اشتهرت اليمن منذ أمد بعيد بتجارة اللبان، فشجرة اللبان العربي بين الماضي والحاضر تحمل حكايات عجيبة، وحديثا اثبت العلم فوائد عديدة فقد مثلت شجرة اللبان العربي أحد أهم أشكال التجارة الدولية، وبقي حاضراً في الطقوس والمراسم الدينية قديما. وموطن إنتاج أنواع اللبان بشكل أساسي هو الساحل الأوسط لجنوب الجزيرة العربية، وخاصة منطقة حضرموتوسقطرى شرق اليمن، ومنطقة ظفار جنوبعمان، والساحل الصومالي حيث ينمو اللبان على جانبي خليج عدن. وتختلف شجرة اللبان من حيث حجمها وشكلها ونوعية اللبان المستخرج منها بحكم اختلاف الظروف المناخية والبيئية لكل منطقة، فهي تحتاج إلى ظروف مناخية وبيئية خاصة. تاريخ اللبان وحظيت شجرة اللبان (الراتنج) عبر مسيرتها، بحضور تاريخي هائل جعل منا جسراً للتواصل بين حضارات العالم القديم قبل أكثر من 7 آلاف سنة. ولأجلها تحركت القوافل التجارية، في مسارات شاقة من حضرموت و سقطرى شرق اليمن ومن ظفار جنوب عُمان ، إلى شواطئ جنوبالعراق، والى الشام ومصر القديمة ، وحتى غزة الفلسطينية الساحلية، التي حملت منها السفن ثمار الشجرة العطرية إلى البلدان الأوروبية وخاصة روما القديمة . استخدمها الفراعنة والرومان في الماضي كرمز مقدس في المعابد وفي الطقوس الدينية ويطلق البعض على هذه الشجرة ب «الشجرة المقدسة». شجرة اللبان وتنتمي شجرة اللبان إلى الفصيلة النباتية التي تعرف باسم بوزويليا كارتيري أو بوزويليا ساكرا، هو شجرة ذات أفرع مستقيمة قليلة التفرع يصل طولها إلى 6 أمتار. وتعطي الشجرة إنتاجها بعد فترة تتراوح بين ثمان وعشر سنوات من الإنبات وهي من فصيلة البخوريات كثيرة الأغصان أوراقها خضراء داكنة، ويتراوح ارتفاعها ما بين ثلاثة إلى خمسة أمتار . للنبات اوراق مركبة ولكنها قليلة جداً ووريقات الاوراق صغيرة، للنبات ازهار جميلة ذات لون وردي جذاب؛ تبدأ في الظهور قبل ظهور الاوراق في الفترة ما بين شهر مارس وابريل، تعطى الازهار بعد التلقيح ثمار قرنية طويلة تحتوي كل ثمرة على عدد من البذور في صف واحد، البذرة كبيرة وتشبه إلى حد ما الفستق يعرف نبات اللبان بعدة اسماء فيدعى اليسر والحبة الغالية ويسار الباب، اللبان والشوع. يعرف اللبان باسم Moring Peregrine. الاستخدامات والفوائد يستخرج اللبان في أوائل شهر إبريل من كل عام، وما أن تميل درجة الحرارة الى الارتفاع، حتى يقوم المشتغلون بجمع الثمار، (بتجريح) الشجرة في مواضع متعددة، فالضربة الأوغ يسمونها (التوقيع)، ويقصد به كشط القشرة الخارجية لأعضائها وجذعها، ويتلو هذه الضربة نضوح سائل لزج حليبي اللون، سرعان ما يتجمد فيتركونه هكذا لمدة 14 يوماً تقريباً. وتتبعها عملية التجريح الثانية -ثمار درجة ثانية – حيث أن النوعية في هذه المرة لا تكون بنفس القدر من جودة المرة الأوغ، فضلاً عن كون الكميات المنتجة منها غير تجارية. ويبدأ الجمع الحقيقي بعد أسبوعين من التجريح الثاني، حيث ينقرون الشجرة للمرة الثالثة، في هذه الحال ينضح السائل اللبني ذو النوعية الجيدة، والذي يعد تجارياً من مختلف الجوانب، ويكون لونه مائلاً الى الصفرة. وضرب أشجار اللبان ليست عملية عشوائية، وإنما هي عملية تحتاج الى مهارة فنية خاصة ويد خبيرة، وتختلف الضربات من شجرة الى أخرى حسب حجمها، ويستمر موسم الحصاد لمدة ثلاثة أشهر، ويبلغ متوسط إنتاج الشجرة الواحدة عشرة كيلو جرامات تقريباً من الثمار. ويستخدم في العديد من الأغراض سواء في المجالات الطبية أو المنزلية أو في المناسبات الدينية والعائلية كالأعراس وفي الكنائس بجانب استخداماتها اليومية في المنازل على شكل بخور ذات رائحة طيبة. كما يستخدمها البعض في عملية الصمغ خاصة النساء يستعمل مثبتاً للعطور ويدخل في صناعة مواد التجميل إضافة الى استخداماتها الأخرى. زيت اللبان يستخرج من بذور نبات اللبان زيت ثابت يشبه في شكله زيت الزيتون ويستخدم هذا الزيت المواطنون للأكل ويفضلونه على زيت الزيتون والسمن البري، يتكون هذا الزيت من احماض دهنية كثيرة من أهمها: اوليك (Oleic) بالمتيك (Palmitic) ستياريك (Stearic) بهيمك (behemic) كما يحتوي على مركبات جلسريدية ثلاثية وثنائية واحادية التشبع، كما اوضح المسح الكيمائي الذي قام به الدكتور جابر القحطاني ورفاقه في قسم العقاقير بكلية الصيدلة على احتوائه فلانونيدات، ومواد عفصية وستيرولات وتربينات ثلاثية ومواد صابونينية. الطب الشعبي واللبان 1-داوؤد الانطاكي في اللبان: “انه شجر مشهور كثير الوجود، له زهر ناعم الملمس، مفروش، يخلف قرونا داخلها حب يميل إلى البياض كالفستق، ينكسر عن حب عطري إلى صفرة ومرارة، يدخل في الغوالي والاطياب، واهل مصر تشرب من زهر هذه الشجرة زاعمين التبريد به، وجميع اجزاء هذا النبات تمنع الاورام والنوازل، وتطيب العرق، وتشد البدن، وتدمل الجراح، ودهنه ينفع من الجرب، والحكة والكلف والنمش وينقي الاحشاء بالغاً مع الماء والعسل والخل، ويذهب الطحال مطلقاً، وكذا حبه طلاء، وبالبول يقلع البثور ويدمل ويصلح البواسير، وإذا قطر في الاحليل ادر البول سريعاً”.ويضيف الانطاكي: “ان دهن البان قوي الفعل في اصلاح النزلات وكل بارد كالفالج، ويقوي المعدة والكبد، وان فتق بالعنبر طيب الجسد وهيج الانعاض، ويحلل الاورام، وينفع من النسيان سعوطاً، والشقيقة دهناً. وقيل انه يضر الكلى ويصلحه اليانسون، كما ان حب البان يدخل في عمل بعض الوصفات المستخدمة في علاج البهاق الأسود”. 2-ابن سينا في اللبان: “ان حبه اكبر من الحمص، مائل إلى البياض وانه منق خصوصاً لبه، ويفتح مع الخل والماء السدد في الاحشاء، وينفع بالخل الجرب”. 3-ابن هاشم فيقول في كتابه “فاكهة السبيل” في اللبان: “انه يفيد في علاج العقم عند النساء، وذلك بان تتحمل المرأة بدهنه مع المصطفى والزعفران. كما يفيد ايضاً في علاج استرخاء الذكر وذلك بان يدهن الذكر بدهان البان”. 4- المظفر عن اللبان “انه شجر ينمو ويطول كالاثل، وإذا ارادوا استخراج الدهن رد على الصلابة حتى ينعزل قشره ثم يطحن ويعصر. وهو كثير الدهن الذي يستعمل في العطور والطيوب المرتفعة، اما ثفله الذي يبقى بعد استخراج دهنه فينفع من الكلف والنمش والبرش الذي في الوجه من الجرب والحكة. الاكتشافات العلمية الحديثة توصل علماء من جامعة ليستر البريطانية إلى أن الراتنج العطري(اللبان) الذي يستخدم في المناسبات الدينية وكان يستخدم في الطب الشعبي، يساعد في علاج الأورام الخبيثة. وقد أشار العلماء إلى أن الراتنج (اللبان) علاوة على أنه بخور مقدس يستخدم في المناسبات والأعياد الدينية، ويستعمل في الطب الشعبي ويدخل في صناعة المراهم ومعاجين الأسنان وغير ذلك، فقد تم التأكد حاليا من فائدته في علاج بعض أنواع الأورام الخبيثة في مراحلها الأولى وخاصة سرطان المبيض الذي يطلق عليه اسم “القاتل الصامت”. يجمع الراتنج من شجرة اللبان “بوسيليا” التي تنمو في سلطنة عمانواليمن والصومال فقط. وهو مادة مضادة للالتهابات وقد استخدم في الطب الشعبي لعلاج التهابات الجهاز التنفسي. ولا تظهر أعراض جانبية نتيجة استخدام الراتنج (اللبان)، وستستخدم نتائج الاختبارات التي توصل عليها العلماء في التطبيقات العملية المستخدمة في علاج سرطان المبيض، المرض الذي يقضي على حياة أكثر من 4 آلاف امرأة بريطانية سنويا. لم تعد تجارة اللبان العربي تمثل حضورا في اليمن خاصة مع الاتجاه الرأسمالي للتجارة العالمية وأصبحت هذه التجارة جاء مع اندثار الاهتمام باللبان العربي وأصبحت تجارة اللبان العربي محصورة على بعض البلدان واندثرت في بلدان أخرى فهل تعود تجارة اللبان العربي الى سابق عهدها..؟!