كنت استمع إلى برنامج إذاعي مباشرةً وعلى الهواء في طريقي إلى العمل من راديو "ن- بي- ار"، وكان الحديث شيقاً ويدور عن "الصين" واقتصادها الذي أذهل العالم بنموه الخارق والمستمر والذي تجاوز ال 10% سنوياً.. الصين التي ستصبح "القوه الخارقة والوحيدة" في العالم خلال ال15 عاماً القادمة , وباعتراف أمريكا بنفسها. من كان يصدق أن الدولة الماركسية الأولى في العالم ستتحول إلى دوله رأسمالية..!؟ أتذكر منذ سنوات ليست بالبعيدة أن شراء المنتج "الصيني" كان يعني "الرداءة" بكل ما تعنيه الكلمة، أما الآن فقد اختلف الوضع تماماً، فالبضائع الصينية الممتازة تملأ أسواق التبضع في كل الولاياتالمتحدة، وليس من قبيل المبالغة أن يقال إن حياة المواطن الأمريكي تعتمد على المنتجات الصينية – بشكل أو بأخر- منذ أستيقاضه صباحاً إلى مبيته مساءً. الهواء هو الشئ الوحيد الذي لم "يُصنع" بعد في الصين"، مع أن فلترات الهواء الملوث هنا مُصنعه في الصين. والصينيون الآن ينتزعون من أمريكا الكثير من الألقاب – بدون مصارعه وبلا منازعه - والتي احتفظت بها الأخيرة لعقود طويلة. فأكبر بنك الآن في العالم ليس أمريكي بل هو صيني.. واكبر شركة تأمين في العالم هي صينية، واكبر شركه نفطية هي في الصين ايضاً، والأهم من هذا أن أكبر عدد من المليارديرات في العالم هم الآن صينيون. والقائمة طويلة وليس هناك مجال لذكرها كلها.. الصين تخطط الآن لوضع أول رجل فضاء خلال العشرين سنه القادمة، لتكون الدولة الثانية بعد أمريكا ومتفوقه بذلك على روسيا- رائدة الفضاء الأولى.. عسكرياً زادت الصين من إنفاقها الدفاعي للعام الحالي بنسبه 17% أو إلى 45 بليون دولار. ولعل أمريكا شعرت بمدى السرعة المذهلة التي ينموا فيها الاقتصاد الصيني – وشعرت بالخطر- فبدأت في تعليم أبناءها اللغة الصينية. وبالرغم من إن البرنامج متواضع جداً ولا يتعدى العشرات من المدارس الابتدائية على امتداد القارة الأمريكية, إلا انه يعكس التفكير للمستقبل في كيفية التعامل مع هذا العملاق القادم والنائم الذي أستيقظ فجأة وتربية أجيال تستطيع التعامل معه "لغوياً" حتى يتم منافسته– وكبح جماحه- اقتصادياً. فتحت الصين مدنها وقراها وبحرها وسماءها للاستثمار- بلا حدود أو قيود.. وهناك نموا "صحي" مستمر للطبقة الوسطى التي ستشكل الشريحة العظمى للشعب الصيني خلال ال 50 عام القادم لشعب يتجاوز المليار نسمة. ولكن دعونا نتوقف هنا للحظه واحده فقط- هل هذه "الطفرة" الاقتصادية حصلت في ليله وضحاها ؟ الإجابة طبعاً— لا. القصة باختصار تعود إلى عام 1978 عندما قرر قادة الحزب ورجال الدولة على كل المستويات ومعهم ممثلوا الشعب "إن الوقت قد حان "للإصلاح السياسي والاقتصادي". وخرج الجميع بما يعرف "عناصر التحديث الأربعة" كأساس للتطور الحضاري وهي "العلوم والزراعة والصناعة والدفاع"، وتم وضعها كأساس لتحديث الصين. " في عام 1964 الأربعة تم اقتراحها من Zhou Enlai، والعجيب أن "زو ألينا"- الذي اقترح عناصر التحديث- لم يكمل دراسته الجامعية عندما بعثته أسرته للدراسة في اليابان في العام 1917 والتي كانت تمارس ثقلاً سياسياً على الصين- قبل أن تغزوها في 1937م، لكنه خلال دراسته كان متحدثاً جريئاً ضد السياسة اليابانية في بلاده. ويروي زملاءه حواراً معه ومجموعة منهم، سألهم : كيف يمكن أن ننقذ بلادنا الصين؟ فكان ردهم أن ندرس، وأن نصبح متعلمين في كل مجالات العلوم والمهن. الصين تحتاج للنخبة، من الأطباء والمهندسين، والمعلمين. "ولكن لماذا؟" سألهم "زو ألينا"- بدهاء: "إذا كانت الصين ستختفي فما هي الفائدة من الدراسة؟ الصين التي نراها اليوم ليست وليدة اليوم واللحظة، إنما هي وليدة قائد عظيم ورجال عظماء.. فهل هناك عظماء في اليمن!؟