هناك مصطلحات من كثرة ما رددناها كثيراً قديماً بمنتهى اللامبالاة ابتذلت وفقدت قيمتها ومعناها ، ومنذ اندلاع الثورة الشعبية السلمية التحررية في الجنوب المحتل أصبحت هذه الكلمات والمصطلحات والتعريفات في بؤرة الضوء لها معنى وقيمة وقامة ، كلمة الشعب كان الكل يمتطيها كجواد رابح لتخدير الناس والكذب عليهم دون أن تكون لهذا الشعب قيمة ، كذلك لسنا في غفلة عن كلمة الديمقراطية التي اختصرناها في صندوق وتذكرة انتخاب ولافتة تأييد بعد أن نزعنا منها الروح وجعلناها مسرحية هزلية ، وهناك كلمة الحوار التي أفرغناها من معناها فأصبحت أنت تقول ما تريد ونحن نفعل ما نريد ، حوار طرشان ، مائدة مستديرة ، وكراسي مربعة ، أما الحوار نفسه فهو ديكور لاستكمال الأبهة ، أما كلمة الشارع فكم من الجرائم ارتكبت باسمها وتصارع الجميع من أجل الحصول على التوكيل الحصري للشارع الجنوبي ، ومن ضمن المواضيع والمقالات التي تنشر تأتي من المشغولين بهموم هذا الوطن والمستشعرين بنبضه . إن واقع الحال بالشارع يتطاول فيه دعاة الحق والنهي عن المنكر وخبراء علم التزوير وثقافة الجهل والتضليل الذين سرعان ما انكشفت أقنعتهم المزيفة ، والكل يدرك بأن الأقنعة بطبيعتها لا تدوم على الوجه طويلاً ، لأن الشارع ليس بمعزل عن الحياة الاجتماعية وتبادل العلاقات بين الناس التي تعتبر في الأساس القادرة على الترجمة وإعطاء الردود دون تحفظ حين يبرز السؤال : الشارع لمن ؟! . كثيراً من مات كمداً وقهراً من شعراء فنانين ترحم الله عليهم برحمته وغفرانه من واقع قتل حلمه وأحلام جيله ، ورحم الله الكثير غيرهم عاشوا وناضلوا ورحلوا دون أن تتكحل عيونهم برؤية الميلاد الجديد للوطن في الجنوب المحتل الذي يتطلع إليه الجميع من أبناء الشعب في الداخل والخارج . المخرجون للأفلام تعددوا ، وتوسعت مدارك المؤلفين ، ولم يألوا جهداً المبدعين الفنيين في الديكور ، وتمرس دور الممثلين للأدوار المكلفين بأدائها بحنكة وإتقان عبر سلسلة من التوجيهات الممنهجة للتنفيذ لإشعال بؤر التوتر والفتن وإلصاق التهم إلا أنها سرعان ما ارتطمت بواقع قول الشارع الجنوبي بنضاله السلمي لكلمته المدوية التي سمعها وفهمها الجميع بقوله : لا نريد لغير التحرير والاستقلال بديلاً .. سيبقى الشارع يحمل نبضات قلوب الشعب الذي يعبر عنها . قد برهنت مناسبة 13 يناير عام 2006م نقطة تحول نوعية أثبتت بها قدرة شعب الجنوب المحتل على تجاوز أصعب المراحل وأكثرها تعقيداً تمثلت في إعلان جمعية ردفان لمبدأ التسامح والتصالح بين أبناء الوطن الواحد والقضاء التام والمبرم على تلك الأحداث الدامية ودفن آثار الماضي البغيض ، أذهلت به العالم الخارجي وحققت نموذجاً يقتدى به في ثورات الربيع العربي التي تبنت في ثوراتها الشعبية روح النضال السلمي ، كما يتحلى شعب الجنوب منذ فطرته على قاعدة الإخاء والحب والوئام والعدل والمساواة ، وتميز بالعلم والثقافة والحضارة الإنسانية انطلاقاً من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، وقد أثمر مبدأ لتسامح والتصالح في وحدة الصف والمؤازرة التي تمثلت في الزحف والحشد المليوني في المناسبات المختلفة المعبرة عن الإرادة الشعبية ، فكان يوم الحادي والعشرين من فبراير 2013م ذكرى يوم الكرامة لشعب الجنوب المعبر عن انتصاره في إفشال الانتخابات الرئاسية بأرض الجنوب المحتل وعدم قبوله ورضاه بالوضع القائم وتأكيده وإصراره على مواصلة نضاله السلمي حتى تحقيق استقلاله ونيل حريته وقدم في سبيله شهداء مالا يقل عن ( 11 ) شهيد ومئات الجرحى والمعتقلين حتى يثبت للعالم إن النضال السلمي كحق مشروع يتطلب الصمود والإصرار والكشف عن هوية الطغاة وممارساتهم العنجهية وتزويرهم للحقائق الواقعية . إن الشارع الجنوبي الذي لم يعبأ به أحد طوال عقود من الزمن لم يهتم المتطفلون على حلم الوطن بفهمه والتواصل معه ، ولم يعبأوا بسماع صوته أو الحديث إليه وظل صوته على خارطة الوطن مجرد كلام شوارع . كم أنصفك الزمن والتاريخ يا شارعنا الجنوبي رغم كل ما أصابك من تهميش وتطفيش ، من تجاهل وتغييب ، وقهر ومهانه ، الآن الكل يلجأ إليك ويحتكم لك ، طلباً في عفوك ورضاك وشهادتك لصالحه ، بعد أن تمزقت كل الشهادات الجنوبية ، وغدت كل الشهادات مجروحة ، أنت الآن الملجأ والملاذ والحكم وصوت الجماهير الذي يستظل الجميع بظله حتى من قطعوا أشجار أحلام الوطن وجرحوا آماله في غد أفضل .. شباب الوطن الحر اخترق حاجز الصمت وانطلق صوتهم هادراً في شوارع الجنوب وسمائها ، وعندما استعصى صوت الجماهير على أي قمع أمني أو ترويع بلطجي ، أو تزييف إعلامي ، أو ترويض سياسي ، أصبح الأمر لا مناص من مخاطبة الشارع الحقيقي والتوجه إليه والعزف على أوتاره النفسية والذهنية والاقتصادية والاجتماعية وجذوره التاريخية وعاداته وتقاليده ..إلخ ، فجأة أصبح لهذا الشارع وجود طاغ ، وحضور لا يقاوم ، وصوت يستجديه الجميع ، ويستنجد به الجميع ، غدا الشارع هو الشرعية ، هو الضمير الحقيقي للشعب ، هو الحكم .. فالشارع لنا وللناس التائبين . سالم عبد المنعم باعثمان المكلا حضرموت