تعقيبا وتعليقاً على مواقف هيئة علماء اليمن من الوحدة اليمنية ثلاث وعشرون عاما من حكم نظام اليمن الجنوبي ومثلها أو تزيد من حكم نظام اليمن الموحد كفيلة بأن نقول أن الوحدة الإسلامية والوحدة اليمنية خطّان لا يلتقيان وضدان لا يجتمعان. الوحدة الإسلامية تأتي للقضاء على الفرقة والنزاع والاختلاف والوحدة اليمنية قامت بتعميق ذلك بين أفرداها وتأجيجه. الوحدة الإسلامية صيانة وحماية للمجتمع المسلم من الأستقواء بالأجنبي والتدخل الخارجي و الوحدة اليمنية رسخت ذلك وجعلته من المسلمات. بالوحدة الإسلامية يحصل التعاون والتنوع والتكامل من أجل تنمية المجتمع المسلم والنهوض بأفراده والوحدة اليمنية لم تحقق أي شيء من ذلك. الوحدة الإسلامية وسيلة لتحكيم شرع الله وتطبيقه والوحدة اليمنية فرطت في ذلك وأتت بما يناقضه. الوحدة الإسلامية شرعت للحفاظ على الضرورات الخمس وحمايتها والوحدة اليمنية تعاهدت على إهدارها ومحاربتها. الوحدة الإسلامية شرعت لتحقيق العدالة والإنصاف ورفع المظالم وإزالة الضرر بين كافة أفرادها والوحدة اليمنية وقعت في كل ما هو مخالف لذلك. الوحدة الإسلامية لا يمكن أن تقوم بحكم الفسدة ويؤمر فيها القتلة ويسيّد المجرمون والوحدة اليمنية نصبت جميع أولئك أولياء على أفرادها. الوحدة الإسلامية قامت لأن يعيش الفرد فيها مكرما عزيزا منيعاً بأمته، والفرد في الوحدة اليمنية مهانا محتقرا حيثما كان وأينما ارتحل. الوحدة الإسلامية قامت حتى تكتفي بأفرادها ولا تحتاج إلى غيرها والوحدة اليمنية عاجزة عن إدارة نفسها ومحتاجة لمن يدبر شؤونها من غير أفرادها. الوحدة الإسلامية لا تقوم إلا بالاختيار ولا تستمر إلا بالترغيب والشورى والوحدة اليمنية قامت بالقوة وتدافع عن وجودها بالترهيب والإجبار. الوحدة الإسلامية لا تصادر حق الحضارمة في بناء مستقبلهم ولو كانوا أقلية في الأمة ولا تحرمهم من إدارة ثرواتهم بحجة احتمال تواطئهم مع الأجنبي. القول بأن وحدة كالوحدة اليمنية السياسية هي الوحدة الإسلامية التي حث الإسلام عليها ورغب فيها جرأة على شرع الله وافتئات على أحكامه. إعطاء الوحدة اليمنية المشروعية الإسلامية الوحيدة لنظام الحكم هو تبرير لكل ما يرتكب بحق أفرادها وعلى علماء اليمن تحمل أوزار ذلك. اختزال الوحدة الإسلامية في نظام الوحدة السياسية اليمنية استبداد وعبودية ووصاية وهيمنة على أمة بقدر حضرموت وأرضها وشعبها. محاولة علماء اليمن التفريق بين الوحدة اليمنية وبين الأنظمة والسلطات التي تعاقبت على حكمها تظليل فالعبرة بحقائق الأشياء لا مبانيها. لا يمكن الفصل بين الوحدة اليمنية القائمة وبين ممارسة سلطاتها فالحكم على الشيء فرع عن تصوره. البحث عن بدائل للوحدة اليمنية ضرورة شرعية لبناء مجتمعات متجاورة ومتعاونة ومتكاملة تصلح ما أفسدته الأنظمة على مدى نصف قرن من الزمان. الوحدة اليمنية ليست شعيرة مقدسة ولا شريعة معصومة حتى تكون من ثوابت الأمة التي لا يمكن التنازل عنها، وليست هي بأولى من البدائل الشرعية المطروحة. حينما يتحقق بإنهاء الوحدة اليمنية المصالح العليا وتدرأ المفاسد العظمى التي تعود آثارها على الأفراد والمجتمعات فيكون إنهاؤها متعيناً. حينما يكون من غير المقبول الاستمرار في الوحدة اليمنية فمن باب الأولى أن يكون من المرفوض العودة إلى نظام اليمن الجنوبي والارتماء في أحضان رموزه وتسويق شعاراته. لا يمكن أن يكون قدرنا في حضرموت إما اليمن الموحد أو اليمن المجزأ، وإما القتلة المفسدون وإما الشيوعيون الماركسيون. حينما نطالب بإقليم حضرمي عربي إسلامي موحد مستقل بذاته متكامل مع جيرانه متعاون مع غيره من أقاليم الجزيرة فإننا لا نخرج عما كان عليه نظام الحكم الإسلامي في أوج عزته وقوته. الوحدة الإسلامية حينما تكون تطبيقاً شرعياً شاملا فسيكون الحضارمة أولى من يأخذ بزمام مبادرتها ويدعوا لها وينخرط فيها. وحينما تكون سيفاً مسلطا لمحاربتهم في أخلاقهم وأرزاقهم واستباحة دمائهم وأموالهم ومصادرة حقوقهم فسيكونون أول المحاربين لها والمناوئين لها. أقام قوميون اليمن نظاماً في الستينيات باسم القومية العربية ودافع علماء اليمن اليوم عن نظام باسم الوحدة الإسلامية وكلاهما شعارات لا ترقى بمستوى الأمة الإسلامية بل هي في مستوى المخادعين .