*حديث البداية قادتني الصدفة لشد الرحال إلى أعماق الصحراء المهرية وربما صدفة خير من ألف ميعاد كما تروي العرب وللوصول إلى هناك يتطلب منك الأمر التحلي بأقصى درجات الصبر والعزيمة وخوض غمار رحلة شاقة وطويلة عبر سلسلة من الجبال العالية وسلوك صحراء جرداء قاحلة تسودها أجواء مكفهرة زمن طويل وقطع مسافة ليس بالقليلة تصل نحو 1000 كيلو متر مربع بدءاً من سيحوت على ساحل البحر العربي عبر الأنفاق المحفورة في بطن جبل فرتك وحتى آخر نقطة على حدود الجارة سلطنة عمان. *شحن زخم تجاري وتطور حضاري منطقة شحن الحدودية أصبحت اليوم من بقعة في صحراء خالية إلى مدينة ناهضة في قلب البراري والسبب يعود إلى اتخاذها ميناء بري للجمركة والتبادل التجاري وبوابة لعبور المسافرين المقيمين في دول الخليج العربي وبالذات عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة وحينما وطأة أقدامنا فيها أذهلتنا حجم الحركة النشطة للناس والبضائع وتدفق السيارات بمختلف حمولاتها وأنواعها المارة في المعبر كما اتسعت رقعة البناء والمؤسسات والمرافق المختلفة ففيها الآن الفنادق والمطاعم والاستراحات والمدارس وباتت بلدة مأهولة تدب فيها الحياة وتبعد شحن عن مدينة الغيظة عاصمة محافظة المهرة بحوالي 300 كيلو وتربط بكل مدن المحافظة بطريق إسفلتية بمواصفات دولية وتمتاز شحن بطبيعة أهلها البدوية الأصيلة الشبيهة ببادية دول الخليج العربي فتراهم بجابي الطريق ضاربين خيامهم ويهتم المواطن في هذه المناطق بتربية أعداد كبيرة من الجمال الهجانة وقيل لنا إن السكان هنا يحصلون على أرباح كبيرة من تجارة تصدير الإبل العربية إلى السلطنة والإمارات والسعودية حيث يربي الواحد من أبناء مناطق شحن والقرى القريبة منها (حات – مرعيت – منعر ) مالا يقل عن 50 رأس من الجمال. *انطباعات من وحي الزيارة لفت انتباهي وأنا أقوم بجولة في داخل منطقة شحن قوة الترابط والوشائج بين المواطن المهري وجيرانه في المناطق المتاخمة التابعة لسلطنة عمان الشقيقة حيث شاهدنا تدفق غير عادي للمواطنين العمانيين للمنطقة وممارسة العادات التراثية والاستعراضية بينهم كما يدخل إلى المنفذ اليمني شباب كثر من السلطنة لقضى أوقات من الراحة بها في مشاهدة طبيعة حياة المواطن المهري أو لمضغ القات حتى ساعة متأخرة من الليل وعلى العموم محافظة المهرة بعد ربطها بالطريق المعبدة بمحافظة حضرموتوعمان شهدت نقلة نوعية بارزة وتخلصت من عزلتها التي جعل منها في وقت مضى منطقة غير مرغوب فيها من قبل الآخرين المحالين إليها سواء للعمل أو للقيام بمهمة معينة وما يميز محافظة المهرة ويعطيها طابعها الخاص تلك اللهجة المهرية العجيبة التي يتكلم بها المهريون قاطبة دون سواهم ومناخها المعتدل طوال العام.