العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حضرموت الوطن الآخر
نشر في نجم المكلا يوم 20 - 07 - 2012


المقدمة
قال الله تعالى { ألا تعبدوا إلا الله }
في هذا المقال شيء من الممنوعات والمحظورات الحضرمية ، وفيه أشياء من الوجدانيات التي لابد وأن تجيء في سياق الحالة الحضرمية الموسومة ببالغ الشجن والحنين ، ما سيلي هو حديث قلب إلى قلوب شتى ، فمن جاوه إلى كينيا وتنزانيا وحتى هنا بلاد الحرمين الشريفين ، ما سيلي حروف يمكن أن تصنف لاحقاً تحت بند الجزع أو الهلع ، وقد تصنف بأنها هذرة من حضرمي مسكون بعفريت حضرمي …
حضرمي .. في شتات
لست معنياً بالبحث عن مسببات الهجرات الحضرمية القديمة ، فلهذه حالتها ولها قراءتها وخصائصها ، فهنا طرح للهجرة الحضرمية التي أعقبت سقوط العاصمة المكلا في السابع عشر من سبتمبر 1967م ، فهنا واقعة تاريخية مفصلية في التاريخ الحضرمي ، فما أعقب ذلك التاريخ هو الجريمة الأكثر بشاعة بحق الأمّة حينما دخلت حضرموت تحت الاحتلال اليمني الجنوبي ومعها ابتدأت فصول الدم الحضرمي تسفك وتهدر الكرامة على التراب الحضرمية ، في تلكم المرحلة التاريخية عرفت حضرموت واحدة من أكبر الهجرات الكبرى في التاريخ الحضرمي ، فلقد أخذ الناس يفرون من جحيم القتل والسحل إلى البلاد السعودية ، وكانت الهجرات الضخمة تبحث عن الأمن والاستقرار ولم تكن ذات طبيعة أخرى إطلاقاً …
ولقد عرفت المملكة السعودية طلائع الهجرات الحضرمية في الثلاثينيات من القرن العشرين الماضي ، وتذكر المراجع التاريخية أن الحضارمة سكنوا بلاد الحجاز وبدءوا في الانتشار الملحوظ داخل الحرمين الشريفين من خلال العلماء بينما كانت الحجاز من الناحية الاقتصادية تدار عبر الهنود فلقد استحوذ التجار الهنود على مفاصل التجارة في مكة والمدينة وجدة ، ومن مدينة جدة أخذ الرعيل الحضرمي الأول في العمل على التوسع التجاري والعقاري ، وبدأت في منتصف الأربعينيات البيوتات التجارية الحضرمية في البروز والظهور بشكل أكثر وضوحاً حتى أن دخول الملك عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله إلى بلاد الحجاز كانت كل الأراضي الحجازية خاضعة للتجار الحضارمة كأمثال باعشن وباناجة وباخشب وبقشان وغيرهم …
وجدت الدولة السعودية في أبناء حضرموت تجاوباً مع تطلعات الأسرة السعودية في التأسيس للكيان السياسي والاقتصادي لها ، فلقد بادر باخشب يرحمه الله بإنشاء أول جامعة في المملكة العربية السعودية وأطلق عليها جامعة الملك عبدالعزيز ، دعم أبناء حضرموت للدولة السعودية تنوع واختلف في مرحلة التأسيس الأولى ، وكانت المبادرات تتوالى حتى وجدوا في أسرة آل سعود قدراً من الإحاطة بهم خاصة وأنهم كانوا في بعض أعمال الدولة يقدمون تكاليفها من جيوبهم الخاصة فلقد كانت الدولة السعودية في مطالع الخمسينيات الميلادية بلداً بسيطاً وكان النفط في بداية اكتشافه في شرق البلاد السعودية …
حضرمي .. في كبد
كانت المملكة السعودية تبدي اهتماماً خاصاً للحرمين الشريفين ، وكان هذا الاهتمام يحتاج إلى شخصيات قادرة على تحمل الكثير من النفقات بل تبدو الحاجة إلى نبوغ عقلي خاص هي الحالة الأكثر دقة في التوصيف ، فسخر الله تعالى المعلم عوض بن لادن مقاولاً جاء من حضرموت ليعمل في مجال الإنشاءات فأوكلت إليه توسعة الحرمين الشريفين ثم حظي بشرف توسعة المسجد الأقصى في فلسطين ، وبرز كشخصية هندسية مهمة على صعيد أكبر بقيامه بإنشاء طريق الهدا الذي يربط بين مدينة الطائف ومكة المكرمة ، وكان هذا المشروع يعد الأضخم والذي لم تستطع تنفيذه شركات عالمية لوعرة الجبال التي تفصل بين مكة المكرمة والطائف إلا أن بن لادن نجح في هذا المشروع الكبير …
عندما ابتدأت الهجرة الحضرمية في نهاية الستينيات الميلادية ، كان الحضارمة يأتون من حضرموت فارين من الجحيم الشيوعي الماركسي الذي زحفت إلى بلادهم مليشيات النجمة الحمراء ، كان الفرار بالنفس والعيال هو الحالة العامة التي عرفتها حضرموت بل عاشها ذلك الجيل بكل ما في القلوب من الخوف والجزع والرهبة ، كان على الحضرمي أن يتحمل عناء السفر إلى مدن الرياض أو جدة قاطعاً صحراء لاهبة ، جاء البعض إلى السعودية لا يملك غير ما يستر جسده ، في هذه المرحلة الصعبة من التاريخ الحضرمي كان على الحضرمي أن ينظر إلى آليات جيش البادية الحضرمي وهي محترقة وقد جاء بها الجيش السعودي إلى شارع الوزير في العاصمة الرياض ليبكي الحضرمي حرقة على جيش كان عليه أن يواجه الشيوعيين فزج في معركة خاسرة لتصفيته وإنهاء ما لدى الحضارمة من قوة عسكرية …
اتخذ الملك فيصل بن عبدالعزيز يرحمه الله قراراً تاريخياً تمثل بالرعاية الملكية لأبناء حضرموت ، فحصل الحضارمة على استثناءات مخصصة في تلكم المرحلة العصيبة لعلها تخفف من وطأة الجريمة وتبعاتها عليهم ، فلقد كانت أنظمة الإقامة للحضارمة أربعة سنوات مع تحديد شخصيات حضرمية معتبرة في المملكة السعودية فكان بقشان في جدة وباراسين في الرياض هما الكفلاء لكل أبناء حضرموت ، وكان على من جاء فاراً من جحيم الماركسية أن يكون نجيباً في البلاد السعودية ، وكانت بداية مرحلة حضرمية واسعة في العمل بمختلف المجالات الاقتصادية ، فلم تخلو مهنة من المهن إلا وكان للحضارمة بصمة ، ولأن فيهم من صفات الصبر والأمانة فلقد حققوا ما عجز عنه الآخرين وكانوا نِعم الرجال وخيرة الناس …
حضرمي .. في القصر
كانت الحياة شاقة جداً في البلاد السعودية ، كانت الأعمال الموكلة لأبناء حضرموت سواء من عملوا عند أقاربهم أو عند الشركات والمؤسسات تعتمد على الشخص فعادة ما توكل الأعمال المالية بهم ، ينقلون الأموال إلى البنوك ، ويدفعون الأموال للتجار الآخرين ، الصبر والأمانة كانت الصفتين الملازمتين للحضرمي ، أتذكر أن في الرياض كانت منافسة شديدة بين التجار الحضارمة وتجار القصيم ، واليوم يوجد سوق شعبي في وسط الرياض أسمه سوق القصمان وكل تجاره من أهل حضرموت ، وقبل فترة قابلت رجلاً من رواد ذلك السوق وهو من أهل القصيم أخذ يسرد لي تلك المنافسة حتى وصل إلى قوله … فزنا باسم السوق وفزتم بالتجارة فيه ، لم تكن تلك الحياة سهلة ميسرة بل كانت عسيرة صعبة …
في السبعينيات الميلادية برز عبدالله الجابري يرحمه الله كشخصية صحفية حضرمية ، عاد إلى المملكة السعودية بقرار ملكي بعد أن كان قد أبعد عنها بقرار ملكي ، الجابري يرحمه الله نمطية فريدة في السياق الحضرمي ، حمل الرجل في قلبه قضية وطنه ، كان يحمل من الجرأة والشجاعة ما يجتمع عند ألف من الرجال ، ولأنه من المفكرين العرب الأفذاذ فلقد كان يحظى برعاية ملكية من الفيصل بن عبدالعزيز وأخوانه وخاصة الأمراء سلطان ونايف وأحمد ، إلا أن ارتباطه بالملك فيصل كان أكثر قوةً فهو كان يرى الملك بأنه شخصية ذات تأثير في المحيط العالمي ، وكان الملك يرى في الجابري الرأي والحنكة السياسية ، ولعل قراءة في مقالات الجابري تشعرك بحجم المأساة ومنها هذا الجزء (في اليقظة يستطيع المرء أن يحلم بطريقة تلوذ له لو نام مثلي ليحلم فستأتي أحلامه مخيفة مرعبة اغتيالات انفجارات وشايات موأمرات كوابيس تشرد جوع جماهير حضرمية غاضبة تطالبني أن أكون شفيعها في الحصول على إقامات عرائض بتوفيع عشرات المشايخ يطالبون بالجهاد أو بالمساعدة .
رغم كل هذا الرعب فقد وجدت بعض الوقت كي تنفق في حلم جميل من أحلام اليقظة فقد حلمت ولازلت أحلم بأن تصبح جزيرة دولة واحدة ثم رن جرس المنزل وذهبت متأبطاً بقايا الحلم السعيد ثم سحقت الأقدام الداخلة إلى المنزل فهم كما كنتم الضيوف إياهم طردتهم الشيوعية من حضر موت وهم عند الله وعند هذا البلد المسلم يطلبون الأمان من الموت يطلبون اقامات ويطلبون مني إهدار رصيدي الشحيح من الحياة في الشفاعة لهم وهي شفاعة اعتصرتها حتى العظم ) الجابري لم يكن يريد إهدار ما يملك من أرصدة في القصر الملكي لشفاعة من أجل منح إقامات أو أوامر علاج كانت أهدافه أكبر من ذلك ، كانت بكل وضوح تريد استعادة الحق الحضرمي في الوطن …
أما بقية الحضارمة فلقد كانوا يتداولون السياسة وكأنهم يتداولون الموت بينهم ، يغلقون الأبواب والنوافذ ثم يبدءون في سرد أحوال البلاد المغلوبة على أمرهم ، أتذكر أن حضرمياً أخذ في أحد المجالس يقول ما يقول عن الشيوعية وما تفعل ، مازلت أتذكر تماماً دموعه وهي تخضب لحيته ، كان القهر والحرقة تبدو ساخنة جداً ، كان يروي يومها مقتل شقيقه في مدينة شبام وكيف أخذوا الجثة بعد أن سحلت وأطلق عليها الرصاص ، وكيف غسلوه ثم أدخلوه على أمه التي ماتت بعد تلك الحادثة بأيام قليلة ، كانت رواية من الصعوبة أن تذهب بلا عقاب …
حضرمي .. في الجوازات
كانت إدارة الجوازات في السعودية حددت لليمنيين شماليين وجنوبيين مبنى مخصص حيث كانوا يحظون بمعاملة تختلف عن كل الوافدين في البلاد السعودية ، أتذكر بأني ذهبت إلى ذلك المبنى لبحي المربع لاستلام جواز السفر ، كان حشد ضخم من اليمنيين ينتظرون فتح البوابة ، وما أن فتحت حتى غصت بهم الصالة ، وقفت عند الباب لا أعرف ماذا أفعل ، فلقد جلس اليمنيين أرضاً وكان هذا فيما يبدو هي الطريقة التي يستلمون فيها جوازاتهم ، بعدها دخل مجموعة من العسكريين يصرخون ويتذمرون من الفوضوية التي عليها اليمنيين ثم نظر أحد العسكريين إلى البوابة وكنا مجموعة مازلت تقف على أقدامها ، فقال يا حضارم تعالوا إلى الأمام ، ثم أخذ العسكري ينادي باسم صاحب الجواز ويلقيه إليه كما يلقي الحجر وعلى اليمني تلقفه من بعيد ، مشهد من المشاهد المخزية كيف أكون مع هؤلاء …؟؟؟
في مرحلة من مراحل التعليم طلبوا منا تزويدهم بصورة من جوازات ابائنا ، استدعيت من قبل الإدارة وطلب مني مدير المدرسة أن أحضر والدي في اليوم التالي ، وكعادتنا أخذنا نضرب الأسداس في الأخماس ماذا تريد إدارة المدرسة ..؟؟ ، أذكر تماماً أني لم أستطع النوم في تلك الليلة ، وذهبت مع والدي يحفظه الله إلى مدير مدرسة حطين المتوسطة ، عندما دخلنا إلى مكتبه قام وأغلق الباب وجلس إلى جوار والدي يحدثه بأنه يعرف جدي لأنه درس في المدرسة الوسطى بغيل باوزير حيث كان مبتعثاً ودرس فيها ثلاثة سنوات ثم انتقل إلى المكلا وعاد إلى الرياض لاحقاً ، كنت يومها مزهواً بحضرميتي مفتخراً بكل ما في هذه الهوية من صفات محمودة ، بعدها دارت الأيام وكبرنا وعرفنا أكثر أننا كلما تمسكنا بهذه الهوية كلما كنا إلى الناس أكثر قرباً ، وأكثر احتراماً ومقاماً …
يذكر فاروق بن زيمه يرحمه الله أنهم كانوا يفعلون كل شيء في المهجر السعودي يلعبون كرة القدم ، بل انهم يأخذون اللاعبين الماهرين لأندية الهلال والنصر أو الأهلي والاتحاد ويشجعونهم ومنهم من يحصل على الجنسية السعودية ثم ما يلبث أن يهرب من ملاعب الكرة ليعمل في التجارة ، يقول بن زيمه كنا في مرحلة الشباب نفرغ كل طاقاتنا المخزونة حتى لا نتذكر بلادنا إلا عندما نذهب إلى النوم ، وهذه هي حقيقة لا يستطيع المجاهرة بها الكثيرين ، فإذا كنت مصاباً بالحزن والخوف معاً فأن المحاذير تصنع حالة من الضعف الغير مألوفة ، عندما تضيق الدنيا بك فاعلم أنك في بلاد تمنع حديثك عن وطنك ، وعندما تريد السفر إلى الوطن يمنعك منجل أحمر …
حضرمي .. في فقر
لا يعرف كثير من الجيل الحضرمي السابق المستشفيات والأطباء ، لا يعرفون الدواء الحديث ، ويرغبون دوماً في العلاج الشعبي ، حتى إن امهاتنا يذهبن بالصغار الرضع إلى نساء كبيرات خبيرات في ( التطليع ) أو ما يسمى التمريخ حيث يخضع الطفل لعدة جلسات ثم تعود صحته ورضاعته إلى ما يجب أن تكون ، فالعلاج الشعبي مع الكسور وغيرها مدعاته الحقيقية هو في الحاجة ، في الفقر ، فالناس دوماً تحصل على ما تكسب من رزق يفي بالحاجة الميسرة للمأكل والمشرب ، بيوت الحضارمة لا تجد فيها كثير من الكماليات بقدر كثير من التربية والأخلاق …
الستر ….. هذا هو عنوان الشعب الحضرمي في المهجر ، قوم لا يريدون إلا الستر ، بيوت حضرمية عاشت على مدى أزمنة طويلة تحت الحاجة لم نعرف أنها مدت يدها لأحد حتى لقرب المقربين منها ، هذه المنّة والفضل من الله تعالى سبحانه خلق فينا العزة في نفوسنا ، المهم عندنا هو الستر القليل من الكساء والغذاء ، والكثير من القناعة تفي بحياة تخرج منها أبناء بارين بأهلهم يرسلون إلى ذويهم ما تيسر من المال لعلها أيضاً تستر الأهل والأخوان في بلادنا المحبوسة ، قد يكون الكثير من الشعوب يصنفنا بأننا أهل ثروة وتجارة والحال فيما بيننا نعرفه ونضمره ونحتسبه عند مولانا سبحانه …
ومع ذلك فلابد من وقفة عند رجالاتنا الحضرميين من الميسورين ، فكم لهم من الأيادي البيضاء الكريمة على أسر عرفت الضنك وسوء الكرب ، هذه الأيادي ما شحت يوماً ، وما أعرضت عن الخير يوماً ، غير أن ما ندعو إليه هو أن يجتمعون على قلب حضرمي واحد ويستمعوا إلى حديث أبنائهم وأخوانهم وابائهم أيضاً ، فلقد غدت الأيام الحاضرة في قسوتها أكثر صعوبة من أي وقت مضى ، فهل هم يجتمعون ..؟؟؟
حضرمي .. في أزمة
في السنوات التالية لم تعد المهاجر الحضرمية كلها صالحة لما كانت له من قبل ، فالأنظمة والقوانين التي حجرت واسعاً من أسواق العمل زحفت كما زحف تسونامي على جزر الشرق الاندونيسي ، انظمة تزيدنا تفكراً في حال قادمنا ، هل على عيالنا أن يتحملوا هدراً من طاقاتهم ليتمكنوا فقط من العيش بدون جدوى أو منفعة …؟؟ ، هل يجب أن نخلف لعيالنا البحث عن الكفيل والتهرب من نطاقات العمل الصفراء والحمراء ..؟؟ هل يجب على عيالنا أن يمارسوا ذات الممارسة التي ألفناها بأن نشيح وجوهنا عن اليمنيين وهم يلاحقوننا متسولين ..؟؟ ، ازمة أبناء حضرموت اليوم هي أزمة عرفناه في المهجر الاندونيسي بعد استقلالها وكذلك حدث في تنزانيا وكينيا والهند والصومال ، أذن علينا جدياً أن نفكر في المرحلة القادمة بواقعية وصراحة …
علينا أن نعود إلى بلادنا حضرموت ، نعود إليها وطناً يجمع عشرين مليون حضرمي ، وطناً نبني فيه المدارس والجامعات والمستشفيات والطرق والمطارات ، وسنبني مفاعلاً نووياً ، وسنطلق صاروخاً إلى الفضاء ، وستضيف سيئون الاولمبياد الرياضية العالمية ، وسيكون مقر هيئة حقوق الإنسان الدولية في الديس الشرقية ، لسنا عاجزين ، ولسنا مشلولين ، بل نحن قادرين على كل شيء متى ما كان لدينا وطن ….. فقط وطن …
قبل الختام … أن منّ يصنفنا بالخونة والعملاء والمتآمرين في التداخلات والتعقيبات التي تجيء متوالية على المقالات ، أود من كل ما أملك من ضمير أن أشكره الشكر الجزيل على هذه الاتهامات ، نعم أنا وكثير ممن معي خونة وعملاء ومتآمرين مهمتنا التاريخية هي أن نحصل على حضرموت الوطن ، سننافح عنها بكل ما نمتلك ، وبكل ما يتوافر لدينا ، لن نترك الأمر إلا بعلم الدولة وقد رفع على سارية منصوبة في تراب المكلا ، وبعد أن ننشد نشيد حضرموت الوطني ، سأقف عند وزارة الخارجية الحضرمية لأحصل على جواز السفر رقم واحد ، بعدها سأنتظر الموت في وطني وأكفن بعلم وطني ، عند ذلك تنتهي المؤامرة ، وعلى ولدي أن يلتزم بالمعارضة فلا نريد أن نكون في صف الحكومة أبداً … تقبل الله من الجميع الصيام والقيام … اللهم اجمعنا في وطننا العام المقبل وقد تحرر لنصلي فيه التراويح والقيام ونكبر التكبيرات السبع بعيد الفطر المبارك … اللهم آمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.