إن التفاعل والحماس الذي يبدية الزملاء والمسئولين في الاتصالات مع كل ما أكتبه في الصحف المختلفة عن الاتصالات ناقداً أوضاعها، مسلطا الضوء على أوجه القصور فيها، هو الذي يمدني بالشجاعة لمواصلة هذه المهمة على الرغم من صعوبة الكتابة في موضوع واحد ولمرات عديدة. ولكي أحافظ على المصداقية في ما أكتبه لابد لي من المغامرة وتحمل نتائج هذه الكتابة سلبا وإيجابا وهذا ما سأحاول توضيحة اليوم من خلال السطور التالية، مكتفيا بالإشارة إلى بعض ما يعانية عمال الاتصالات، مؤجلا الحديث عن الأنظمة والتقنيات وكل ذلك استجابة مني لزملائي بعد أن خذلتهم نقابتهم وخذلهم الآخرون. ولأجل الخوض في التفاصيل لابد من القول في البداية أن الاتصالات بشكل عام ليست في أحسن أحوالها، وأنها المرة الأولى في تاريخها التي يتفق فيها رأي الأغلبية من عامليها- يستوي في ذلك الموظف الصغير، والمدير الكبير، وحتى المتعاملين مع الاتصالات من شركات وتجار وزبائن.. الجميع يتذمر، ويشكو سوء حال الاتصالات، وما صارت إليه. ودائما لا يجتمع أصحاب المصالح المختلفة والمتضادة على رأي واحد إلا عند وجود مشكلة أو مشاكل كبيرة وحقيقية تهدد مصالح جميع الأطراف؛ وعليه لا يمكن إعتبار هذا الإجماع بأنة يدخل في إطار الدعاية المضادة والمضللة التي يبثها الحاقدون أو الغرماء المنافسون أو الحساد والمرجفون. ولأجل تبديد الشكوك ومعرفة الواقع كما هو لابد من النظر إلى الاتصالات من الداخل، ومشاهدة حال الموظفين، ونقل معاناتهم. وعلى إعتبار الموظف أساس كل عمل، وصانع كل نجاح، فأن عمال الاتصالات ونتيجة لمعاناتهم لم تعد شكواهم همسا أو رمزاً، ولكنهم يصرخون جهرا عسى أن تجد أصواتهم من يسمعها فلسان حال الغالبية منهم يرددون بالقول: ضيقوها علينا زيادة، فلا مكافاءات، ولا حوافز، ولا إضافي ينفع، ولا بدل سفر معقول- تسافر أسبوع يحسبون لك يوم. ورغم صعوبة العمل ومخاطره لا يصرفوا لك بدل علاج سواء، ولا بدل مخاطر، ولا إستراتيجية أنجزت رغم ما تم صرفه لأجل إنجازها.. وحتى الأرباح هذه السنة قصقصوها.. هذا غيض من فيض بعد ما كان موظف الاتصالات يضرب بحقوقه وامتيازاته المثل صابتة العين، وابتلى بالحساد من داخل وخارج. وكما يقول المثل "دوام الحال من المحال"! هذا بعض ما يعانية الموظف الرسمي، أما الموظفين المتعاقدين وعمال الأجور فحدث ولا حرج! فقصتهم فيها من الظلم والألم وضياع الأمل الشيء الكثير، فحوالي (1500) موظفاً متعاقداً، ومثلهم وأكثر بالأجور خدموا في جميع مفاصل الاتصالات في جميع المحافظات، منهم إداريين وماليين أكفاء، ومنهم الفنيين الذين نقشوا اسم الاتصالات في السهول وعلى قمم الجبال، وأوصلو خدمة الهاتف إلى كل مدينة وقرية في البر والبحر بامتداد الوطن..! فماذا أعطتهم الاتصالات، وبماذا كافأتهم!؟ خاصة وأن منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر..! سنوات طويلة وهم بانتظار تثبيتهم، وبدلا من ذلك يثبت غيرهم، والحجة الدائمة أنهم غير مؤهلين!! ونحن نرد عليهم: طيب أهلوهم مثلما تؤهلوا المؤهلين الجدد- والحليم تكفية الإشارة- وإلى هنا ويكفي شرح المعاناة، وتعالوا نشوف كيف يتم حل هذه المشاكل- عفوا الإشكاليات- حتى لا يزعل منا أحد. طبعاً، تعتقد قيادة الاتصالات أن الحلول لهذه المشاكل لا تأتي إلا بعد عقد الاجتماعات الطويلة في الصباح والمساء ولعدة أيام وأسابيع وشهور، يتم بعدها تشكيل اللجان المختلفة لكل قضية- فمثلا لجنة لوضع آلية لصرف المكافآت، ولجنة لوضع آلية لحل مشكلة بدل السفر، ولجنة لوضع آلية لصرف الإضافي، ولجنة لوضع آلية عمل اللجنة الأولى، ولجنة لوضع آلية لعمل اللجان، ولجنة لدراسة آلية عمل اللجان، وهكذا طوال العام، وفي أحسن الأحوال يتم اتخاذ قرار بإعادة المشكلة مرة أخرى للاجتماع والمناقشة وإبداء الرأي وتشكيل لجان جديدة لحل مشاكل اللجان السابقة.. وبعد هذا يقولون لك كل شي تمام..!! ونحن نقول لهم: لا كل شي مش تمام..! وإلاّ لماذا التقتير على العاملين والاتصالات تحصل المليارات، وتودعها في البنوك المختلفة؟ شي بالريال، وشي باليورو، وشي بالدولار، وهذا شيء يعرفة أولاد العمة والخالة..! ورغم إعتقاد الناس أن الاتصالات جهة إيرادية يعول عليها دعم الاقتصاد الوطني، إلا أنها في الحقيقة مدينة لمن هب ودب، للضرائب وللمالية وللشركات والتجار، وأنها يا رحمتاه، طوال السنة وهي تسدد الديون، وفوق هذا وذاك فان هذا المحصل ينهب (30) مليون، وهذا يسلب (20) مليون، وثالث، ورابع بلا حساب ولا عقاب، لا للمختلس، ولا للمسئول عليه.. ورغم هذه الظروف الصعبة للاتصالات فأنها لا تنسى أعمال الخير، فتساهم في حل مشاكل الجمعيات الخيرية من خلال منحها بعض الامتيازات المادية التي تحرم أبنائها منها، كما تساهم في رعاية مهرجانات الفن والطرب، وغيرها من الاهتمامات والأعمال والتي تكلفها الكثير. ولأجل توفير الأموال اللازمة لمواجهة التزاماتها، ولأجل زيادة إيراداتها فإنها أصبحت تؤجر المباني والاحواش التابعة لها، وتؤجر الأبراج والمولدات والأراضي، وتقوم بأعمال المقاولات المختلفة من خلال إدارة الإنشاءات، والمهم استثمار وتحسين الدخل الذي لا بنشوفه حين يدخل ولا حين يخرج..!! هذه بعض المشاهدات الإدارية والمالية، أما عن الجانب الفني فحدث ولا حرج: السنترالات تبحث عن مشتركين، وكل عام اقل من سابقه، وبدلاً من البحث عن حلول للمشاكل الفنية المنظورة والمستقبلية للهاتف الثابت يتم تشكيل لجان لبحث مديونية المتأخرين عن السداد أكثر من (300) ألف مشترك لديهم متأخرات بمئات الملايين من الريالات..! وبدلا من محاسبة المسئولين عن تراكم هذه المديونية يتم تشكيل لجان لتحصيل ما أمكن تحصيله، ويتم الصرف على هذه اللجان أموال أكثر مما يتم تحصيله! وهكذا دواليك، لجان فنية ولجان إدارية و"الحسّابة بتحسب"..! وفي الأخير لابد من تذكير لجان تحديث الانترنت أن سرعته في بلاد خلق الله تقاس (بالجيجا والميجا)، وبسرعة الضوء وإحنا حقنا الانترنت بيمشي رجل، حافي القدمين، ولكنه عيسبر عندما يحولوه إلى شركة مساهمة مثل "يمن موبايل"، وتتحسن ظروفه ويصرفوا له بدل طبيعة عمل مثل الراتب عشر مرات، وعندها "ماحد أحسن من حد". والآن، وبعد هذا التوضيح البسيط لبعض ما يعانيه عمال الاتصالات لا ننسى أن نذكر أن هذه المعاناة لم تحدث إلا كنتيجة لما يعانيه قطاع الاتصالات الحكومية- كمنضومة متكاملة- وإن هناك خلل هيكلي واضح يجب معرفته واصلاحه ما دام في الوقت بقية، وما دام الأوان لم يفت بعد، وبالامكان- بقليل من الصبر والمثابرة والجرأة في اتخاذ القرار- إعادة الأمور إلى نصابها.. وقبل كل ذلك يجب الاهتمام بالبيت من الداخل، وبعدها نهتم بالجيران والأصحاب، وهو أهم ما تحتاجه الاتصالات بالفعل بشرط ألاّ يُعقد لذلك إجتماع، ولا تُشكل له اللجان، لان الاتصالات تكون دائما بدون لجان أفضل..!