القاهرة: اتهمت "جبهة علماء الأزهر" شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي بتحريف الكلم عن مواضعه من خلال فتواه الخاصة بجلد الصحفيين، مؤكدة "فساد" الأدلة التي ساقها لتبرير فتواه التي أثارت جدلاً واسعًا في أوساط الصحفيين، واعتبروها تأتي في سياق التحريض عليهم، في خضم الأزمة التي تفجرت على إثر صدور أحكام بالحبس والغرامة ضد عدد من رؤساء التحرير والصحفيين في قضايا نشر. وأضافت الجبهة في بيان نشرته جريدة "الآن" الكويتية على الانترنت، أن الشيخ طنطاوي يعلم علم اليقين أن استدلاله الفقهي والشرعي فاسد باستدلاله بالآيات القرآنية التي ساقها لمحاولة إدانة من أراد إدانتهم بها، مشيرة إلى أنه هو الذي خط بيده من قبل كتابه المسمى ب 'التفسير الوسيط' الذي يتم تدريسه حاليًا على طلاب الصف الثاني الثانوي الأزهري. ولفتت إلى أنه في هذا الكتاب نقل طنطاوي عن الإمام الرازي في تفسيره قوله تعالي 'والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ولا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ' (الآية 40 من النور)، أن العلماء أجمعوا على أن المراد هنا في هذه الآية الرمي بالزنا. وكان شيخ الأزهر قال على هامش الاحتفال بليلة القدر الذي حضره الرئيس مبارك إنه يجب جلد مروجي الشائعات ومثيري الفتن 80 جلدة، وذلك بعد قوله في خطبة الجمعة بحضور رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف إن "الصحافة التي تلجأ لنشر الشائعات والأخبار غير الصادقة تستحق المقاطعة، وحرام شراء القراء لها". وقال بيان الجبهة: " إن الوصف الوحيد لما فعله شيخ الأزهر هو أنه قام عمدًا بتحريف الكلم عن مواضعه وهو ما يوقعه في المعصية التي جعل الله سبحانه وتعالي عقوبتها أشد عقوبة نزلت بأمة من الأمم قبلنا؛ وهي: استحقاق اللعن، قساوة القلوب بعد فسادها، داوم العداوة والبغضاء في جموع الأمة الساكتة عليها، عداوة وبغضاء تدمر عليها بإذن ربها وتدمدم. وطالبت، الشيخ طنطاوي أن يسارع بمراجعة نفسه وإعلان توبته عما بدر منه فعسى الله سبحانه وتعالي أن يتوب عليه فهو القائل 'وتُوبُوا إلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ' (سورة النور)، مؤكدة أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. انتقادات حادة لفتوى طنطاوي وكانت الفتوى التي أطلقها طنطاوي وطالب فيها بمعاقبة الكتاب والصحفيين الذين يقومون بترويج الشائعات بالجلد، قد أثارت جدلا واسعا وانتقادات حادة في مصر للدرجة التي اعتبرها الأوساط الصحفية المصرية "فضيحة كاملة الأوصاف". فقد رفض محمد عبد القدوس أمين لجنة الحريات بنقابة الصحفيين فتوى طنطاوي وقال إنها تحمل رائحة مجاملة كبار رموز النظام ، ودعا الى مواجهتها ومواجهة صاحبها لأنه لا علاقة لها بصحيح الدين. وعبر عبد القدوس عن دهشته وذلك لأن الإسلام يعاقب الذي يصمت عن قول الحق حيث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن" الساكت عن الحق شيطان أخرس". وسخر الكاتب حمدين صباحي رئيس تحرير صحيفة الكرامة وعضو مجلس الشعب من تصريحات طنطاوي واعتبرها غير خالصة لوجه الله وإنما هي من أجل رضا المسؤولين. وناشد صباحي طنطاوي أن يقول كلمة حق وألا يستخدم منصبه في تجميل المسؤولين على غير حق. ورأى عضو مجلس نقابة الصحافيين، جمال فهمي، أن شيح الأزهر يؤكّد للمرة الألف أنه "يجنّد موقعه الرفيع لخدمة نظام قمعي بوليسي"، مضيفاً أنه "لم يكن يتصوّر أن تصدر باسم الدين فتاوى تجلد الحرية وتعاقب أصواتاً فضحت النظام". ووصف طنطاوي بأنه "الرجل الذي يفتي بالإعدام لمعارضي مبارك ونظامه الفاسد". وانتقد الكاتب الصحفي فهمي هويدي تصريحات شيخ الأزهر قائلا في تصريحات لصحيفة "المصري اليوم" المصرية المستقلة نشرتها امس إن "شيخ الأزهر له أكثر من قبعة وهو هنا يرتدي قبعة الأمن ، وكان أكرم له أن يصمت لأن هناك أمورا أكثر جسامة تستحق تعليق شيخ الأزهر وكلامه". وتساءل هويدي: "لماذا لم نسمع لشيخ الأزهر رأيا في إدانة التعذيب وتزوير الانتخابات واحتكار السلطة والأغذية الفاسدة والمبيدات المسرطنة ولا حتى الناس لما غرقت في العبارة لماذا لم يتحدث شيخ الأزهر ونحن لا نثق مطلقا في شهادة شيخ الأزهر وكلامه يرتد عليه لأنه لم يكن أمينا فيها". كما عبر الكاتب عبد الحليم قنديل الناطق بلسان حركة كفاية عن دهشته مما أطلقه طنطاوي من هجوم على الصحفيين الذين هم في الأساس يحاولون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ووصف قنديل تأليب شيخ الأزهر الحكومة على الصحفيين بأنه لا يليق بمنصبه. وقال قنديل أن طنطاوي يعرض سمعة المؤسسة الدينية بكاملها للخطر البالغ: وذلك حينما يحولها من جهة ذات سيادة وتأثير بالغ في نفوس المسلمين حول العالم إلى كيان هش كل ما يبتغيه المسؤول الأول عنها هو حصد رضا كبار رموز الحكومة والحزب الحاكم. رئيس تحرير"الأهرام" ينحاز لشيخ الأزهر في غضون ذلك، انحاز رئيس صحيفة "الأهرام" المصرية أسامة سرايا إلى شيخ الأزهر في معركته الأخيرة مع الصحفيين، حيث هاجم سرايا الحملة التي يقودها زملاؤه الصحفيون ضد شيخ الأزهر. ودافع سرايا عن موقف شيخ الأزهر قائلا: " كان الشيخ الجليل يتحدث عن الدعاء في ليلة القدر وشروط الاستجابة له، واستبعد الاستجابة لدعاء من وصفهم بالمغرورين المتكبرين الذين يقذفون غيرهم بأقبح ألوان الرذائل وبأشنع التهم، ويبرئون أنفسهم منها ثم لا يريدون أن تطبق عليهم أحكام الله". وأضاف: " تطرق الشيخ إلى آيتين من سورة النور حول قذف المحصنات وشرح للعقوبات التي جاءت بها الشريعة الإسلامية تفصيلا، من عقوبات حسية ومعنوية ودينية، غير أن هذا الخطاب الديني تعرض لقراءة مغرضة تأثرت بسياسات بعض وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، وتعرض العالم الجليل لكثير من النقد الخارج عن حدود الخطاب مع رمز ديني له مكانة لابد من الحفاظ عليها". وبالعودة إلى خطاب الشيخ، فإن الخطاب لم يتضمن كلمة واحدة عن الشائعات، كما لم يتطرق إلى تطبيق عقوبة الجلد في قضايا النشر، خاصة ونحن في مصر لا نطبق العقوبات البدنية، ولا تحمل كلماته تحريضا ضد أحد. ومن السفه القول بأن شيخ الأزهر يعمل على تشويه الدين لأنه أورد حكما قاطعا من صحيح الدين في قضايا القذف لم يعجب أصحاب الصوت العالي. ونقلت جريدة "الوطن" السعودية عن سرايا قوله: " حديث الشيخ الجليل يعد حديثا تثقيفيا لعامة المسلمين، وكان الأجدر من توجيه الاتهامات اللجوء إلى المناقشة الفقهية والعلمية التي يستحقها لكي تنقى الأجواء. وليس اللجوء إلى لي العنق بالكلمات التي تصب المزيد من النار على الحوار الملتهب، وتخيف الآخرين وتمنعهم من الاقتراب حتى لا تحترق أصابعهم". صحفيون وراء القضبان كان القضاء المصري قد أصدر اخيرا أحكاما بالسجن على سبعة صحافيين بينهم خمسة رؤساء تحرير بناء على دعاوى من أشخاص عاديين ينتمون للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم اتهموا فيها الصحف بالإساءة إلى رموز الحزب وعلى رأسها الرئيس المصري الذي يشغل أيضا منصب رئيس الحزب. ومن بين الذين صدرت ضدهم أحكام أربعة رؤساء تحرير صحف مستقلة أدينوا بتهمة "الإساءة لرموز الحزب الوطني الحاكم" وصدرت ضدهم أحكام بالسجن لمدة عام. وكان من بين رؤساء التحرير الأربعة الصحافي إبراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة "الدستور" اليومية الذي يحاكم في قضية منفصلة بتهمة "نشر إشاعات كاذبة عن صحة الرئيس المصري حسني مبارك مما أدى للإضرار بالمصلحة العامة للبلاد وبالاقتصاد القومي". وعبر البيت الأبيض الأميركي عن قلقه "العميق" بعد الأحكام التي صدرت بسجن صحافيين، في مصر وهو ما اعتبرته الخارجية المصرية تدخلا "غير مقبول في الشؤون الداخلية".