بين «اللبج» و «الزبج» .. خير الأمور أوسطها صحيح أن «التربية قبل التعليم» إلا أن التربية ليست بالعصا.. وصحيح أيضاً أن«آخر العلاج الكي» إلا أن الضرب ليس آخر الحلول.. وصحيح أيضاً أن «من علمني حرفاً صرت له عبداً» لكنها عبودية إجلال وتقدير.. وليست إذلالاً وتحقيراً.. تربية منظورة أجمعت «جميع» الحقائق والإنسانية أن الضرب ليس وسيلة تربوية ذات جدوى فهي تضر أكثر مما تنفع وتهدم ولاتبني.. وفي الوقت الذي فيه كل شيء من حولنا يتطور.. تطورت أيضاً الأساليب التربوية وصارت أكثر إنسانية وصرامة فقد جعلت العلاقة بين الأستاذ والطالب قائمة على الاحترام والتقدير وفق علاقات إنسانية مثالية..انسجاماً مع تلك التطورات كرست وزارة التربية والتعليم جهودها لتكريس مبادئ التربية السليمة والحديثة في صفوف رجالها التربويين من خلال دورات تدريبية مازالت منذ أكثر من عامين قائمة حتى اللحظة وفي أكثر من منطقة وفق جهود حثيثة لاستيعاب الكل.. وبذلك أصبح «العقاب» بشتى أنواعه وسيلة متبذلة يترفع الجميع عن استخدامها بعد أن عرفوا أضرارها النفسية والجسدية.. والمصيبة أن الواقع أثبت وجود حالات نشاز «نادرة» صار الطالب ضحية والأستاذ مُجرماً يحاكم.. بداية الحكاية بين أيدينا حكاية مستجدة ضحيتها الطالب عبدالخالق محمد الرميم لم يتجاوز الثالثة عشرة من العمر.. في مدرسة الاحسان..مدينة النور في إطار مديرية المظفر.. صباح الأربعاء الفائت نسي عبدالخالق إحضار واجب العلوم فاستأذن أستاذه بالذهاب إلى منزله المجاور لإحضاره فأذن له.. قبل أن يهم بالخروج من بوابة المدرسة اعترض طريقه المدرس سيف عبدالله المرولة مدرس مادة الفيزياء لطلاب الثانوية وليس له صلة تربوية وتعليمية بالصف الثامن الأساسي الذي يدرس فيه عبدالخالق.. المهم وبدون سابق إنذار انهال ذلك المدرس بعصاه العريضة على الطالب المسكين الذي لاحول له ولا قوة وحين تكسرت فوق جسده الغض.. أعاد المدرس الكرة ولكن هذه المرة بكلتا يديه وكلتا قدميه وبين «اللطم والدلهفة والسحل» كانت بقية الحكاية.. المعتدي التقيت عبدالخالق فوجدته ولداً بريئاً يكسور الحياء محياه.. فلم تقع عينه في عيني.. وإذا استدعيتُ منه التفاصيل خرجت الألفاظ من لسانه ثقيلة مبتورة الأجزاء.. «صدقوني» لقد رحمته من غليل أسئلتي فولد في رأسي ألف سؤال .. كيف استطاع ذلك الأستاذ.. لا .. «اعذروني» فقد أرتأيت بتر هذه الصفة من اسم المعتدي.. ومن هنا سأكتفي بهذه الأخيرة.. كيف استطاع هذا المعلم على أن يستمر في اعتدائه على تلميذ يحمل تلك الصفات الآنفة.. وليس هذا فحسب بل إنه «أقصد الطالب» لم يقاومه حتى «بكلمة». سلبطة «علي هيثم حبيب محمد» هم زملاء عبدالخالق الذين التقيتهم ومنهم استقيت نُصف الحكاية وزادوا على ماذكرته آنفاً أن عبدالخالق أحسنهم أدباً وسلوكاً ويواظب على الصلوات الخمس في المسجد ويحفظ سبعة أجزاء من القرآن الكريم.. كما أكدوا أن «المعلم» اعتدى عليه ظلماً وعدواناً بلا سبب «سلبطة» حسب وصف أحدهم.. وأضافوا أيضاً إن عبدالخالق استقبل الضرب في البداية بصمت وحين زاد «الخبط» عن حده بدأ صوته بالظهور متسائلاً « موعملتو يا أستاذ؟!» .. أما حينما طُرح أرضاً من شدة اللطم والزبط.. وامتزجت الدموع بالدماء وصرخ بأعلى صوته «ياماه .. ياماه..» كررها علي وعيناه مغرورتان بالدموع. علي الذي وصف الاعتداء بأنه «مَرَّه زي الجن» قال إنه من شدة خوفه حينها من أن يناله نصيب من غضب «المعتدي» فرَّ هارباً من فوق سور المدرسة مضيفاً« أنه مش عارف كيف نط». أما هيثم وحبيب فإنهما تسمرا في مكانهما «قيدهما الخوف وأعيتهما الحيلة من إنقاذ صاحبهما الذي أنقذه في اللحظات الأخيرة أحد أساتذة المدرسة «الأستاذ عادل» هكذا قالوالي.. سيئ السُمعة التقيت أبو عبدالخالق محمد صالح الرميم وهو موجه تربوي وناشط حقوقي حيث أكد أن ولده أسعف على الفور إلى المستشفى لمعالجة الرضوض والكدمات التي لحقت به.. واصفاً طريقة الاعتداء بأنها حيوانية همجية .. وأنه لن يرتاح حتى ينال ذلك المعتدي جزاءه الرادع له ولأمثاله.. وأضاف أبو عبدالخالق إن هذه ليست المرة الأولى لهذا المعتدي فهناك سوابق عدة حُلت ملاباساتها في إطار المدرسة والحارة.. مشيراً إلى أنه في أكثر من مرة يتدخل لصالح المعتدي ويسدد ويقارب .. والجميع مستاء منه يقصد المعتدي ويعدون أخطاءه لأنه «سيئ السمعة».. وأردف أبو عبد الخالق «في كل مرة يغلط فيها أحذره من أسلوبه الهمجي إلا أنه لم يعر كلامي أي اعتبار.. وهذه المرة لن أسكت عن حقي كما سكت آخرون فقد أفرط في استخدام وحشيته الخبيثة بالضرب المبرح والذي مازالت آثاره على جسد ولدنا الطاهر البريء لا لشيء إلا ليشبع غريزته العدوانية وبدلاً من أن يلقن ولدنا العلم والأخلاق حوله إلى أداة جامدة يتدرب عليها ويستعرض عضلاته على جسده دون أدنى رادع..». كما نفى أبو عبدالخالق وجود أي خلاف بينه وبين المعتدي «الذي هو أصلاً من بلدته مشيراً أن علاقته به إلى ماقبل الاعتداء كانت جيدة ولكنه بجريمته تخلى عن آخر أصدقائه الناصحين.. مدير المدرسة المسؤول تواصلنا مع الأستاذ عبده أمين مدير مكتب التربية في مديرية المظفر الذي بدوره أكد تفاعله مع القضية فالأساليب التربوية تطورت ولم يعد الضرب والعقاب الجسدي وسيلة ذات جدوى فهناك وسائل أخرى أكثر تحضراً وفاعلية.. أمين أكد أيضاً أنه فور تلقيه الشكوى من ولي أمر الطالب كلف الشئون القانونية في المكتب بالتحقيق وجمع الحيثيات والأوليات المتعلقة بالقضية.. نافياً في نفس الوقت أن تكون هناك شكاوى باعتداءات سابقة وصلته من المدرسة وبخصوص الأستاذ ذاته.. وإن صح وإن وقعت اعتداءات ولم يتم تبليغنا فالتحقيق حينها سيتم مع مدير المدرسة شخصياً كونه المسؤول المباشر أمامنا.. إجراءات صارمة وفي حال صح هذا الاعتداء وثبت أن «للمعتدي» سوابق.. أردف أمين : سنتخذ إجراءاتنا القانونية الصارمة وفق توجيهات وزير التربية والتعليم الذي شدد في إحد قراراته بتجريم مثل هذه الأفعال كونها تسيء للعملية التعليمية برمتها.. محدداً الإجراءات القانونية التي سيتخذها مبتدتاً بلفت النظر والإنذار الخطي ثم تنفيذ جزاءات مالية من راتب «المعتدي» والاستغناء عنه وإرساله إلى مدرسة أخرى.. الطبع غلب التطبع من جهته أوضح الأستاذ محيي الدين النهاري أن للمعتدي سوابق أخرى وقد تم الاستغناء عنه قبل فترة ونتيجة لاحتياجات المدرسة لتخصصه تم رفض الاستغناء وأعيد المذكور إلى عمله بعد أن قدم تعهدات بعدم تكرار أي اعتداء.. إلا أن الطبع غلب التطبع ولم ينفع معه أي تعهد أو زجر ونهي.. وحول إن كانت المدرسة مقصرة في اتخاذ إجراءاتها وضوابطها القانونية نفى النهاري وجود أي تقصير من قبله مؤكداً تحمله المسئولية الكاملة إذا ثبت ذلك.. وعن آخر الإجراءات المتخذة من قبله تجاه هذه القضية كشف النهاري أنه تم الاستغناء عن المدرس المعتدي نهائياً وقد تم اسقاط اسمه من الحافظة.. مضيفاً «هذه المرة نحن مصرون على ذلك فالغلط زاد عن حده».. القضية في النيابة حسب محمد الرميم ولي أمر عبدالخالق انه وبناءً على التحقيقات الأولية التي تمت في المدرسة تقدم بعريضة شكوى إلى رئيس نيابة محافظة تعز الذي بدوره احاله إلى نيابة الغرب وبذلك صار التحقيق القائم من شقين شق تتولاه إدارة التربية إدارياً.. وآخر تتولاه نيابة الغرب قضائياً كونها جنائية. من جهته أوضح عبدالله الصعفاني وكيل نيابة الغرب أن التحقيق في القضية قائم وقد أحيل لأحد أعضاء النيابة لاستكمال الإجراءات.. تواصلنا أيضاً مع الأخ أحمد جمعان عضو النيابة المكلف بالتحقيق في هذه القضية وقد أكد أن النيابة أخذت أقوال الشهود.. وكون المعتدي موظفاً حكومياً لابد من إذن من رئيس النيابة في المحافظة وعلى ضوء ذلك الإذن سيتم استدعاء المعتدي والتحقيق معه. جمعان أشار أيضاً إلى أن هناك قضايا جنائية كثيرة مماثلة لهذه القضية «والعكس» اعتداء طلاب على مدرسين.. وقد قدمت للمحكمة.. الضرب لايجدي «سلطان محمود جمال عبدالمغني» مدرسون متنوعو التخصص التقيتهم في جلسة خاصة وكانت قضية «عبدالخالق» محور النقاش.. جميعهم أكدوا أن العقاب الجسدي يضر أكثر مما ينفع وأن أنجع وسائل التربية تلك التي بين «الشدة واللين».. يقول سلطان "صحيح أنني متعود على اصطحاب العصا معي.. ولكني استخدمها للإشارة وأحياناً للتهديد.. فالضرب لايجدي". كما أضاف "الأستاذ قدوة.. وينبغي أن يستشعر ذلك تجاه طلابه.. وهو أيضاً الحاضن الثاني"ومصدر المعرفة المتدفق يغرس في أذهان تلاميذه المعلومة التي لايستطيع أحد محوها لأن الأستاذ قالها.. دورات تدريبية ويقول «محمود» صحيح أن العصا لمن عصى ولكن ليس الزبط والسحل.. فالضرب بدون سبب أسلوب خاطئ ينمي لدى الطالب الإحساس بالظلم ويبعث في نفسه رغبة عارمة بالانتقام.. ويضيف: لونبش الواحد منا ذاكرته لوجد أن المواقف التي تعرض فيها للظلم باقية.. خاصة تلك التي في مرحلة الطفولة والمتسبب بالظلم يبقى محتقراً حتى وإن تحسنت تصرفاته. واستدرك محمود "وإن زاد الظلم ولد الانحراف". من جهته اكتفى جمال بهذه العبارة "التربية فن وأخلاق وحسن تعامل".. أما عبدالمغني فقد أكد أن وزارة التربية والتعليم استشعرت أهمية أن يكون المدرس على اطلاع ودراية بأهم وأنجح الأساليب التربوية وأقامت لأجل ذلك الدورات التدريبية للعاملين في سلك التربية والتعليم في جميع محافظات الجمهورية. كما أكد عبدالمغنى أنه استفاد كثيراً من الدورات التي حضرها وعلى إثرها طور من تعامله مع الطلاب.. أساليب بديلة الأساتذة الذين التقيتهم أكدوا حضورهم مثل تلك الدورات وكان لها عظيم الأثر في تكريس مبادئ التربية السليمة والحديثة.. ومع تجاذب أطراف الحديث انهالت من ألسنتهم مجموعة أساليب تربوية بديلة للعقاب «الجسدي أو اللفظي أو البدني» تعلموها من تلك الدورات واقتبسوها من واقعهم العملي لعل أهمها استخدام العقاب المناسب مع حجم الخطأ مع ضرورة استشعار التلميذ لعدالة العقوبة وتبني الجلسات الإرشادية لمعرفة أوضاع التلميذ وظروفه ودوافعه وعلى ضوئها يتم وضع المعالجات التربوية. أضف إلى ذلك العمل على تنمية الاحترام والتقدير تجاه المعلم عبر اتباع أسلوب بناء العلاقات الإنسانية بعيداً عن التعالي على التلاميذ وإشعارهم بالمحبة وتوجيههم بالحوار والمناقشة والحزم دون عنف واللطف دون تساهل وتجنب الاستهزاء والسخرية والتأديب أمام المجموعة. كما حثوا على ضرورة إشعار ولي الأمر بوضع ابنه أو ابنته فالجميع شركاء في المسئولية. حماية قانونية حقوق الطفل تمثل جزءاً مهماً ورئيسياً في حقوق الإنسان.. وقد أكد الدين الإسلامي تلك الحقوق وحرم المساس بها وحددها في جملة من قيم الخير والحق والعدل والكرامة والتعاطف وتوفير الرعاية الخاصة. كما أعطت التشريعات الدستورية والقوانين النافذة المستقاة من قيم شريعتنا السمحة حقوقاً متساوية للذكور والإناث وسعت لإيجاد مجال قانوني لمرحلة الطفولة ومتطلباتها ومجالاتها في الرعاية والحماية. كما أن قانون حقوق الطفل اليمني رقم «54» لسنة 2002م يعد أول قانون يمني يعنى بالطفولة بشكل شامل ومتكامل ويمثل القانون تطوراً على صعيد حماية الطفولة.. وتحددت عن ذلك أهداف عدة أبرزها توفير الحماية القانونية لضمان حقوق الطفل وعدم المساس بها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة وحماية الأطفال من جميع أنواع الاستغلال وتحديد الجهات المنوطة بها الرقابة على مدى الالتزام بحقوق الطفل والعمل على نشر الوعي بهذه الحقوق وإبراز خصوصيتها وأهميتها. حلقة متجددة وقد وضع علماء النفس التربوي أساليب تربوية بديلة للعقاب الذي قد يلجأ إليه مدرسو الأطفال وعرفوه بأنه الاستعمال المقصود للقوة سواءً بالتهديد أو الممارسة الفعلية ضد الطفل بقصد أو بغير قصد ويسبب له أضراراً جسدية أو نفسية أو إعاقة في نموه الطبيعي. كما أكدوا أن العقاب يترك آثاراً سلبية على الطفل فهو يؤثر على نموه الطبيعي وصحته النفسية وعلى عملية تكامله النفسي والاجتماعي بالإضافة إلى مشكلات متعلقة بالتكيف والاندماج ويؤثر على تحصيله العلمي. كما أنه يكرس لدى الطفل «التلميذ» بأن مفهوم العقاب سلوك مقبول مما يجعل العقاب حلقة متجددة في العائلة والمجتمع والمدرسة، ويحد من قدرة الطفل على تعلم كيفية التعبير عن نفسه والتواصل مع الآخرين بصورة إيجابية ويجعل الاطفال يشعرون بالخوف والقلق والاكتئاب وقلة احترام الذات.. كما أنه يخلف في بعض الأحيان إصابات تحتاج إلى رعاية صحية وقد تتسبب في تشوهات جسمية. تأثير كامل وقسم علماء النفس التربوي تأثير العقاب على الطفل في مختلف جوانبه الحياتية بدءاً من المجال الانفعالي حين يؤدي إلى ضعف الثقة في النفس والمعاناة من الاكتئاب والتوتر والقلق الدائم والحساسية المفرطة والشعور بالدونية والرغبة في التودد والنكوص وفقدان الاحساس بالأمان وردود فعل عصبية سريعة بالاضافة إلى جلد وتعذيب الذات. وفي المجال السلوكي يولد الخوف والسرقة والكذب وضعف القدرة على الاتصال وضعف القدرة على التركيز والانتباه وتحطيم الأثاث والتلفظ الكلامي والتشكيك بالشخص الاضعف والحيوانات وفي المجال التعليمي يتدنى مستوى التحصيل الدراسي والتأخير عن المدرسة وتعمد الغياب والعزوف عن المشاركة في الأنشطة الصفية واللاصفية والتسرب الدائم والمنقطع. وفي المجال الاجتماعي يولد الخمول الاجتماعي والانعزال عن الناس والعدوانية تجاه الغير وفقدان التعاطف والتراحم مع الآخرين وقلة المشاركة في الأنشطة الجماعية.. وباختصار فإن ردة الفعل تتمثل بالعجز والاحباط والقهر والحقد والرغبة في الانتقام. حكاية التكوين يبقى الضرب بدون سبب أسلوباً شاذاً.. والافراط بالضرب "أيضاً" نهج خاطئ يأباه الواقع ولايستسيغه العقل.. ومن ينتهجونه.. قليلون جداً..وقضية «عبدالخالق» ليست الأولى أو الوحيدة ولن تكون الأخيرة.. هناك شواهد عدة لكنها لم تلق الذيوع والانتشار وحلها لم يتجاوز «سور المدرسة» وعقوبتها لم تتجاوز «لفت النظر؟!». عاتبني أحد أساتذتي الأفاضل، بأن التوقيت غير مناسب بنشر هكذا مادة في الوقت الذي يحتفي فيه المعلم بعيده.. وهنا أقول: الموضوع فرضته حكاية «عبدالخالق» المستجدة وأنا هنا لا أشوه من صورة المعلم فهو أكبر من أن ينتقص منه قلم أو صفحة صفراء. لأنه الحياة والوطن والقصيدة التي تنحني لها الجباة والرمز والمثل والأمل في بناء جيل واع مؤمن بقضايا أمته.. وعطائه لايضاهيه عطاء.. وليس هذا فحسب فالمعلم باسمه وفعله يحكي حكاية التكوين.. تكوين عقل الإنسان وحضارته وفكر الإنسان وتجسيده وصنع الإنسان على نمطية معينة يشاؤها المعلم.. ويغرسها في نفوس تلاميذه لتنمو وتزهر كما شاء لها المعلم. ويبقى المعلم إن من يسيء للمعلم «دخيل نكرة» على تلك المهنة السامية.. من الظلم أن تلصق باسمه تلك الصفة المقدسة.. ومن المعيب أن يبقى جيل الغد تحت رعايته يوزع عليهم صكوك الرحمة ومراسيم العقاب فالتربية فن وأخلاق وليس «زبط، ولطم، ودلهفة». إن من يسيء للمعلم، من أعتدى على «عبدالخالق» وأهان إنسانيته أمام زملائه وأمثاله «كنقطة في بحر». وحده يبقى المعلم شامخاً لايهتز.. يؤدي رسالته جيلاً بعد جيل على أكمل وجه.. حتى يتوقف الزمن.