عدن على صفيح ساخن: هل بدأ التحالف في إعادة ضبط العلاقة مع الجنوب؟    ضمائر حيّة لدى شبابنا: جندي جنوبي يرفض 15 مليون ريال صرفت له عن طريق الخطأ    اليمن يغلق ميناء "إيلات" نهائيا    يامال يوقع عقود التجديد مع برشلونة.. ويحصل على قميص ميسي    رئيس مجلس القضاء يعزي وزير العدل وحقوق الإنسان في وفاة أخيه    تل أبيب تقصف دمشق وصواريخ الحوثي تغلق مطار وميناء إيلات    موظف بريء.. يذبح بباطل ملفق في شركة النفط فرع عدن!    ويلبروك وجونسون يحصدان ذهب المياه المفتوحة    رواية "صلاح باتيس" عن دخول الحوثيين صنعاء في صحيح مسلم والبخاري    الحقوق والحريات… حجر الزاوية لاستعادة الدولة اليمنية    وفاة عريس ذماري بعد أيام من وفاة عروسه بحادث سير    عمرو دياب يحيي ثاني حفلات مونديال الرياضات الإلكترونية    العلاج بالكيّ: هل تنجو الشرعية من مأزقها الاقتصادي..؟!    المقالح: الشفافية في طباعة العملة أمر ضروري    السفير محمد صالح طريق .. رحلة عطاء لا تنضب    تحقيق أمريكي: الحوثيون يديرون شبكة تجارة أسلحة عبر "إكس" و"واتساب"    مؤتمر مأرب الجامع يدعو لاصطفاف وطني شامل لاستعادة الدولة وإنقاذ الاقتصاد الوطني    مشرف حوثي يقتل طفلًا رمياً بالرصاص في الحوف    يوفنتوس يواصل البحث عن مهاجم جديد    قيادة انتقالي أبين تبحث مع مسؤولي زنجبار أوضاع المديرية    راشفورد يواصل البحث عن نادٍ جديد وسط اهتمام من برشلونة    الاعلان عن ضبط شحنة أسلحة في الساحل الغربي    الفريق السامعي: العدوان الصهيوني على سوريا انتهاك للسيادة وجزء من مشروع استعماري قذر    الرئيس الزُبيدي يناقش مع السفير الياباني سبل مضاعفة الدعم التنموي لبلادنا    الذهب يرتفع مع ترقب الأسواق مفاوضات الرسوم الجمركية الأميركية    خبير أرصاد: أمطار متفاوتة متوقعة على مناطق واسعة من اليمن خلال الساعات القادمة    مناقشة وإقرار مشاريع الخطط الدراسية الموحدة في الجامعات    غارات صهيونية تستهدف القصر الرئاسي وهيئة الأركان ووزارة الدفاع في دمشق    سوق نجم الخامس بحوطة الفقية علي    الاقتصاد يدشن 54 خدمة جديدة عبر البوابة الإلكترونية لهيئة المواصفات "تسهيل"    اعتراف صهيوني ..انتصر اليمنيون ميناء "ايلات" سيغلق    اليمنيون يؤدون صلاة الاستسقاء في العاصمة صنعاء والمحافظات    حملة واسعة لرفع المركبات المتهالكة وإزالة العوائق والتعديات على الشوارع العامة والرئيسية بدارسعد    لواء الضبة بالشحر يضبط مواطنًا بحوزته أسلحة وذخيرة وأجهزة لاسلكية    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 16-7-2025 في الجنوب واليمن    عصيان مدني شامل بالمكلا    علماء الآثار الروس يستخدمون مسيرات تحت مائية لدراسة مدينة قديمة غارقة    بيع ختم يمني من ذهب الإلكتروم في مزاد بأمريكا    هندرسون يعود إلى الدوري الإنجليزي    خواطر سرية.. ( الشهداء يضعون الاختبار )    الفلفل الأسود بين الفوائد الغذائية والمحاذير الدوائية    فتاوى الذكاء الاصطناعي تهدد عرش رجال الدين في مصر    حقوق الإنسان تدين جريمة الميليشيا بحق الأطفال شمال تعز وتدعو الأمم المتحدة لإدانتها    ليفربول يعرقل رحيل دياز إلى البايرن    عُمان تستعين بكيروش في الملحق الآسيوي    هؤلاء لا يريدون وطن    وزير الشؤون الاجتماعية يبحث دعم المرأة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان    خبير مالي يوضح حول تاثير الورقة النقدية المطبوعة على قيمة العملة الوطنية ويحذر من العبث بقاعدة بيانات العملة الوطنية    روبا فيكيا (قصيدة لعراة العالم)    اسباب ارتفاع الضغط وعلاجه بلاعشاب    وزارة الأوقاف تعلن تدشين أعمال موسم الحج القادم    تدشين فعاليات موسم نجم البلدة السياحي لعام 2025م بالمكلا    دعوة للمشاركة في أداء صلاة الاستسقاء غدا الأربعاء 10 صباحا    كنز دفين منذ 5500 عام.. اكتشاف مقبرتين داخل "أهرامات" في بولندا!    أخطاء شائعة في تناول الأدوية قد تعرض حياتك للخطر!    حلم تلاشى تحت وطأة صفعات قوية    الامم المتحدة: تفشي شلل الأطفال في 19 محافظة يمنية    مرض الفشل الكلوي (12)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحل في السياسة وليس في الصيدلية
نشر في المساء يوم 16 - 11 - 2013


محمد بنعزيز

ماشيا، فجأة رفعت رأسي في الطريق فلاحظت أن شخصا يراقبني ويبتسم. ماذا كنت أفعل؟ جلست بمقهى في ناصية الشارع وراقبت ماذا يفعل الآخرون: يمشون بتوتر، يكلمون أنفسهم أو يفترضون أنهم يحاورون غيرهم. بعضهم يبصق على طريقه كل عشرة أمتار. بعضهم يعدّ ما تبقى من آخر مشترياته على أنامله كأنه يسبِّح. وجوه مكدودة متوترة هائمة تجري في الشوارع وبين وسائل النقل. ما عاد الناس يتساءلون عن زيادات أسعار البارحة. يتساءلون فقط عن الزيادات المقبلة، بنيّة أن يستعدوا لها، لا بنيّة أن يحتجوا عليها. ما عادوا يملكون النفَس للاحتجاج. يئسوا. وفي باب اليأس أعلنت إينجر أندرسون - مسؤولة بالبنك الدولي عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا/المغرب، أن الخطير ليس كون ثلث الشباب المغاربة عاطلين، الخطير أنهم يائسون وتوقفوا عن البحث عن عمل.
هذه معطيات. إلى أين سيؤدي هذا؟
تصعب قراءة المرحلة، لكن تجري محاولات لتوقع المقبل. أصدرت اللجنة التحضيرية ل«حزب الأمة الإسلامي» المحظور بيانا قالت فيه إن أجواء موجة ثانية من «ربيع الأمة الديموقراطي» بدأت تتشكل في الأفق. وفي إحصاء على موقع إلكتروني، قال ثُلثا المصوتين ان المغرب لم يجتز الربيع بعد بسلام. من جهته صرح السفير الأميركي بالرباط أنه من الصعب توقّع مآل الأمور بالمغرب. يعيش الناس هذا القلق، ليس بمصطلحات سياسية، بل بطريقتهم الخاصة، بأعصابهم التي ينهكها اليومي البسيط... وهذا يزكي التوقعات.
عادة تُجانب بورصة التوقعات لدى السياسيين الصواب، لكن حس التجار لا يخطئ. وقد سبق هؤلاء صندوق النقد. إذ عرفت البنوك المغربية نقصا في سيولتها بسبب السحوبات الكثيفة، وراجت أخبار عن تهريب المليارات الى الخارج. وأخيرا اتضح أن مبيعات الخزائن الحديدية، تلك التي يتم تخزين الأموال فيها، ارتفع بشكل قياسي مباشرة بعد فوز «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات التشريعية، لتتجاوز بذلك 16000 صندوق فولاذي. وهذا رقم غير مسبوق، يمثل أضعاف المبيعات المعتادة على ذمة ما يجري تداوله. واضح أن الأغنياء يخشون المحاسبة ولا يثقون بأن النظام المغربي استثناء، وهم يقومون بتأمين أنفسهم. وهم كانوا قد اشتروا خلال السنتين الماضيتين ما قيمته عُشر ثمن العقارات التي بيعت في باريس، بحسب إحصاء صادر عن جمعية للموثقين الفرنسيين. وقد توسلهم رئيس الوزراء قائلا «عفا الله عما سلف»، علّ النقود تبقى في المغرب (قال ذلك في برنامج «بلا حدود» على قناة الجزيرة).
عشية التصويت على الدستور الجديد في الاول من تموز/ يوليو 2011 كان الأفق ورديا. الآن استوطن اليأس النفوس من فرط القلق وغياب الأمن وغموض المستقبل. وهذا يجعلها هشة إزاء الحملات الإعلامية التي تبث الذعر أو الأمل الوهمي. ويشتد هذا الوضع مع ارتفاع مستوى الشائعات، والضرب تحت وفوق الحزام. يشعر الناس بأن لا أحد يقول الحقيقة، وهم لا يصدقون التصريحات الرسمية. وبذلك تجد الشائعات طريقها للآذان المتلهفة.
يخشى الإسلاميون إسقاط حكومتهم بانسحاب حزب موال للقصر من الائتلاف. يخشى القصر تجاوز رئيس الوزراء لشعبية الملك. وقد اتضح أن الذين يتابعون خطب بنكيران أكثر من الذين يتابعون خطاب الملك. مع معطيات كهذه، يسود البلد هدوء مريب أشبه بما قبل العاصفة. وبينما رئيس الوزراء يؤدي العمرة، راج أنها على حساب ملك السعودية، فقال الخصوم ان ذلك مس بالسيادة المغربية. ثم اتضح أنها على حساب الملك محمد السادس نفسه، فقال خصوم آخرون إن ذلك نوع من الرشوة المقنعة! في هذه الأجواء السياسية الموبوءة، والتي تحتاج لقاحا قويا لتنظيفها، يسعى كل طرف لاستثمار جو الشك لحسابه. هناك من ينتظر سقوط الحكومة لتقوم ثورة، وهناك من يدبر لسقوطها ليعود الوضع لما كان عليه، بزعم أن الدولة المغربية استثناء لا يشملها الهرم الخلدوني لنشأة الدول ثم بلوغها القمة ثم تدهورها.
يزيد صراع الاستراتيجيات من ضبابية الأفق. وقد فسر الدكتور عبد الله ساعف رئيس مركز الدراسات الاجتماعية CERSS، إسراع النظام المغربي لتبني إصلاحات، ليس بامتلاكه نية التغيير، بل «بهدف الاحتواء»، لمنع ارتفاع سقف المطالب مع تأخر الاستجابة لها. وأكد لجريدة «المساء» المغربية بعد أسبوع على موافقة المغاربة على الدستور، أن الإصلاحات السريعة التي اعتمدها الملك محمد السادس راجعة إلى عدة عوامل، من أهمها «قانون توكفيل» بخصوص الثورة، والذي يُظهر أنه عندما يتأخر نظام ما في التعامل مع الموجة الأولى للاحتجاجات، فإن التيار الراديكالي يقوى أكثر فأكثر، ويصعد ليصبح الوضع أكثر احتقانا في المرحلة التالية، وهذا بالذات ما حدث في تونس.
لا يعرف الناس «توكفيل»، لكن يعرفون أنهم خدعوا. وكمثال، كشف عضو سابق في لجنة صياغة الدستور أن النسخة التي وافق عليها الاستفتاء ليست هي نفسها التي قدمتها اللجنة للبلاط الملكي... لا مشكلة، لقد سلّم الناس بأنهم خدعوا، فقط يريدون أن يعيشوا بسلام. وحين يتعذر عليهم ذلك يزداد ضغطهم: كولسترول وسكري وأرق وصداع نصفي...
تزدهر تجارة المهدئات. يتم التعايش معها باستهلاك ضعف الجرعات التي يوصي بها الطبيب. لكن الحل الحقيقي يوجد في السياسة لا في الصيدلية.



* كاتب وسينمائي من المغر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.