منصب هاكان فيدان، جاء مع بداية «الصحوة» في السياسة الخارجية التركية، في عهد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. فبعد أن حقّقت أنقرة نجاحا ملحوظا في مجال الاقتصاد وتبني سياسة الانفتاح، وكانت الغاية الأولى من ذلك الوصول إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي تمانع بعض كبرى الدول الأوروبية حدوثه؛ لكن الطريق إلى الوحدة الأوروبية طالت وظهرت معطيات جديدة في الشرق الأوسط أغرت أردوغان ذا الميول العثمانية لإعادة أحياء مجد الباب العالي. هذه السياسة تتطلّب اسطولا مخابراتيا، يتركّز عمله بالأساس، على العمل الخارجي، ومن هنا تمت إعادة بناء الاستخبارات التركية بقيادة رئيس جديد مقرّب من الحكومة وتقسيمها إلى جهازين أحدهما للداخل والآخر للخارج على غرار مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية، لتعزيز حضور الاستخبارات التركية في المناطق الساخنة، ولتلبية حاجات دور تركيا المتنامي، بدءا من الشرق الأوسط وجيرانها الروس والقوقاز وآسيا وأفريقيا وحتى الأميركيتين وأوروبا واسرائيل. ولتحقيق هذا الهدف، تم تعيين هاكان على رأس الاستخبارات التركية في 27 أيار -مايو 2010. وكان قد ترأس في السابق الوكالة التركية للتعاون والتنمية، كما شغل منصب وكيل الشؤون الخارجية لدى رئيس الوزراء التركي، ومَثَّل تركيا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو من المقربين لوزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو. قبل ظهور فيدان على الساحة، كرئيس لجهاز المخابرات الخارجية التركية، تداول الأتراك اسمه خلال فترة الاضطراب التي شهدها جهاز المخابرات التركية؛ تم على إثرها أعلان إعفاء «مدير مخابرات إسطنبول» من منصبه الذي يعتبر من أهم المناصب داخل الجهاز فهو المسؤول عن الأمن ومتابعة عناصر المخابرات الأجنبية في هذه المدينة التي يزيد تعداد سكانها عن 15 مليون نسمة وتستقبل ملايين السياح والأجانب يوميا، على مدار السنة، و تعتبر من أهم المسارح التي ينشط فيها عناصر أجهزة المخابرات العالمية. حدث هذا بعد أزمة ضربت جهاز المخابرات التركي وتمثلت في استدعاء قاضي التحقيق في قضية التنظيم السري لحزب العمال الكردستاني المحظور (بي كي كي) لرئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان. وإستدعي هاكان فيدان للتحقيق معه كمشتبه به في القضية مع أربعة من قيادات جهاز المخابرات، بعد الاشتباه في تقديمه الدعم للحزب الكردستاني المحظور أو غض بصره عن معلومات مسبقه عن عمليات مسلحة وهجمات نفذها الحزب ضد رجال الأمن في تركيا. وتم تجاوز هذه الأزمة سريعا، حيث سعت حكومة أردوغان إلى بعث قانون يعطي الحصانة لرجال المخابرات من الادلاء بأقوالهم أمام المحاكم الجنائية. وواجه القانون، الذي تم إقراره خلال 48 ساعة، فقط، انتقادا شديدا من المعارضة على اعتبار أنه يضع رجال المخابرات فوق القانون لتنفيذ أجندة خاصة لرئيس الوزراء وحكومته. من هنا بدأ الظهور العلني لهاكان فيدان، وأصبح اسمه متداولا في الصحافة التركية، خلافا لرجال الاستخبارات السابقين الذين غالبا ما كانت اسماؤهم مخفية. وكان أردوغان قد فاجأ الكثيرين عندما عين ذراعه اليمنى رئيسا لجهاز المخابرات مخالفا للأعراف التي تقضي بتعيين رجل من داخل الجهاز في هذا المنصب الحساس. وتعيين المستشار السابق للسياسة الخارجية ليس الانقلاب الوحيد في جهاز المخابرات التركية، بل إن الانقلاب الأكبر يبرز في أن هاكان، رغم أنه كان ضابط صف سابق، إلا أنه عيّن بصفته مسؤول مدني، وليس مسؤولا من الجيش، في خطوة زادت من الفجوة بين رجال الجيش، ذوي الميول الأتاتوركية، الذين كانون يحكمون قبضتهم على أهم معاقل الدولة التركية ورئيس الحكومة الإسلامي، عثماني الهوى. ومن خلال خلفيته الآكاديمية والعسكرية استطاع فيدان إدخال تعديلات كبيرة في تكوين جهاز المخابرات وأقنع أردوغان بتجميع جميع أجهزة المخابرات في الخارجية والأمن والجيش تحت جهاز المخابرات العامة، وهوالأمرالذي أزعج الأوساط في الأمن والجيش. الاتجاهات الاستراتيجية لدى فيدان قناعاته الخاصة وتوجهاته التي تصب في السياسة العامة لتركيا، ففي كل الخطوات التي اتخذها كانت المصلحة العليا لتركيا من أولى اهتماماته.منذ أن حظي بتولي رئاسة الاستخبارات التركية في العام 2010، عمل على إعادة توجيه نشاطها بما يتلاءم مع مشاريع أردوغان الإقليمية، كما يرى ذلك الأميركيون من أن مساعي هاكان لا تهدف إلى تقويض دور الولاياتالمتحدة، وإنما إلى خدمة مصالح تلك المشاريع الإقليمية. من تلك القناعات والتوجهات في التعامل مع العديد من القضايا، نذكر موقفه من الأزمة السورية حيث يرى فيدان أن التسليح المباشر والنوعي للمعارضة السورية هو الحل الوحيد.وشرع فيدان بالفعل بعد آب أغسطس 2011 في توجيه جهوده لتعزيز قدرات الثوار عن طريق السماح للسلاح والمال والدعم اللوجستي للثوار السوريين في شمال البلاد، وعلى الحدود مع بلاده. وبدت توجهات فيدان تطفو على السطح مع ثورات ما يسمى ب«الربيع العربي» فقد بدأ الرجل في توسيع سيطرة الاستخبارات التركية من خلال السيطرة على الاستخبارات العسكرية التي كانت مهيمنة على السياسة التركية لعقود. وترجح العديد من التقارير الاخبارية أن الجهود الاستخباراتية التي بذلها فيدان كانت وراء الافراج عن الرهائن اللبنانيين التسعة بعد احتجازهم 17 شهرا لدى معارضين سوريين مسلحين. وأكدت بعض الصحف أن القوات الخاصة التركية تدخلت في 16 نوفمبر تشرين الأول 2013 في مدينة اعزاز التي شهدت على مدى أسابيع معارك عنيفة بين جماعات إسلامية متشددة وأخرى معارضة للرئيس السوري بشار الأسد، وتمكن الكوماندوس من إخراج الرهائن اللبنانيين ونقلهم إلى الأراضي التركية، من دون المشاركة في المعارك. بهذا الدور وهذه التوجهات تمكن فيدان من أن يكون الرجل القوي الذي يحسب له ألف حساب. كما جعله ذلك في مرمى النيران الأميركية التي يختلف معها في كثير من التوجهات وينظر إلى المسائل والقضايا الدولية الحاصلة برؤية مختلفة كما يقول مسؤول استخباراتي أمريكي متحدثا عنه: إننا لا ننظر للعالم من خلال نفس العدسات.
على خطى رئيسه، دخل فيدان هاكان إلى الساحة السياسية الخارجية، عبر الدخول على خط تيار القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي. في محاولة للعودة عبر طريق الحرير القديم إلى الشرق الأوسط بعد ان فشلت تركيا في الحصول على الهوية الأوروبية. وسنحت الفرصة مع حادثة «أسطول الحرية» التركي الذي كان متّجها إلى غزّة في محاولة لكسر الحصار الاسرائيلي المفروض على القطاع. مسلسل الهجوم الاسرائيلي على اسطول المساعدات صنع «مجد» تركيا الأردوغانية لدى الشعوب العربية التي كانت في غمرة انتشاءها بالمسلسلات التركية وبكل ما يقذف به ضفاف البوسفور وب«بطولة» «الزعيم» أردواغان الشهيرة في دافوس حين رفض الجلوس مع الرئيس الاسرائيلي، شمعون بيريز. وظلت العلاقة تبدو في ظاهرها متوترة جدا بين تركيا واسرائيل إلى غاية أشهر قليلة ماضية، حيث تم الصلح بينهما بعد أن توسّط الرئيس الأميركي باراكا أوباما الذي رتّب خلال زيارته إلى إسرائيل في شهر مارس الماضي مكالمة تليفونية اعتذر خلالها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لنظيره التركي رجب طيب أردوغان عن الأخطاء التي وقعت في الرد على «أسطول الحرية» الذي قالت اسرائيل إن رئيس المخابرات، هاكان، هو صاحب فكرة الأسطول والمخطط الرئيس لها. لكن يبدو أن حبال الود بين تركيا واسرائيل قصيرة، فقد برزت خلال الأيام الماضية على السطح قضية جديدة، أثارت حفيظة اسرائيل وأميركا من تركيا. وبرز فيها اسم هاكان بقوة. حيث اتهمت صحيفة «وول ستريت جورنال» رئيس الاستخبارات التركية بأنه ينفذ سياسات مستقلة، ويتقرب من إيران، وحملته مسؤولية دعم تنظيم «القاعدة»، وغيره من الجماعات المتطرفة التي تقاتل في سوريا. كما اتهمته صحيفة «واشنطن بوست» بتسليم إيران حوالي 10 جواسيس إيرانيين يعملون لمصلحة الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية (الموساد). تهمة أخرى مشابهة وجهتها ال«سي أي أي» سنة 2010 إلى فيدان، حين اشتبهت في أن جهاز الاستخبارات التركي، يعكف على نقل معلومات سرية جمعها جهازا الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، وحينئذ أعربت دوائر استخباراتية في واشنطن أن تركيا التي كانت تسعى في حينه لتوطيد علاقتها بالدولة الفارسية، نقلت معلومات استخباراتية إلى حكومة طهران، تتضمن تقارير سرية حول تقديرات الولاياتالمتحدة ذات الصلة بإيران. وفي عام 2011 كان فيدان في محور الصدام الإسرائيلي التركي، إلا أن أردوغان دافع عنه، مدعيا أن إسرائيل تتنصت على رئيس الاستخبارات التركية، ووقفت وراء تسريب اتصالات هاتفية جرت بينه وبين قادة في حزب العمال الكوردستاني. كل هذا الكم من الاتهامات جعل فيدان يتحرك من أجل النفي والدفاع عن نفسه وسط تلميحات أميركية أنه ليس هناك تأكيد بأن فيدان أراد من نشر تلك المعلومات الإضرار بمصالح الولاياتالمتحدة. وقالت إسرائيل إن فيدان يعمل بشكل مستقل عن التوجهات الغربية، كما اتهمته بتسريب معلومات أمنية إلى المجاهدين في سورية كانت الاستخبارات التركية قد حصلت عليها عبر التعاون مع الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، وأنه حوّل جهازه إلى شرطة مرور، لنقل وتوجيه تدفق مجموعات القاعدة إلى سورية، ونقل التمويل والسلاح لهم، وأنه استثمر علاقته المميزة مع مدير المخابرات السعودية بندر بن سلطان لتعزيز ودعم الوجود الجهادي في سورية، غير عابئ بالتحذيرات الأميركية، مما جعل الرئيس الأميركي باراك أوباما يُحذر أردوغان من ذلك أثناء لقائه في البيت الأبيض في حضور هاكان. ويقول زعماء المعارضة السورية بالإضافة إلى مسؤولين أميركيين إن فيدان تصرف كشرطي مرور، حيث رتب دخول شحنات الأسلحة والسماح بدخول قوافل عبر نقاط التفتيش الحدودية على طول الحدود السورية التركية. وتشير المعلومات التي تنفيها الدوائر الرسمية في تركيا إلى أن السلطات في تركية سمحت لطائرة تقل عددا كبيرا من العناصر الأجنبية المتطرفة بالهبوط في ميناء هاتاي الجوي، تمهيدا لنقلهم إلى سوريا، كما أن حكومة أنقرة عنيت بعلاج أعضاء جماعة جبهة النصرة المحسوبة على تنظيم القاعدة في المستشفيات التركية. ويذهب محللون الى أن نشر مقالات في الصحف الأميركية والإسرائيلية حول مزاعم أن رئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان لديه علاقات ودية مع إيران يتزامن مع ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تغيرات سريعة. وقد أبدت اسرئيل تحفظها منذ تعيين هاكان فيدان على اعتبار أنه كان قد شارك في المفاوضات السرية للملف النووي الايراني ومفاوضات السلام غير المباشرة والسرية بين سوريا واسرائيل، واتهمه مسؤولون إسرائيليون بمحاباة طهران. خلافة أردوغان بدأت الكواليس السياسية بأنقرة تتطرق قبل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية إلى جدل ونقاشات حول الشخصية التي ستخلف رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بعد احتمال تسلمه منصب رئاسة الجمهورية محل الرئيس الحالي عبد الله جول. وما يتردد في الوقت الحالي بتركيا هو أن أردوغان اتخذ قراره بترك منصبه كرئيس للوزراء لرئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان البالغ من العمر 45 عاما بعد تسلم أردوغان منصب رئاسة الجمهورية من جول. فيما تدرك تلك النقاشات أن أردوغان، من بعد توليه منصب رئاسة الجمهورية، قد يترك رئاسة الوزراء لزميله غول ولكن في حال توجه جول للتعاون مع مجموعة الشيخ فتح الله جولن وتشكيل جبهة معارضة ضده داخل حزب العدالة والتنمية فحينها سيترك أردوغان منصبه إلى فيدان. ويبدو فيدان تكنوقراط بيروقراطي لا يهتم بالخبرة السياسية التركية الداخلية وهذا الأمر يصب في مصلحة أردوغان الذي لا يحبذ تقدم شخصية أو اسم سياسي عنه داخل الحزب، إضافة إلى أن أردوغان يثق ثقة كبيرة به ويعتبره كاتم أسراره بعد أن عمل معه لفترة طويلة من خلال توليه منصب مساعد مستشار رئيس الوزراء ولاحقا منصب رئيس مكتب المساعدات التنموية التابع لرئاسة الوزراء، ويبدو من الصعوبة بمكان أن يخون فيدان أردوغان الذي وقف إلى جانبه في المواقف الصعبة والحرجة.