بالمس ودعنا عاماً هجرياً وبدأنا آخر, وانقضت صفحة من صفحات حياتنا. كان ذاك العام بالأمس مبتدأ,وهاهو الآن ينتهي ,عام مضى وانقضى من أعمارنا لن يعود إلا يوم القيامة شاهداً إما لنا وإما علينا. فهل يكون انقضاؤه مذكرا لنا بسرعة زوال الدنيا؟ إن الإنسان بين أمرين ماض مستودع بما جرى فيه, وآجل لا يدرى ما الله قاض فيه, فجدير بالعاقل الذي يرى ويسمع حوادث الموت وأخبار الانتقال عن هذه الحياة من القصور إلى القبور حيث ضيق اللحود ومراتع الدود أن يفيق من سباته وأن يستيقظ من رقاده وأن يتدارك لحظاته ويحاسب نفسه ويستلهم الدروس والعبر من العام الذي مضى ويستفيد منها في العام الجديد, فالمؤمن من يعلم أن حياته ليست عبثا, ويدرك أنه لم يخلق هملا, وهو على يقين أنه لن يترك سدى,إذن لابد من وقفة جادة مع النفس ليحاسبها ويصلح مسيرتها ويتدارك خطأها؛ لأن النفس سريعة التقلب ميالة في الكثير من الأحيان إلى الشر كما قال تعالى): إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي)ومن هنا ندرك لزاما على كل عبد يرجو لقاء ربه أن يطيل محاسبته لنفسه, وأن يجلس معها جلسات طوالا,فينظر في كل صفحة من صفحات عمره ماذا أودع فيها؟ فلنسأل أنفسنا عن عام كيف أمضيناه وعن وقت كيف قضيناه؟ إن كان خيرا حمدنا الله تعالى وشكرناه على توفيقه وإحسانه, وإن كان شرا تبنا إلى الله واستغفرناه. صحيح أننا نشعر بأن العام قد مضى وأننا لم نعش أيامه وشهوره فلماذا؟ ألئن صحة أبداننا وأمن أوطننا تجعلنا لا نحس بمرور الأيام وانقضاء الأعوام؟ ربما,ولعل تصديق ذلك أن أخوننا لنا في سوريا وبورما وفلسطين وغيرها من بلاد المسلمين يعدون الأيام عدا فطالت أيامهم وأبطأت شهورهم, فكيف هو حال المرضى والخائفين والجائعين والأسرى والثكالى والمصابين؟ صدق الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حين قال:(من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها). إن النعم التي نتقلب فيها والملهيات التي نلهو بها تسدل علينا ستاراً من الغفلة والنسيان عن الحساب ويوم المعاد(أقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكراً من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم).