رأت صحيفة غارديان البريطانية ومتخصصون أن الربيع العربي الذي أطلقه التونسي محمد بو عزيزي قبل أربعة أعوام أطيح به على يد عسكريين محترفين في مصر وليبيا. أما باليمن فاتخذت "الثورة المضادة" شكل تحالف هجين على ما يقول الباحث نبيل البكري. عندما أشعل التونسي محمد بو عزيزي النار في جسده النحيل قبل أربعة أعوام ، لم يكن يعلم أنه سيكون شرارة ربيع عربي أخرج الملايين للشارع بحثا عن الحرية، ولم تكن هذه الملايين تظن أن ربيعها سيتحول بسرعة إلى خريف وحتى شتاء يمطر دماء العباد ويدمر البلاد. أرض الكنانة كانت البلد الثاني الذي دخل نادي "الربيع العربي" وأول الخارجين منه بانقلاب عسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013، حيث عزل وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي، محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب خرج من رحم ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، اعتقله لأسابيع ثم حوله للقضاء بتهم متفرقة. بعدها بأشهر، نظم السيسي انتخابات رئاسية قيل يومها إنها لتنصيبه رئيسا بطريقة قانونية. ولم يكن انقلاب السيسي وانتخابه رئيسا الملمح الوحيد للثورة المضادة التي يشرف عليها السيسي -وفق صحيفة غارديان- فكانت الضربة القاضية التي تلقتها ثورة الشعب المصري تبرئة الرئيس الذي خلعته هذه الثورة حسني مبارك. انتصار مبرم ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة د. أشرف الشريف أنَّ عهد السيسي شهد انتصارًا كاملاً وشاملًا للثورة المضادة بدولتها ومؤسساتها وأجهزتها، على حد قوله. وكتب الشريف في تدوينة له على فيسبوك أن "الناس كانت منتظرة أحكام البراءة على مبارك والعادلي وأعوانهما حتى تفهم أن مصر في ظل النظام السيساوي العسكري الأمني الحالي تشهد انتصارا كاملا وشاملا للثورة المضادة بدولتها ومؤسساتها وأجهزتها ومصالحها". وغير بعيد عن مصر، التحقت جارتها ليبيا بركب الثورات المضادة، واللافت أن "البزة العسكرية" أيضا تقود هذه الثورة بشخصية لواء متقاعد يدعى خليفة حفتر وبدعم من "انقلابي" آخر هو السيسي، وظهر حفتر على الساحة، عبر ما أسماها "عملية الكرامة" والتي انطلقت في بنغازي منتصف مايو/أيار الجاري. وبدؤوا بعمليات اغتيال وتفجيرات وقصف للمناطق ومحاولات متكررة للسيطرة على مناطق في بنغازي وشرق ليبيا، واستخدموا فيها المدفعية والطيران الحربي. وبدأت هذه العملية باغتيالات وتفجيرات لتمتد لقصف المناطق بالمدفعية والطيران الحربي، مما خلف مئات القتلى وآلاف الجرحى من المدنيين والمسلحين، بينهم ثوار حملوا السلاح ضد العقيد الراحل معمر القذافي في ثورة 17 فبراير/شباط 2011 التي أطاحت بحكمه بمساعدة المجتمع الدولي. ولكن المجتمع الدولي ذاته كان في قفص الاتهام من مفتي عام ليبيا، الشيخ الصادق الغرياني، الذي وصفه ب"الانحياز السافر" لما أسماها "الثورة المضادة التي يقودها انقلابيون ليُعيدوا حكمَ العسكرِ في ليبيا". فحفتر والبرلمان المنعقد في طبرق ضربا بعرض الحائط قرار المحكمة العليا بحل البرلمان. حلف للانتقام ويلخص الناشط فتحي الورفلي الأحداث الجارية في ليبيا بالقول إن "ما يجري هو أن بعض الذين تم إقصاؤهم بقانون العزل السياسي وبقايا المنظومة السابقة ومن لم يتمكنوا من الحصول على مناصب اجتمعوا في حلف واحد للانتقام من خصومهم مستخدمين شماعة الحرب على الإرهاب، فوضعوا الجميع في سلة واحدة". بدوره، يصف الباحث السياسي إبراهيم حمامي المواجهة في ليبيا بأنها "بين الثوار الذين أسقطوا القذافي، وعناصر تابعة له مع بقايا ليبراليين وعلمانيين بمشاركة من السيسي لوأد الثورة، والأمر ليس اقتتالًا وفوضى عمياء بلا هدف، كما يحلو للبعض أن يصور الأمر، ولا هو شجار بين ثوار الناتو كما يصفه آخرون، وإنما هو صراع بين الثورة والثورة المضادة". اليمن السعيد لم يعد كذلك، فبعد ثورة 11 فبراير/شباط التي أدت إلى خلع الرئيس علي عبد الله صالح، ولاح في الأفق مسار ديمقراطي كان حلما لليمنيين بعد مبادرة خليجية أبرز ما نصت عليه رحيل صالح وإجراء انتخابات رئاسية ودستور جديد. ولكن هذا المسار لم يصمد طويلا حيث بدأ "التنظيم الدولي للثورات المضادة" يطل برأسه في البلاد وينذر بعودة النظام القديم من جديد، ولكن هذه المرة لم يكن صالح وحزب المؤتمر الشعبي في الواجهة بل أُوكلت المهمة إلى مليشيا الحوثي المسلحة التي خاض معها صالح معارك طاحنة ولكنه عاد ليتحالف معها للإطاحة بالثورة ومفاعيلها السياسية. تنظيم هجين ويصف الباحث السياسي اليمني نبيل البكري الاقتتال على الساحة اليمنية، وفي شوارع العاصمة صنعاء بأنه "إحدى مهام هذا التنظيم الهجين". ويختم بأن جزءا من هذا السيناريو الذي يتم تنفيذه اليوم في العاصمة صنعاء، بعد استكمال تنفيذ حلقاته منذ فترة، وعن طريق جماعة الحوثي المسلحة والمدعومة إيرانياً "يرتكز على فرضية أن ثورات الربيع العربي ليست سوى ثورات إخوانية بالضرورة، ما يقتضي ضرب القوى الإخوانية في المنطقة كوقاية لعدم تكرار هذه الثورات مستقبلاً".