الطوائف الدينية سواء أكانت في اليمن أو في البلدان الإسلامية – وخصوصاً العربية منها – ليست وليدة العصر ولا نتاج تراتب ثقافي متواصل منذ وفاة النبي محمد (ص)، بل هي اتفاق لجماعات من المسلمين على مواقف وأحداث تسببت بإحداث شرخ في صفوف المسلمين آنذاك – بشكل مؤقت – ثم عادت الحياة لطبيعتها مع استحداث أن هذه الجماعات بقيت مقتنعة بمواقفها ومبرراتها وتمارس – كلٌ منها – طقوسها المذهبية بكل حرية وسلاسة دون احتكاك أفراد هذه الجماعات بنظرائهم من الجماعات الأخرى.. إذاً يمكن القول أن ظهور الطوائف الدينية الإسلامية في إطار الدولة الواحدة "الخلافة الواحدة" في تلك الفترة كان السابقة الأولى لنشوء الدولة الحديثة. هذا الوضع الذي يصف شكل الدولة الإسلامية (المكونة من جماعات وطوائف دينية مذهبية تمارس حقوقها وحريتها وتتعايش مع بعضها البعض وتتفاعل مع بعضها البعض) استمر حتى انهيار الخلافة العثمانية التي انتهت بخروج الأتراك من الدول العربية وتقاسم كبرى دول أوروبا الوطن العربي، أعقب ذلك تحرر الأقطار العربية من الاحتلال الأجنبي بقوة السلاح والتنظيمات الشعبية المسلحةن ثم ظهور القومية العربية التي شهدت البلدان العربية خلال حكمها ازدهاراً لا بأس به، حتى منتصف السبعينات.. ومن هنا بدأ الظهور السياسي للطوائف المذهبية وبرزت بشكل كبير ولافت ولم يكن يخدم سوى الدول العظمى، ففي العراق – مثلاً – حدثت أول مواجهة طائفية عندما اندلعت تظاهرات ضد البعث قادتها جماعة لم تكن مسيسة أثناء مراسم زيارة الأربعين وقد عرفت هذه الحادثة باسم "مرد الراس"، ونلاحظ أيضاً أنه تلاها قيام الثورة الإيرانية وهذا شجع على انتفاضة المنطقة الشرقية (شيعة السعودية) والتي ترافقت مع أحداث احتلال الحرم المكي، وسبق ذلك تظاهرات وإعدام محمد الصدر في العراق. وفي سوريا أيضاً برزت على السطح المشكلة الطائفية في مطلع الثمانينات من خلال التمرد المسلح للإخوان المسلمين في كل من حمص وحماه والذي قمع بالقوة المسلحة ليتبلور عقبها خطاب إعلامي ومنبري عن الصراع السني العلوي، وإذا اتجهنا إلى لبنان فإننا شهدنا ظهور جماعة حزب الله وتطورها خصوصاً بعد حربها مع الكيان الصهيوني، وفي البحرين أيضاً ظهرت الجماعات الأصولية وفي اليمن بدأت قضية الحوثي وصراعه مع النظام والذي سُبق بفتح محمد الإمام مركزاً دينياً لنشر الوهابية في عقر دار الزيود (شيعة اليمن). إن تلاحق الأحداث وتطورها بشكل سريع وملفت لدليل على أن هذا الحراك الطائفي ممنهج ومن يخطط لهذه الطائفة هو من يخطط – بشكل غير مباشر – للطائفة الأخرى، وما الاحتدام الطائفي اليوم في العراق وسوريا والبحرين والسعودية واليمن وبدأت بوادره في مصر ثم انتقل إلى السودان مضافاً إلى ذلك طائفية تركيا وباكستان وأفغانستان والهند – سواء أكانت فاعلة أو غير فاعلة – وهذا على سبيل المثال لا الحصر إلا دليل على ذلك.