بادي ذي بدء نود أن نشير انه وبقطع النظر عن الحوار عن طبيعة الهبه الحضرمية التي شهدها وطننا بعد طول غياب ، فإن تناول المسألة من جانبها المباشر أو بمعنى آخر تناولها من حيث مجرياتها ونتائجها أو من جانبها المعرفي (معطى ثورة) فلا يمكننا أن ننسى أنه طوال مدة من الزمن التي ابتليت حضرموت بالغبن و الظلم الذي و تحديداً منذ أن ضُمت قسراً في العام 1967 م إلى ما يسمى حينها بجمهورية اليمن الجنوبية ، دون أن يكون لها أو لشعبها رأي في ما كتب حينها عليها ، وبعدها وتحديداً في 22 مايو 1990 م زج بها مرة أخرى في وحدة اندماجية مع الجمهورية العربية اليمنية ، أطلق عليها دولة الجمهورية اليمنية وتحت دعاوي وحدة اليمن الطبيعية أو عودة الفرع إلى الأصل ، كل هذا وحضرموت خارجة السياق (مقهورة الإرادة ) لا تستطيع أن تعلن عن هويتها وكينونتها المسلوبة جهراً ، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى انفصال المجتمع الحضرمي عن هذه السلطة الغريبة عليه وعلى كينونته وهويته الثقافية ، وأصبح هذا شرطاً من شرووط السياق للهبة السلمية وهو الذي يفسر ذلك التجانس الذي هو حاصل الآن والذي أصبح عليه المجتمع في هذا الوطن (الحضرمي) في مواجهة سلطة غريبة عليه وإن إدعت بتمثيله غطاء لمصالح تجنيها من خيراته دون أن يكون له ولو النذر اليسير من هذا المعطى الطبيعي لثرواته التي تزخر بها أرضه. وبناءاً عليه فقد أحدثت هذه الهبه على امتداد حضرموت الكبرى من أدناها إلى أقصاها وتداعى معه إخوته في الجنوب مؤييدين ، مؤازيرين ، مسلمين له الراية مقتديين ، بأنه هو الرائد وهو صاحب قصب السبق ، مسجلا ومدوناً لإختراع حضرمي لم يتم تداوله من قبل وسوف يسجل باسمه وضمن هويته الحضارية المتميزة . أنه كشكل من أشكال التعبير عن التذمر من وطأة واقع اقتصادي واجتماعي وأمني ما أنفك يتأزم يوماً بعد يوم. وفي هذا الإطار مثل الفشل الذريع للمرحلة الإنتقالية على المستوى الأمني وكذا المستويين الاقتصاي والاجتماعي الأرضية الخصبة التي نمى عليها التذمر . وفي هذا الخصوص علينا أن نعود لإستقراء التاريخ قديمه وحديثه ونقارنه بمسيرة شعوباً أخرى كي نقف على أهمية الحرية كمكسب تاريخي وحضاري ، إذ هي شرط من شروط النهوض بالحضارات إذا أحسن المجتمع فهمها وإذا تم إشراك النخب في عملية البناء ، وتم فتح أفق ثقافي وحضاري للهبة ولم يتم اختزالها عند بعدها المطلبي . ولكننا على يقين من أن هذه الهبه هي الخطوة الأولى نحو إعادة البسمة على الشفاه الحضرمية كما أنها النواة الأولى نحو إعادة الماضي الزاهي الذي كنا نتفيأ ظله في ربوع وطننا الحبيب دون منغصات وبدون أحقاد لأن اللحمة كانت واحدة ، لم تشبها شائبه ولم يطرق بابها معتد آثم ، ولا غريب ٍ عن الديار ، ولكن ولكي تكون البداية صحيحة ومؤسسة وراسخة لن تزعزعها براكين الأرض وزلزالها فإننا نتصور الآتي : أولاً : إيجاد صيغة توافقية يجمع عليها كل طلائع الشعب الحضرمي وكل فصائله التي شاركت وساندت ، ودعمت هبته المباركة . ثانياً : الانصهار في بوتقة تنظيمية يتوافق عليها الجميع دونما استثناء. ثالثاً : بلورة المطالب التي تقدمت بها طلائع الهبه بكل مسمياتها مضافا إليها جميع ما يجمع حياض الوطن ويحدد رسم معالمه الحضرمية على كل ذرة رمل من هذه الأرض الطاهرة . رابعاً : الحفاظ على الثروة – من الطامعيين فيها والمتربصيين بها- سواء كانت نفطية أو من جميع مصادر أرضنا الطيبة ومياهنا وبحارنا بامتداداتها المتنوعه و أن تئول حماية هذه الثروة والإشراف عليها إلى لجنة تشكل من جميع طلائع الهبه أو الإطار التنظيمي إذا تم التوافق عليه. خامساً: إن الهبه السلمية لشعبنا سوف تستمر كحركة نضالية سلمية حاملة للقضية الحضرمية وأن أي معالجة جزئية انتقائية لا تستهدف جوهر الأزمة ، فإنها حتماً وبكل تأكيد لن تزيد الأوضاع إلا مزيداً من التعقيد ولن يكون لها أي قبول لدى جماهير شعبنا . لقد أحدثت هذه الهبه القطيعه المطلوبة ، والتي تستطيع أن تمكن المجتمع بكل فئاته من المساهمة في بناء مستقبله وتطويره لا أن تفرض الدولة رؤيتها مهما ادعت انها ذاهبة لانجاز الوعود التي طالبت بها الهبه ولكن ذلك لم يحصل ولن يحصل في ظل ضعف وقلة حيلة هذه الدولة وفي هذا السياق نقول أنه مخطئ من يعتقد أن الهبه الحضرمية جاءت ضد الدولة كنظام وقانون وعدالة ، بل إنها جاءت ضد غياب الدولة ونقائصها وعدم قدرتها على تحقيق مصلحة العدل والمساواة في المواطنة وإيقاف نهب الثروات من هذا الوطن الذي كان أهله بحاجة إلى خيراته وتنميتها داخل بلادهم ، وإذا كان البعض من ذوي النفوذ في صنعاء (اليمن ) يحاول أن يعطي الأمور تفسيراً يتناسب مع هواه ومصالحه الشخصية التي جناها من هذه البلاد بغير وجه حق وهو في حقيقة الأمر لا ينتمي إلى هذه التربة البتة إلا بحكم الضم القسري وفي غيبة من رقابة الشعب الحضرمي صاحب المصلحة الحقيقة في هذا الوطن . إنه من الخطأ أن يعتقد في اعتبار الهبه الحضرمية مشروعاً مكتملا بذاته ، والحال أن الهبه لا تبرمج مسبقا لأن أحد شروطها هو الصبغة الفجائية التي يقف عليها نجاحها ، أو بمعنى آصح يعتمد أساس نجاحها الفجائية. أن الهبه الحضرمية هي حالة قطع بالأساس ، وقد حصل القطع في حضرموت من خلال شبه اسقاط للنظام مع بقاء المحافظة على رمز للدولة من خلال النظام الاداري والقانوني إن وجد . وعلى الرغم من صعوبة الظروف الحالية وخيبات الترويكة وعلى رأسها الأحزاب الحضرمية التي تنتمي لتربة هذا الوطن نهجا ومسلكا وعقيدة فيما يسمى بالمرحلة الانتقالية والتي أوشكت على الانتهاء ، فإن الغد واعد لحضرموت الخير والنماء والحضارة والإنسان ، وخير ضمان لذلك حركية وحيوية المجتمع الحضرمي الذي عودنا منذو أن وجد على وجه البسيطة بأنه السباق في فعل الحدث سواء كان في مهجره أو في مسقط رأسه الأول . انكسارحاجزالخوف: لقد انكسر حاجز الخوف ولن يعود الزمن إلى الوراء وعلى الجميع أن يتذكروا ذلك فحضرموت ما قبل الهبه ليست ما بعدها وليس بوسع أي سلطة أو متنفيذين داخل السلطة أو خارجها أن تمارس ذات السلوك القديم ولا الدعاوي الكاذبة باسم الوحدة والواحدية النضالية والمصير المشترك لوطن واحد. لقد كانت حضرموت تعيش في ظل أنظمة تعاقبت عليها عنوة وبالقوة وهي غريبة عنها وعن أهلها وتربتها وهويتها وتمنح النخب الحاكمة القداسة ويتم التعامل معها وكأنها هي الوطن (أي النخب) ومن يتجرأ عليها يعرض نفسه لاشد العقوبة حتى ذكر اسم الوطن الغالي حضرموت يمنع على أهل الديار الحضرمية قوله أو الادعاء بالانتماء إليه باعتبار أن ذلك خروج عن (اليمننة) المفروضة قسراً ، هذا إن كان هناك من يتجرأ فعلا في ظل مشاعر الخوف التي كانت تتملك الجميع ، فضلا عن جحافل النفاق التي كانت تنشر أفكها ليل نهار . ولكن كل ذلك لم يدفع شعبنا إلى اليأس ولا قواه الحية الطليعية إلى التراجع والاستسلام ، بل واصلت نضالها حتى أوصلته إلى قمته في هبتها النضالية السلمية . وفي الختام .. ليكن واضحا أن هذه التحولات التاريخية في بلادنا ماكان لها أن تمر بهذه السهولة إلا بالتضحيات التي بدلت و أرواح الشهداء الأبرار وفي المقدمة منهم المقدم (بن حبريش) الذي فجر الشرارة الأولى في دحر الطغيان ، وعدم الرضوخ لجحافل الغزاة كائنا من كان ، فانكسر بذلك حاجز الخوف ليمنحنا قدرة وحيوية وعزم لا يلين ، وهنا لابد من طرح السؤال الآتي : هل أن هذا القطع ضمين لتحقيق الأهداف التي تحرك من أجلها شعب حضرموت في هبته المباركة بعد طول انتظار .. ذلك يظل مرهون بعوامل أخرى . 12 . يناير . 2014 أ. د . مبارك قاسم البطاطي وادي دوعن - حضرموت