تفاجأت كثيراً عندما قصدت مبنى المركز العربي الأمريكي "أكسس" الأيام الماضية، الواقع في وسط الجالية اليمنية في منطقة ديربورن "ديكس" مع أحد الاصدقاء حين رأيت أناساً كثيرين مرصوصين في صالة الإنتظار. تراجع صديقي إلى الخلف قليلاُ وأعتذر من جميع الواقفين هناك وقال لهم عفواُ على الإزعاج أنا لم أقصد هذا الصف الدراسي بل أريد أن أبحث عن عمل في مركز خدمات الجالية، والمثير للجدل أن جميع أؤلئك المرصوصين في صالة الأنتظار لم يخبروننا أنهم أيضاُ كذلك يبحثون عن عمل في مركز الخدمات كما لو أنهم يريدون أن نصطدم بغيرهم من الموظفين المتواجدين في أكثر من مكتب داخل المبنى. أتجه صديقي نحو مكتب إستقبال الزبائن بينما بقيت أنا أنظر إلى تلك الوجوه الغاضبة من طول ساعات الإنتظار، عاد صديقي بخفي حنين، وأصبح هو الأخر تظهر ملامح الغضب على وجهه. هكذا يتحدث الكثيرون في ديكس عن أنتظار ضروري في صالات المركز العربي الأمريكي (أكسس). وجدت نفسي أمام خيارين الأول أن أنتظر صديقي حتى يياتيه دوره، وينادي المنادي بإسمه فلان أبن فلان تفضل بالدخول إلى جنة الدنيا "أكسس ديكس"، أو جنة الأخرة "أكسس شيفر" ، وأما أن أقوم بإستطلاع صحفي وثائقي في تلك الصالات الضيقة التي لا يتجاوز عرضها حتى 3 أمتار وطولها 12 متراُ.. ساعتها نظرت إلى تلك الجدران التي تلامسها الأيادي يومياُ دون أن يفكر أحد من الزوار إطلاقاُ بما تحمله من معاني.. فقد وقع ناظري أولاُ على لوحة كبيرة تحمل خارطة الوطن العربي وعليها تظهر أشكال رجال ونساء يمكنك أن تعرف وطن كلاً إن كنت عارفاً بالأزياء الشعبية العربية. وقع ناظري ثانية على لوحة أخرى تحمل أكثر من معنى وجدت عليها صوراً من اليمن "عقيق- بريم- فضة- نقوش- لوحات- كتابات"، فعادت بي الذاكره إلى عالم السياحة العربية السعيدة "اليمن" وأسترجعت بعض الأشياء التي حملتها معي من أرض سبأ، من باب اليمن، من مآذن صنعاء القديمة، من صهاريج عدن ونطحات السحاب الحضرمية وأعمدة مآرب السبئية وأشرفية تعز وعامرية رداع والكثير الكثير من هذه المعالم والأثار التاريخية التي تتناثر في كل أرجاء الوطن طولاُ وعرضاُ. هنا تجد نفسك أمام خيارين أيضاُ الأول أن تشكر مركز أكسس العربي الأمريكي على هذه الإلتفاتة الكريمة لعرضه بعض الصور والمقتنيات الشعبية اليمنية في صالاته، وهو شكر غالباُ ما ياتي من أبناء الجالية اليمنية الذين لا يعرفون سوى تماثيل دار الحجر الجصية، وبوابة باب اليمن من الخارج.. وقد يأتي هذا الشكر أيضا من أشخاص لم يعرفوا شيئا عن تاريخ اليمن وحضارته العريقة..! أما الخيار الأخر هو أن تنتقد مركز أكسس على هذا التقصير الكبير في عرض النماذج المعبرة أكثر وأوضح عن الحضارة السبئية والتاريخ اليمني العريق التي من شأنها ان توصل الفكرة التي يسعى إليها المركز إلى أبناء الجالية بوضوح وشفافية، حتى لو كلفهم الأمر ان يتواصلوا مع جهات يمنية مسئولهة تساعدهم في أختيار اللوحات والقطع الأثرية التي قد تدفع بأبناء الجالية إلى التعلق بحضارة وتاريخ وطنهم أكثر، وتعزز في نفوسهم الثقة بعظمة تاريخ وثقافة اليمن؛ وهذا يجعلهم أكثر رغبة في العودة إلى أرض الوطن لقضاء الإجازات والعطل بقصد السياحة. هذا الإنتقاد لمركز أكسس دائماُ يأتي من الأشخاص الذين يعرفون تماماُ حضارة اليمن وموروثه الشعبي العريق وجمال طبيعته وروعة أرضه، فأمثال هؤلاء لا يقبلون فقط بمثل تلك الأشياء التي يعرضها مركز أكسس لتحكي تاريخ وحضارة اليمن في الوقت الذي هي لا تتعدى أن تكون تمثالاً من الجص لقصر "دار الحجر" التاريخي الذي يبلغ زواره مئات الألاف سنوياُ من مختلف دول العالم، والذي كان ولابد ان تكون هناك أكثر من تلك الأشياء التي اقتصرت على صور لقطع بسيطة من العقيق والفضة، وصور ايضاُ لنواع واحد من الأزياء الشعبية وبعض المقتنيات التي لا تعتبر شيئاً أمام تلك التي رأيناها في متاحف باب اليمنوصنعاءوعدن. وهنا رسالتي لأخواني أبناء الجالية العربية واليمنية في مركز أكسس والمتحف العربي الأمريكي الأعزاء أن مثل هذه الأشياء لا تعتبر شيئاً أمام بلد سياحي كبير مثل اليمن من أجل التعريف بكل ما هو جميل وتاريخي وحضاري من كل تلك المعالم التاريخية النادرة، وجمال الطبيعة اليمنية التي تحكيها لنا الوديان والطرقات والجبال وكل ما تقع عليه الأنظار.. ولا يتناسب أيضاُ مع حجم الجالية اليمنية، خصوصاُ والمغترب اليمني يومياُ في رحلة خيالية يقوم بها من مدن الإغتراب إلى عالم السياحة والموروث الشعبي العريق إلى صنعاء القديمة، إلى عدن الباسلة، إلى حضرموتوتعزومأرب، إلى كل اليمن، إلى الرحم الذي خرج منه كل العرب، إلى بلد الذكريات والمدن العظيمة المسورة بأساطير الحب والجمال ليستعرض من جديد كل ما في ذاكرته من مشاهد جميلة حملها معه من أرض الوطن الحبيب وهذا ما حصل معي حين تخيل لي أنني في رحلة خيالية إلى باب اليمن من صالات مراكز أكسس الأمريكية، وصالة القنصلية اليمنية في متشغان التي ما زالت فقيرة، وتعجز عن تقديم حتى "صفراً % " من تلك الخدمات التي يقدمها أكسس.. فضلاً عن أن القنصلية لا تمتلك حتى جزءً بسيطاً من تلك القطع والصور المعروضة في صالات أكسس.. بل لا تمتلك حتى صورة لرئيس الجمهورية، أو خارطة لليمن- أسوة بالسفارات والقنصليات في مختلف دول العالم.