تفجعك اليمن بقواها السياسية عندما تتخذ من اللامعيار (اخلاقياً كان او علميأ)بوصلةً لتحركاتها واستراتيجيةً لمناوراتها،ناهيك عن كونها غايةً لها،وليس ادلّ على ذلك من اتخاذ مايُسمى(قضايا ذات بُعد وطني) او ثوابت اليمن المركزيّة،كالوحدة والثورة،او قضايا ومشاريع التحرر بأبعادها،فضلاً عن قيم العدالة والحرية والمساواة وما يرتبط بها ويتداخل معها،والتي تشكل بمجموعها أمن واستقرار اليمن وطريقاً مفضياً لسعادته ورفاهيّته،وعليه فسنحاول سبر وقراءة ذلك بأبعاده الثقافية والنفسية والاجتماعية والسياسية كالآتي: أولاً:البعدين الثقافي والأخلاقي: *ان التلاعب بقيم الثورة والوحدة كمشاريع استراتيجية تحمل في طياتها ابعاداً انسانيةً،وقيم تحتل في المخيال الجمعي للشعب مركز القلب منه والعميقة الجذور في وجدانه وعقله الواعي وجعلها مطيةً لقوى سياسية بعينها لتنفيذ مآربها الانانية والفئوية،ماهو في الحقيقة الاّ سقوطاً اخلاقياً وانحطاطاً قيميّاً باتجاه التلاشي المفضي للسقوط النهائي والمريع في براثن الانتهازية واللصوصية والافساد الشامل،والذي قد يشكل حاجز صدّ أمام تطلعات الجماهير والقوى المتشكلة صعوداً وآمال الشعب المتوثبة بمختلف فئاته،ناهيك عن شيوع (الوصوليين)والبراجماتية القذرة المفارقة لروحها كنتاج للفلسفة الوضعية في الفكر الغربي او المصلحة في الفكر الاسلامي،كما انها ضرباً لتلك القيم المركزية والمشكلّة لروح الأمة وبحيث يفضي ذلك الى انحلال قيمي واخلاقي وثقافي وانفصال روح الشعب عن حقيقة الاهداف او الغايات والآمال المرجوّة،اضافةً الى تجذر وابراز (داء الفئوية) المقيتة،وبحيث يصبح الشعب وحده عارياً في معركته تجاه قضاياه المصيريّة وسحقاً لآماله في التحرر والانعتاق من براثن العبوديّة والذل والمهانة. -ولذا فلا غضاضة ولا غرو في ان نجد ونشاهد جماعات العنف وانتشار الجريمة بأنواعها ومستوياتها وبؤر نشاطها وانتشارها فضلاً عن كون تلك القيم الثقافية المنحلة والاخلاقية المبتذلة بقدر ما انها نتيجة لهكذا سياسات فقد اضحت سبباً ايضاً في تمددها وانتشارها(اي سببا ونتيجة معاً)ولذا اضحت الظاهرة مركبة ومعقدة معاً وتغيُّراً نحو الأسوأ.
ثانياً:النفسي والاجتماعي: *لايمثل ماتقدم ايذاءً وعنفاً نفسياً وقهراً مجتمعياً المفضي الى تشبع المجتمع بسكلوجية القهر والخذلان من جرّاء العنف الممارس بحقه،بل والأنكى هو فقدانه للذات الجمعيّة والاخلاقية،الذات المتسامية والمشبعة بالثقة والمنغمسة بالأمل،الذات الحضارية والانسانيّة، والأخطر وصوله الى لحظة البؤس المفعمة باليأٍس،وبالتالي فالانتحار الجماعي احد اهم واخطر خيار بعد اتباع وسلوك للعنف في لحظة انفجار مجتمعي توشك ان تقع،ليس فقط تجاه او ازاء النخب التقليدية او قوى سياسية بعينها بل حتى ضد المجتمع ذاته،في متواليّة من الانتقام المدمرّ والمركب من مكنايزم الاغتراب ،لا لشئ سوى ان الشعور بالظلم والاحساس بالجور قد وصل حدّ الامتلاء وبالتالي فاتباع سياسة (حرب الكل ضد الجميع) هي الخيار الاوحد.
-كما ان ضرب المنظومة القيّمية والاخلاقية لاي مجتمع وانحلالها وحلول الكذب محل الصدق والمداهنة بدلا للمصارحة والمكاشفة،والخيانة والغدر بديلاً عن الوفاء،وشيوع (الانانية) القذرة محل التعاون والاخاء ناهيك عن كل سئ وردئ،وبالتالي تصبح الشخصيّة اليمنيّة ليس محط ازدراء ومقت فحسب بل انها اضحت غير سوية ولا عقلانية..الخ وشاذة وبحيث يصبح ذلك الشذوذ الشخصي بابعاده والنفسي،مولداً لانفصام نكد،عندها فلنعلم جميعاً ان المجتمع برمته اضحى لايحمل اي نسق قيمي وانساني تماماً.
ثالثاً:السياسي: *ان سلوك تلك القوى السياسية والنخب التقليدية لهكذا درب وهو المتجسد واقعاً في شخصيتها،بدليل مواقفها المعلنة والمناقضة تماماً لسلوكها الممارس،وهذا ليس فقط انفصاماً نكداً كما تقدم بل ودفعاً للمجتمع ودعوةً مفتوحةً ومفضوحةً بأن يُقتدى بها،وهو مايسبب التذمرُّ ابتداءً ولكن الاخطر اتباع سياسات تدفعك دفعاً وخارج ارادتك الحرة لهكذا سلوك،او فأن الموت البطئ مصيرك،ولذا نرى ان الحقيقة السياسية لاتمثل الحقيقة الاجتماعية مطلقاً،فضلاً عن الشلل العام والعجز الفاضح في بنيّة واجهزة الدولة اضافةً الى تكلس وموت حقيقي للشعور بالمسئولية للحكومة.
-عندها فلا وجود سوى للسلطة القائمة على (الفئوية التضامنية)،سلطة التهمت الدولة وقضت على الدولة او تكاد،سلطة حولت المعارضة الى سلطة بفعل قوتها، سلطة دجنت المجتمع وأحالته الى (كائن مسخ) وقتلت فيه واجتثت الروح منه بفعلها القذر، سلطة فرضت على المثقف قيوداً وجعلته في يدها ولم يعد(عين الشعب عندما تنام الاعين)، سلطة حولت الخاص الى عام والعام الى خاص، سلطة انتجت اذرعاً واجهزة للقتل اليومي والافساد الممنهج للحياة،خلقت المليشيا لا ستكمال حلقات الانقضاض على كل شئ.
-سلطة جعلت السئ حسناً والحسن سيئاً،صادرت الجمال والحب والاخاء والتعاون باسم الردي والمستهلك والقبيح،سلطة ذبحت القيم واستهلكت الاخلاق،اغتالت الحلم وجعلته كابوساً يقضّ اعين الطفولة في مهدها،سلطة قضت على الوطن وأعلنت وبكل بجاحة انها (هي الوطن)،مدّت يد السوء الى كل مشروع حضاري وافصحت بابتذال ورخص (المشروع انا)،ابتلعت الوحدة والثورة والثروة والشعب بأكمله وتخال نفسها احق بالاستمرار والولاء...فأنّى لها ذلك؟