سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يرى كثيرون أنه «أسلوب فاشل وتراث عقيم».. فيما يعتقد البعض بأن على المُعلمين السيطرة على فصولهم ومعاقبة طلابهم.. «ضرب الطلاب» وسيلة تربوية أم نهج خاطئ..؟!!
«التربية قبل التعليم» إلا أنها ليست بالعصا.. كما أن «آخر العلاج الكي» إلا أن «الضرب» ليس آخر الحلول.. و«من علمني حرفاً صرت له عبداً» لكنها عبودية إجلال وتقدير.. وليست عبودية إذلال وتحقير.. في هذا «التحقيق» نتسأءل: هل ضرب الطلاب وسيلة مُثلى لتقويم سلوكياتهم.. وهل يمكن تأهيل المُعلمين لتحقيق الانضباط المطلوب داخل الصفوف..؟! «الشدة واللين» يدرك الجميع أن «العقاب البدني» يجب أن يخضع لتقنين أكثر أو يُلغى، وإن كان قرار منع ذلك صار «شبه مؤكد»، إلا أن الآراء والأطروحات حوله مازالت متباينة حتى اللحظة، مما ولد حالة من الإرباك تباينت فيها نتائج تطبيقه باختلاف المراحل التعليمية واختلاف مشارب القائمين عليها، فالبعض يعتقد بأن على المعلمين السيطرة على فصولهم ومعاقبة طلابهم بأساليب تربوية حديثة، والبعض الآخر يعتقد بأن القرار ساعد على تخطي الطلبة للحدود على طريقة «مَن أمِن العقوبة..!!». - وما يهمنا هنا هو رأي الأغلبية التي تؤكد أن العقاب الجسدي يضر أكثر مما ينفع، وأن أنجع وسائل التربية تلك التي بين «الشدة واللين» فهذا سلطان عبد الوهاب «مدرس» يقول: صحيح أنني متعود على اصطحاب العصا معي.. ولكني استخدمها للإشارة وأحياناً للتهديد.. فالضرب لايجدي. كما أضاف: الأستاذ قدوة.. وينبغي أن يستشعر ذلك تجاه طلابه.. وهو أيضاً الحاضن الثاني، ومصدر المعرفة المتدفق يغرس في أذهان تلاميذه المعلومة التي لا يستطيع أحد محوها إلا الأستاذ.. - يشاركه الرأي زميله جمال عبد الباري.. فالضرب بدون سبب أسلوب خاطئ ينمي لدى الطالب الإحساس بالظلم ويبعث في نفسه رغبة عارمة بالانتقام.. ويضيف: لونبش الواحد منا ذاكرته لوجد أن المواقف التي تعرض فيها للظلم باقية.. خاصة تلك التي في مرحلة الطفولة والمتسبب بالظلم يبقى محتقراً حتى وإن تحسنت تصرفاته، واستدرك جمال: وإن زاد الظلم ولد الانحراف.. والتربية فن وأخلاق وحسن تعامل.. - فيما يعتقد الطالبان مروان محمد الوجيه ونشوان عبد العزيز أن ثمة معلمين ومدرسين في العديد من المدارس لا يراعون مشاعر الطلاب ولا يقدمون الرعاية لهم أو يهتمون بشؤونهم.. لكنهما يتباينان في الرأي إزاء استخدام العنف ضد الطلاب وضربهم، حيث يرى مروان أن من الخطأ أن يُضْرَبَ الطالب أو يُهان في المدرسة، أما نشوان فيعرب عن إعتقاده بأن إستخدام الضرب قد يكون مفيداً في بعض الأحيان، من أجل توجيه الطالب نحو الطريق الصحيح. جيل «جبان» يعتقد كثير من المُهتمين أن العقاب البدني أضحى «تراث عقيم» ينم عن نقص وعدم دراية في قدرة المعلمين على تحقيق الاهداف التربوية، وهو أيضاً حسب توصيف الدكتور محمد علي الحاج «أسلوب فاشل» يمارسه الآباء أو المعلمون لعدم قدرتهم على فهم نفسية الطفل وكيفية التعامل معه وتلبية حاجاته، مشيراً إلى أن الوضع الشخصي للمدرس نفسه يبرز كسبب أيضاً، فقد يعكس بعض المعلمين مشكلاتهم الأسرية على طلابهم مما يؤدي في النهاية الى خلق جيل «جبان» يخاف من السلطة الأعلى طالما استطاعت معاقبته، ويخالف القوانين اذا ما تأكد انه بمنأى من العقاب. - ويواصل الحاج تعداد مساوئ «العقاب الجسدي» بدءا من الآثار النفسية التي تتعدى آثارها الزمان، وتلازم «الضحية» على الدوام من خلال التأثير على سلوكه وشخصيته، ويتجاوزه إلى الأبناء في طريقة تربيتهم، وصولاً إلى أن الطفل «الضحية» يعتاد على الضرب ولا يؤلمه، ويزداد تمردا وعدوانا وحبا في الانتقام ممن أهانه ومن المجتمع وأقرانه، وقد يدفعه «العقاب» للكذب لينجو من الضرب، أو ترك المدرسة أو المنزل ويُعرض عن المعلم الذي يؤذيه ويهينه، وقد يصاب الطفل بعاهة بدنية أو نفسية أو يعيش بالخوف جبانا مهانا، ويشعر بالذل والخنوع، ويتعلم الطفل أن الضرب بمثابة وسيلة للتنفيس عن الغضب والإحباط، مما يدفع الطفل لانتهاج هذا السلوك مع أقرانه وأخواته. - وحث «الحاج» جميع المعلمين والمعلمات على عدم إمتهان كرامة الطلاب، كون العقاب البدني والنفسي يؤدي إلى تبلد الحس الذهني وفقدان المعنى الصادق للإحساس بالمسؤولية، وتكوين اتجاهات سلبية لدى الطلاب والطالبات تجاه المدرسة والمعلمين والمعلمات، الأمر الذي يتعارض مع مفهوم العقاب التربوي الذي يهدف إلى معالجة الممارسات الخاطئة من الطلاب، بما يؤدي إلى تقويم شخصية الطالب أو الطالبة وجعله أكثر إيجابية لفهم ذاته وتنمية قدراته على حل مشكلاته. تأثير كامل وفي ذات السياق قسم علماء النفس التربوي تأثير العقاب على الطفل في مختلف جوانبه الحياتية، بدءاً من المجال الانفعالي حين يؤدي إلى ضعف الثقة في النفس والمعاناة من الاكتئاب والتوتر والقلق الدائم والحساسية المفرطة والشعور بالدونية والرغبة في التودد والنكوص وفقدان الاحساس بالأمان، وردود فعل عصبية سريعة، بالإضافة إلى جلد وتعذيب الذات، وفي المجال السلوكي يولد الخوف والسرقة والكذب وضعف القدرة على الاتصال وضعف القدرة على التركيز والانتباه وتحطيم الأثاث والتلفظ الكلامي والتشكيك بالشخص الأضعف والحيوانات، وفي المجال التعليمي يتدنى مستوى التحصيل الدراسي والتأخر عن المدرسة وتعمد الغياب والعزوف عن المشاركة في الأنشطة الصفية واللاصفية والتسرب الدائم والمنقطع. - وفي المجال الاجتماعي يولد الخمول الاجتماعي والانعزال عن الناس والعدوانية تجاه الغير وفقدان التعاطف والتراحم مع الآخرين وقلة المشاركة في الأنشطة الجماعية.. وباختصار فإن ردة الفعل تتمثل بالعجز والإحباط والقهر والحقد والرغبة في الانتقام. أجمعت «جميع» الحقائق والإنسانية أن الضرب ليس وسيلة تربوية ذات جدوى، فهي تضر أكثر مما تنفع.. وتهدم ولا تبني.. وفي الوقت الذي فيه كل شيء من حولنا يتطور.. تطورت أيضاً الأساليب التربوية، وصارت أكثر إنسانية وصرامة، فقد جعلت العلاقة بين الأستاذ والطالب قائمة على الاحترام والتقدير وفق علاقات إنسانية مثالية.. - انسجاماً مع تلك التطورات كرست وزارة التربية والتعليم جهودها لتكريس مبادئ التربية السليمة والحديثة في صفوف رجالها التربويين، وبذلك أصبح «العقاب» بشتى أنواعه وسيلة مبتذلة يترفع الجميع عن استخدامها بعد أن عرفوا أضرارها النفسية والجسدية.. والمصيبة أن الواقع أثبت وجود حالات نشاز «نادرة» صار الطالب ضحية والأستاذ مُجرماً يُحاكم..! الجدير ذكره أن وزارة التربية والتعليم استشعرت أهمية أن يكون المدرس على اطلاع ودراية بأهم وأنجح الأساليب التربوية وأقامت لأجل ذلك الدورات التدريبية للعاملين في سلك التربية والتعليم في جميع محافظات الجمهورية.. عند الضرورة..؟! للعقاب البدني أهمية بالغة عند البعض من حيث تقويم الطالب المشاغب دون الاعتداء عليه او إهانة كرامته، كأن يرغم على الوقوف عدة دقائق حتى شعوره بالارهاق، على اعتبار أن الاجيال السابقة كانت اكثر انضباطا وتفوقا لانهم كانوا يعاقبون في حالة الخطأ، فيما يرفض آخرون اعتماد مبدأ العقاب البدني بتاتاً، كونه يتناقض مع المعايير التربوية التي تسعى لضبط سلوكيات الطلاب. - وعن هذه الجزئية بالذات يجزم فهمي أمين المقداد «باحث تربوي» أن موضوع الضرب من المواضيع الأزلية والشائكة والجدلية في التربية من أقصى التشدد في معارضتها لأقصى التشدد في استخدامها، وأنه يجد نفسه «كأب» أحيانا مضطراً للجوء للعقاب الجسدي المقنن بعد استنفاد وسائل التقويم الأخرى، وهو رغم ذلك يضع ملاحظات على هذه «الأخرى» المتمثلة ببعض الامتيازات «كمصروف الجيب أو الخروج مع الأصدقاء..» فكل وسائل العقاب عنده مرفوضة.. ثم عاد صاحبنا محمد واستثنى «ليست على الإطلاق!» مقنناً ذلك بأن يكون بقدر وحساب وعند الضرورة، واضعاً «الحب والحنان والمصارحة والاستماع للآخر والتقدير والتشجيع وتفهم الاحتياجات والدعم والمساندة وتقديم القدوة الحسنة..» وسائل بديلة، متمنياً من كل القائمين على تقويم السلوك سواء الأب أو الأم أو المعلم الأخذ بذلك.. لا للضرب يشاركه الرأي قاسم عبد العزيز؛ فالمدرس عندما يفكر بالضرب دليل عجزه في استخدام وابتكار الأساليب التربوية، ويختلف معه في جزئية تفعيل العقوبات البديلة «كحرمان الطالب من نشاط معين» فهي باعتقاده مهمة «فالحرمان» يولد توبة وإقلاع عن الذنب، ويتسأل: متى نرتقي وتصبح المدرسة أعز صديق للطفل، بشكل يتحقق فيه طموح أن يكون عدم الذهاب إلى المدرسة هو بحد ذاته عقوبة للتلميذ.. ويشير أنه كلما كانت البيئة الصفية والمدرسية مهيأة للطالب لن يكون هناك ضرورة للضرب, والحوار مطلوب وعلى المعلم أن يعتمد الحوار لان الضرب أسلوب. - وقد وضع علماء النفس التربوي أساليب تربوية بديلة للعقاب الذي قد يلجأ إليه مدرسو الأطفال، وعرفوه بأنه الاستعمال المقصود للقوة سواءً بالتهديد أو الممارسة الفعلية ضد الطفل بقصد أو بغير قصد.. - يبقى الضرب بدون سبب أسلوباً شاذاً.. والافراط بالضرب «أيضاً» نهج خاطئ يأباه الواقع ولا يستسيغه العقل.. ومن ينتهجونه.. قليلون جداً.. وهناك شواهد عدة لكنها لم تلق الذيوع والانتشار وحلها لم يتجاوز «سور المدرسة» وعقوبتها لم تتجاوز «لفت النظر!». حماية قانونية حقوق الطفل تمثل جزءاً مهماً ورئيسياً في حقوق الإنسان، وقد أكد الدين الإسلامي تلك الحقوق وحرم المساس بها وحددها في جملة من قيم الخير والحق والعدل والكرامة والتعاطف وتوفير الرعاية الخاصة، وأعطت التشريعات الدستورية والقوانين النافذة المستقاة من قيم شريعتنا السمحة حقوقاً متساوية للذكور والإناث وسعت لإيجاد مجال قانوني لمرحلة الطفولة ومتطلباتها ومجالاتها في الرعاية والحماية. - كما أن قانون حقوق الطفل اليمني رقم «54» لسنة 2002م يعد أول قانون يمني يعنى بالطفولة بشكل شامل ومتكامل ويمثل القانون تطوراً على صعيد حماية الطفولة، وتحددت عن ذلك أهداف عدة أبرزها توفير الحماية القانونية لضمان حقوق الطفل وعدم المساس بها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة، وحماية الأطفال من جميع أنواع الاستغلال وتحديد الجهات المنوطة بها الرقابة على مدى الالتزام بحقوق الطفل والعمل على نشر الوعي بهذه الحقوق وإبراز خصوصيتها وأهميتها. حدود الله من جهته الشيخ علي القاضي يذكرنا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم :«أومروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر» شارحاً ذات الحديث بأن نضع للطالب الحرية في اللعب الى سن سبع سنوات، على أن تبدأ الأوامر من سن السابعة الى سن العاشرة، ويكون التأديب بالضرب بعد ذلك، وفي الحالات الحرجة فقط وبدون تحقير بمعنى «آخر العلاج الكي» . - ويوضح الشيخ القاضي الصورة أكثر: فللمدرس الحق أن يضرب الطلاب ضربا يحصل به المقصود - وهو التأديب وإلزامه بالتعليم ولا يلحقه منه ضرر.. مستدلاً بضوابط وقيود وضعها الفقهاء من قبل، بأن يكون الضرب معتاداً ألما وكيفاً ومحلا، يعلم المعلم الأمن منه ويكون ضربه باليد لا بالعصا وبقدر الحاجة ولا يتجاوز فيه عشر ضربات لما في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجلدوا فوق عشر إلا في حدود الله تعالى».