بقلم : د. ماهر سعيد بن دهري في خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها الساحة وكل ما يدور فيها يتبدى للإنسان – الذي يريد أن يحكم بعين الإنصاف دون مجاملة أو محاباة- أن كثيراً من الناس سرعان ما يصدرون أحكاماً على أمور يجهلونها، أو أنهم يتسرعون في اتخاذ مواقف من بعض القضايا دون فهم لتفاصيل هذه القضية أو تلك، خاصة إذا وضعنا في أذهاننا أن الشيطان يلعب في التفاصيل على ما يقال. لقد شهدت مدينة المكلا في الآونة الأخيرة لغطاً دار حول أمور عديدات، ولعلي في هذا المقام سأضع أصبعي على القضية التي أثيرت حول نقابة أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم بجامعة حضرموت إثر مطالبتهم بقطعة الأرض، هذه القضية التي استنفر فيها حشد كبير وجيشت فيه بعض الأبواق لتلقي كثيراً من المغالطات على أذهان الناس، خاصة وأن الفترة الأخيرة شهدت انحياز كثير من الناس مؤيدين لمواقف الأكاديميين في بعض المواقف التي ذهبوا إليها. لا أريد في هذه الكلمات أن أشكك في النوايا أو أن ألقي بالاتهامات جزافاً؛ لكن ما أود الإشارة إليه أن اجتماع نقابة أعضاء هيئة التدريس تناول قضية الأرض كموضوع ضمن موضوعاته وكانت النقطة الأساسية للاجتماع هي مناقشة التقرير التقييمي لما أنجزته الجامعة مما تم الاتفاق عليه فيما عرف بجدولة المطالب، ذلك أن النقابة ورئاسة الجامعة وبعد لقاءات ومشاورات بحضور وسطاء كمحافظ حضرموت اتفقوا على أن يوضع جدول مزمّن يحدد فيه تنفيذ الاتفاق بمواعيد واضحة، وقد عرضت النقابة ما تمَّ تنفيذه إلى نهاية الفترة المحددة بنهاية شهر ديسمبر 2011م، حيث اتضح لجميع أعضاء النقابة أن رئاسة الجامعة لم تنفذ سوى 21% من التزاماتها. ونوقشت النقطة الثانية التي هي قضية الأرض، باعتبارها حقاً لأعضاء هيئة التدريس أسوة بما حصل عليه زملاؤهم في الجامعات الأخرى، ولما كانت النقابة قد حصلت على موافقة بصرف قطعة ديوان الرئاسة في عام 2007م وتم التراجع عنه فيما بعد، ثم الموافقة عليه في اجتماع نهاية 2011م الذي غاب عنه رئيس الجامعة، وبعد حضوره أراد التملص من تنفيذ هذا القرار بالحديث عن أن الموظفين لهم نفس الحق في الحصول على قطعة أرض – وهو كلام لا اعتراض عليه وهو حق لهم – فعقد اجتماعاً استثنائياً ونص فيه على أن توزع الأرض بين الأكاديميين والموظفين وكذلك يضاف إليها قطعة في الستين وقطعة أخرى في فلك. السؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا كان الهجوم على الأكاديميين أنهم يبحثون لهم عن أراض وأن نقابتهم تحولت إلى سمسار وأنهم يتقاضون مرتبات عالية لا يحتاجون إلى هذه القطعة؛ إذن المسألة ليست حرصاً على أرض الجامعة ! لأننا لم نسمع أحداً أدانَ قرار رئيس الجامعة بصرف الأرض للموظفين والأكاديميين معاً، لكني أظن – وليس كل الظن إثم – أن هناك أيدٍ تحركت وحركت آخرين للتطبيل حول هذا الموضوع وسعت لشق الصف ودق إسفين بين نقابة الموظفين ونقابة أعضاء هيئة التدريس وقد نجحت إلى حدٍّ ما فساءت العلاقة بين النقابتين، لكن هذا الأمر يمكن حله بسهولة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن الأخ رئيس نقابة الموظفين شخص معروف بتعقله ودماثة خلقه وقبوله للحوار، وأن لقاءً يجمعه وإخوانه في الهيئة الإدارية لنقابة الموظفين مع الهيئة الإدارية لنقابة أعضاء هيئة التدريس كفيل بإزالة آثار هذا الخلاف. ونحن في أشد الحاجة لمثل هذا اللقاء؛ إذ لا يخفى على أحدٍ أن الموظفين وأعضاء هيئة التدريس كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وكجناحي الطائر الذي لا يمكنه الطيران والتحليق دونهما. أما أولئك الذين تشدقوا ويتشدقون بأن هذه الأرض هي لمصلحة الأجيال فلا إخال أنهم يعرفون معنى هذه المصطلحات ولا يدركون ما يرددونه من كلام لأن مصلحة الأجيال ينبغي النظر لها بعين المستقبل لا الماضي، بعين تبنى فيه مدينة جامعية لا مجموعة من الدكاكين والصنادق يطلق عليها قاعات تدريسية لا يجد الطلاب فيها البيئة التعليمية الصحيحة، ولأن الجامعة منذ سنوات وهي تتغنى بأنها لن تقوم بأي أعمال إنشائية إلا في فلك، فلِمَ يأتي هذا العويل على مبنى ديوان رئاسة الجامعة. إنني على يقين أن الأيام القادمة ستفضح المزاعم وسيظهر مَن بكى ممن تباكى على الجامعة، الحقيقة أن على كل إنسان قبل أن يوجه سهام اللوم إلى أيٍّ كان أن ينظر في الأمر من جميع جوانبه. الأمر يا سادة من وجهة نظري هو أن قضية الأرض التي أثيرت ما هي إلا هروب للأمام ومحاولات يائسة ومستميتة لصرف الأنظار عن مكامن الخلل في الجامعة، وعن النقطة الرئيسية وهي عدم قيام رئاسة الجامعة بالتزاماتها تجاه أعضاء هيئة التدريس حسب الجدولة، فاستبقت رئاسة الجامعة الخطوة التي قد تُقدم عليها النقابة بمحاولة تأليب الرأي العام أو الشارع على نقابة أعضاء هيئة التدريس وتصوير الأمر كما لو أنه يدور حول فئة تريد الحفاظ على ممتلكات الجامعة وفئة تريد نهب هذه الممتلكات لصالحها. إن الموضوع برمته يدور حول استحقاقات على رئاسة الجامعة القيام بها وتنفيذها وفق الجدولة التي اتفق عليها الطرفان، أما قضية الأرض فلها عدة مخارج لو أرادت رئاسة الجامعة حلها، كأن تصدر قراراً بمنع صرف هذه الأرض أو بيعها لأيٍّ كان، وتقوم بتوفير أراض لأعضاء هيئة التدريس وللموظفين وتحتفظ الجامعة بهذه الأرض، لكن الذي يخشاه كثيرون هو أن يتم صرف هذه الأرض أو بيعها أو التفريط فيها.