لم أشف مما أصابني من الهم والغم بعد رحلة الخميس التي أردت أن تكون راحة واستجماماً من متاعب الحياة ومشاكلها ، فإذا السحر ينقلب على الساحر ، وتحولت تلك الساعات إلى أرق ينغص علي أوقاتي . دق تليفوني في الساعة الرابعة والنصف ، فتجهزت للخروج ممنياً النفس ، والجسم بأصناف من السعادة ، والهدوء ، والغذاء الجيد المتقن الطبخ المليء بالمنعشات ، وإن كانت معنوية في أغلبها . وبعد الاستقرار في موقعنا الدائم بمنطقة خلف بدأنا نتجاذب أطراف الحديث ، وأغلبه في حقل التربية والتعليم نتراوح بين الأمل واليأس ، الجد والهزل ، الفرح والغم حتى رمانا بداهية لم نحسب لها حساباً . عرفناه جيد السرد لما يحكي ، يجذب أسماعنا بأحاديثه في السياسة ، والثقافة ، والتربية ، وغيرها من منوعاته ، فقال : حدث اليوم أمر عجب فقلنا : هات ، فقال : كنت أمر بين الصفوف فرأيت مع أحد التلاميذ جهازاً فاخراً ، فأخذته منه لأسباب أهمها : عدم اشغال التلاميذ ، والمعلم ، وإيقاد نار الحسرة في نفوس الذين لا يملكون مثله . وأخبرته أن يأتي في نهاية الدوام ليأخذه ، طبعاً بعد أخذ تعهد عليه ألا يأتي به مرة أخرى . وهنا قاطعه زميل : أمر عادي فأين العجب ؟ آباء وأمهات فارغين يحبون المظاهر الكاذبة لديهم فلوس كثيرة لا يدرون كيف ينفقونها فيشترون لأبنائهم أجهزة مثلها . تدخل الآخر فقال : اليوم حكاياتك ضعيفة ستقل شعبيتك ، ولن تحظى بالمرتبة الأولى كما يحلو لبعض المواقع أن تنشر بين الحين والآخر . ضحكات وقهقهات جعلته يسكت .... ولكنه استمر غير مبال اسمعوا : لم يأت التلميذ لأخذ التليفون مني ، مقاطعة : من أخذه إذن ؟ أكيد والده أو أمه في سيارة فاخرة أمر عادي خاف منك فاتصل بأحدهما . الذي جاء أحد التربويين في المدرسة جاء منزعجاً يطلب مني الجهاز لماذا ؟ هل هو جاره ، أو صديق والده ؟ لا . قالها ثم سكت ليعمق الحكاية ويعطيها بعداً درامياً ، ويكسب نقاطاً أعتقد أنه فقدها . قال لي : بوجه وقح ، أنا اشتريت له الجهاز ، إنه ( ...... ) أرجوك أعد إلي الجهاز أنا ( .... ) . سكت الجميع من هول الصدمة ، وبدأت التعليقات تخرج على استحياء الله المستعان ، حاميها حراميها ، تربوي تربوي ..... لا إنه شاذ قذر ، وليس تربوياً قالها أحد الحاضرين بانفعال وغضب شديدين ، فلما رأى الاستغراب في وجوه الحاضرين أعادها ثلاثاً نعم شاذ قذر ..إنه .... إن الأمر يتطلب وقفة تجاه هذه السلوكيات المشينة ، وقفة حازمة من قبل الجميع ، فمن أين تدفع رواتب أمثال هؤلاء ، أليس من عرق جبين البسطاء ؟ الذين يسلمون أبناءهم للمدرسة حتى يربوهم ، ويصقلوا مواهبهم ويعدوهم لنفع الأمة والوطن ، لا ليخربهم أمثال هؤلاء الحيوانات . إنها ظاهرة خطيرة بدأت تتفشى في مدارسنا ، وتنمو ، وإن لم نقف لها وقفة لمنعها وتقليص شرها لاستهوت الكثير ممن وصفهم الله في كتابه بأن في قلوبهم مرضا . حاول أحد الحاضرين أن يقول : ولكن أعتقد أنها ليست ظاهرة ، هي حالات فردية يمكن أن تعالج . سنبقى نراوح في مكاننا إن بقينا هكذا ظاهرة ليست ظاهرة أجاب بعنفه المعهود . يجب أن يسلخ جلد هذا الحيوان ليكون عبرة وآية لمن خلفه . أما أنا فبقيت مصدوماً لا أدري ما أفعل ؟ كيف نناقش مثل هذه الموضوعات ؟ ونلفت الناس إلى خطرها ؟ ننشر ثقافة لدى أبنائنا الطلاب تحميهم من الوقوع فريسة لأمثال هؤلاء . أعتقد الأمر بحاجة إلى معاونة المجتمع للقضاء عليها ، ووأدها حتى نبقي على شخصيات أبنائنا سليمة نقية .