قاطعت مختلف وسائل الاعلام اليمنية واحدة من كبريات "المهازل" التي نظمتها وزارة الثقافة تحت شعار "تكريم الصحافيين الثقافيين"، وأحجمت عن تداول أخبارها بعد إقصاء كل الصحفيين الثقافيين، وحصر التكريم في شلل مخضرمه لا علاقة لها بالاعلام. في نفس الوقت، تصاعدت دعوات الوسط الثقافي المطالبة بإقالة مدير مكتب وزير الثقافة على خلفية ممارسته مهام الوزير، والعبث بمقدرات الوزارة، وسط تحذيرات من أن السياسة القائمة تدفع باتجاه تشطير الساحة الثقافية، وتفتيت صفوف المثقفين. وبحسب مصادر وثيقة الصلة ل"نبأ نيوز": فإن "شلة مخضرمة" داخل وزارة الثقافة، كانت سبباً في إقصاء وزيرها السابق خالد الرويشان، هي نفسها التي تمارس اليوم العبث والفوضى، وقامت بإقصاء أبرز الكوادر الصحافية - من التكريم- والتي تعمل في وسائل إعلامية كبيرة مثل وكالة سبأ، وصحيفة الجمهورية، و14 أكتوبر، وجميع كوادر المواقع الاخبارية البالغ عددها (72) موقعاً تقريباً، بينها ثلاثة متخصصة بالأدب والثقافة. فقد قام وزير الثقافة الدكتور محمد أبو بكر المفلحي أمس الخميس بتكريم العشرات ممن يشغلون وظائف إدارية داخل الوزارة، وفي مؤسسات أخرى بدعوى أنهم صحافيون، إلى جانب أشخاص أما مجهولون أو مغمورون ولم يسمع بهم أحد- وطبقاً للقائمة التي أعدتها لجنة في الوزارة- وهو الأمر الذي فجر استياءً صاخباً في الوسط الاعلامي جراء سياسة التهميس والاحلال ومصادرة الجهود. من جهة أخرى، صعد المثقفون اليمنيون موجة التذمر من مدير مكتب وزير الثقافة معاذ الشهابي مؤكدين أنه اصبح الوزير الفعلي للثقافة، الذي يتحكم بكل شيء، ويستبد بممارساته أزاء المثقفين بلغة من التعالي والعجرفة، ويقطع عليهم كل سبل الالتقاء بالوزير، خوفاً من ايصال شكوى الوسط الثقافي له.. وقد شهدت عدة صحف خلال اليومين الماضيين توجيه انتقادات لاذعة له. وقالت مصادر ثقافية ل"نبأ نيوز": إن مدير مكتب الوزير أبرم مؤخراً صفقة إيجار مبنى للثقافة بقيمة (1.300.000) ريال في الوقت الذي لا تتعدى قيمة ايجار المبنى في سوق العقارات (500.000) ريال. وفيما دعا المثقفون الدكتور المفلحي الى إقالة مدير مكتبه، فإن وسائل الاعلام ما زالت تشكو من قيام سكرتارية الوزير باحتكار الأخبار والبيانات المرتبطة بإقامة الانشطة والفعاليات الثقافية ووصول الوفود، والقيام ببيعها لوسائل الاعلام- خاصة الرسمية- فيما إمتنعت بقية الوسائل المستقلة والحزبية عن الدفع لمن شاعت تسميتهم ب"سماسرة الأخبار" الذين يبيعون نفس الخبر لعدة وسائل في آن واحد، ويتقاضون من الجميع أجور- رغم أنهم لا يمتون بصلة للعمل الاعلامي، وإنما توارثوا الوظائف.. وهو الأمر الذي سبب غياب المعلومة الثقافية في معظم وسائل الاعلام. وتفيد المصادر: أن وزارة الثقافة- وبفضل فئة صغيرة مخضرمة من النفعيين الذين توكل اليها دائماً مهام إعداد الأنشطة والفعاليات والاقتراحات- تحولت الى مصدر لبث الفرقة، وتفتيت صفوف الوسط الثقافي جراء الحساسيات التي تخلقها تلك الفئة، والتهميش للآخرين وعدم مبادرة الوزير إلى تدوير المهام والمسئوليات لتجديد وإنعاش حيوية الوزارة التي مازالت جاثمة تحت رحمة عقليات تكرر أدوارها مع جميع الوزراء المتعاقبين على قيادة الوزارة- كما لو أن البلد لم تنجب غيرهم- على حد تعبير المصادر- منوهة إلى أن معظم هؤلاء مرتبطون بوظائف في مؤسسة إعلامية واحدة. وتضيف: إن الوزارة تحتفظ بقوائم طويلة من مئات الأسماء التي تتقاضى مكافآت مالية شهرية منذ سنوات وتحت مسميات شتى، دون أن تكون هناك ضوابط ولوائح لتوصيف المستحقين، ودون أن تخضعها الوزارة لأي عمليات مراجعة وتدقيق سنوية للتأكد من شخوصها، ومدى فاعليتهم في الساحة، الأمر الذي حول هذه الباب المالية الى إحدى أبواب الفساد المالي التي يرتع فيها العاطلون، وممن ليست لهم علاقة بالثقافة، أو النائمون في البيوت، في حين ظلت العناصر النشيطة والفاعلة، وهم عشر العدد الموجود، تنال نفس القدر من المكافآت- أسوة بالنائمين- مما حرمتهم هذه السياسة العبثية من فرص التألق، وتقديم المزيد من النتاج المشرف لبلدهم، وانعاش الساحة الثقافية الخاملة. وبتقدير العديد من المراقبين فإن ساحة النشاط الثقافي اليمني أمست بحالة "موت سريري"، حيث كان من السهل اختراقها بثقافة الفتنة المذهبية أبان تصاعد المواجهات في صعدة، ثم إجتاحتها بلمح البصر مؤخراً بثقافة مناطقية ونزعات انفصالية، ودعوات تذكي العدوانية ضد أجهزة أمن الدولة، وضد المنشآت الاقتصادية- معتبرين ذلك هو نتاج الفراغ الثقافي الذي تعيشه الساحة، والغياب الطويل للمثقف والمبدع عن أدواره، وبإقصاء وتهميش متعمد من قبل نفس "الشلة" المخضرمة في ثنايا الوزارة، التي تتهيب كل مبدع وتجاهد في إقصائه خوفاً أن يشغل مواقعها اللصيقة بكرسي معالي الوزير. كما يعتبر المراقبون ذلك بمثابة "هزيمة" تسجلها الثقافة أمام "العصبية الحزبية"، و"قوى التطرف" التي ما زالت تستهدف الصناعة السياحية، والاستثمار الوطني- ليفز حينئذ "الجوق" الثقافي النفعي، ويقترح المبادرات الاحتجاجية مرفقة بالميزانيات المالية- ثم يغط مجدداً في سباته لبقية العام.. فيسلم بذلك الراية للآخرين ليعبئوا الساحة على امتداد العام بما شاءوا من الايديولوجيات والفتاوى والدعوات العنصرية.. وزارة الثقافة التي حرصت ذات يوم على عقد اجتماع لمناقشة مشكلة قوارير الخمر التي تعثر عليها صباح كل يوم في ساحة المركز الثقافي، لم تسأل نفسها: يا ترى أين ذهب الذين لا يحتسون الخمرة!؟ ولو سألت نفسها لكان الأمر كله قد تبدل حين تعثر عن الجواب! إن من يتابع الفعاليات والأنشطة التي تقيمها وزارة الثقافة بين الحين والآخر، ستذهله المفاجأة بضحالة عدد الحضور، وبأن هذه الوجوه هي نفسها التي تتكرر في جميع الفعاليات، فيما يبقى 22 مليون مواطن يمني "خارج نطاق التغطية"، لا يعلمون عماّ جرى إلاّ عبر نشرة أخبار السابعة بالفضائية اليمنية التي تشكو إلى الله عزوف المشاهدين عن متابعتها.. ومع هذا فإن المراقبين يؤكدون أن في اليمن "جيشاً" من المثقفين والمبدعين، لكنهم لا نصيب لهم من إمكانيات الوزارة لدعم ديمومة وإنسيابية عطائهم، فذلك "الجوق" النفعي يضرب طوقاً على كل شيء.. لذلك فإن نادي القصة "المقه"- مثلاً- الذي أثبت جدارته وانتظام نشاطه الأسبوعي، ظل يقيم فعالياته في بيت صغير بحارة شعبية تعج بضجيج الصغار.. أما موقع "عناوين ثقافية"- أول صحيفة ثقافية الكترونية تصدر الثقافة اليمنية إلى الخارج بكل مهنية ومثابرة، ما زال يشاطر الثنائي المبدع أحمد عبد السلام وسوسن العريقي الرغيف، كما لو كان إبنهما الوحيد.. بينما تهدر الملايين على النائمين في البيوت، وعلى فعاليات موسمية يقترحها، وينظمها، ويدعو لها، ويحضرها نفس "الجوق" الجاثم على صدر الثقافة، ويمنعها من تنفس الصعداء منذ سنين! وأخيراً، فإن المراقبين يصفون الوزير الدكتور المفلحي بأنه "ثروة وطنية" حقيقية، ويعتقدون أن هذه الأوضاع هي نتاج عهود سابقة وليست وليدة العهد الوزاري الحالي، إلاّ أنها تمثل حالياً تحدياً أما الوزير لن يتجاوزه بغير رمي أسمال ذلك الموروث السلبي عن كاهل الوزارة، وتدوير الوظائف والمراكز، وجعل الكوادر النشطة وذات الغزارة الثقافية في واجهة الوزارة- لكونها وجه الدولة اليمنية، وإعادة النظر بكل المنافع المادية الموهوبة للمثقفين على أساس ما يقدمونه من عمل، وليس البطاقة- واستثمار مستحقات من سيتم إلغاء منافعهم في مضاعفة العطاء للمبدعين والعاملين الحقيقيين في الميدان – حتى لو ذهب الرصيد كله لشخص واحد طالما وهو الوحيد الذي يخدم وطنه.. كما لا ينبغي إعتبار إيرادات صندوق التراث كما لو كان "فيد" أو "غنيمة" يتقاسمها الغانمون بشتى الذرائع، بل جعل معايير العمل المقدم هو أساس الاستحقاق والمساعدة، واستثمار الموارد الفائضة في توسيع الانشطة والفعاليات، ودعم المبادرات الجديدة.. وما دام هناك شبه إجماع لدى من هم مشهود لهم الصدق والأمانة على سوء تعامل مدير مكتب الوزير، وسوء القائمين على المكتب الاعلامي المناط به الترويج لأنشطة الوزارة والحراك الثقافي العام، فقد بات حقاً على معالي الوزير البحث عن بدائل أمينة ومخلصة وتقدر مسئوليات المهام التي تؤديها أي وزارة ثقافة في عصر الثورة المعلوماتية، وفي زمن رهان وطني على قهر كل التحديات الخطيرة المتربصة بالهوية الثقافية والوطنية اليمنية. إقرأ على نبأ نيوز: إعلان هام لاتحاد الأدباء يحث أعضاءه على غسل أرجلهم