في الخامس من مايو 2005م رفعت الجالية العربية الأمريكية قواعد مرحلة جديدة من مراحل التوسع والانخراط الكبير في أوساط المجتمع الأمريكي- الذي يعتبر مزيجاً من الأجناس والأعراق والديانات والثقافات والحضارات المختلفة- وذلك حين أسست، بل افتتحت الجالية العربية الأمريكية المتحف العربي الأمريكي الشهير بعد سنوات من الإعداد والبناء المكلف، إذ بلغت أجمالي تكلفة تجهيز هذا المتحف العملاق أكثر من (30) مليون دولار. في ذلك اليوم التقى رؤساء وقيادات الجالية اليمنيةالأمريكية بالسيد عمر موسى- أمين عام الجامعة العربية- في المتحف العربي الأمريكي بمدينة "ديربورن". وخلال حديث السيد عمر موسى مع شخصيات معروفة في الجالية اليمنية مثل الشيخ جمال علي مجلي، والأستاذ علي بلعيد المكلاني أعرب سعادته عن بالغ ارتياحه بالبيت العربي الواحد في أمريكا (المتحف العربي الأمريكي) وهو يشاهد معالم وأثار بارزة، ولوحات فوتوغرافية لمدن سياحية وتاريخية من كل بلد عربي في صالات المتحف، وأشياءً كثيرة من التراث العربي والفن الإسلامي المعاصر التي تؤكد عظمة العرب والمسلمين عبر التاريخ. وقد أطلعوه بعد أن رحبوا بزيارته لهم بآخر التطورات في حياة الجاليات العربية، ودور العرب البارز في الحياة في كثير من الأعمال والمستوى الذي وصل إليه العرب الأمريكيين في أمريكا الشمالية خصوصاُ في ولاية "متشغن" التي يقيم فيها كثير من العرب- بينهم الأطباء والمحامين والقضاة والمعلمين والعسكريين والمهندسين ورجال الأعمال والموظفين وغيرهم. ووجهوا له الشكر الكبير باسم أبناء الجالية اليمنية لحرصه على حضور افتتاح مثل هذا المشروع الضخم الذي يضم في أحضانه كل أبناء العرب المهاجرين في أمريكا. كان لابد لمدينة ديربورن الشهيرة من احتضانه، كونه أول متحف بارز يقوي ويوثق العلاقات العربية الأمريكية ، ويجعل الشمس تسطع بالمعرفة والتاريخ، وأن تكون مقراً مناسباً لتأسيس أول متحف عربي أمريكي من هذا النوع كونها تضم عشرات الجاليات- أكبرها العربية الذي يصل تعدادها مئات الآلاف- وقد شارك حفل الافتتاح السيد عمر موسى أمين عام الجامعة العربية وحضور من الكونغرس الأمريكي، وشخصيات رسمية، وسفراء عرب وآلاف من أبناء العرب الأمريكيين من مختلف الولاياتالمتحدة؛ فهو أول متحف عربي أمريكي يؤرخ ويوضح للجميع سيرة حياتهم وهجرتهم منذ مئات السنين. والمعروف إن المركز العربي للخدمات الاقتصادية والاجتماعية (اكسس) أشرف على بنائه وبتكلفة باهضة، بمساهمة عدة دول وجهات منها: دولة قطر، والمملكة العربية السعودية، ومنظمة أوبك، وشركة "جنرال موتورز"، وأكثر من 20 شركة أمريكية أخرى. وتم بناء المتحف على مساحة (38) ألف قدم مربع ومكون من ثلاثة ادوار. ويهتم الطابق الأول بعرض إنجازات العرب العلمية التاريخية في بعض المجالات، أما الثاني يحتوي عدة أجزاء منها للحديث عن مرحلة القدوم إلى أمريكا والعيش والحياة في أمريكا والتأثير في الحياة الأمريكية. ويوجد في الدور الأعلى لوحات جدارية، إلى جانب العديد من الآثار البابلية والخرائط التاريخية للوطن العربي كالحجاز وبلاد الشام واليمن وغيرها؛ ومجسمات لعلماء ومفكرين ورواد عرب ومهاجرين سوريين وفلسطينيين ويمنيين ولبنانيين وآخرين عملوا في الكتابة والغزل والزراعة والتجارة. ويبرهن المتحف بأن العرب الأمريكيين غدوا شيئاً أساسياً في نسيج المجتمع الأمريكي، حيث نجدهم في كل مكان تقريباُ.. يومها تحدث عمدة مدينة "ديترويت" السيد "كوامي كيلباتريك" للحضور قائلاً: "هذا المتحف هو لكل فرد وأنه لمن السعادة أن نرى هذا اليوم قد أتى أخيرا حتى يمكننا التعرف على الكثير عن تاريخ العرب الذين قطعوا آلاف الأميال وعبر بلدان عديدة حتى يستقروا هنا في جنوب شرق ولاية ميتشيغان. العرب هم جزء من حضارتنا ونشكر الجالية العربية على هذه الخدمة التي تقدمها لنا كمجتمع أمريكي، ونشكر الجالية على كل ما قامت به لإنجاز هذا المتحف ودعونا نواصل مسيرتنا معا. قبل أسبوعين في 10/6/2007 كان افتتاح المهرجان العربي السنوي الذي يقام في مدينة ديربورن ويحضره دائماُ عرب وغيرهم من مختلف الولايات بمشاركة مسئولين كبار في الولاية والمدينة وممثلين من الجمعيات والمؤسسات العربية وقد شاركت في هذا الافتتاح المؤسسة اليمنيةالأمريكية للنشاط السياسي والجمعية الخيرية اليمنيةالأمريكية وخلال الاحتفال التقى ممثلو الجالية اليمنية بالسيدة جنفر حاكمة الولاية وناقشوا معها جملة من القضايا التي تصب في مصلحة الجالية اليمنية والعربية ككل. في 20 مايو 2007م قام نائب رئيس تحرير صحيفة سبأ الأمريكية حكيم المسمري ومدير تحرير نادي المغتربين مراسل "نبأ نيوز" بزيارة خاصة إلى المتحف العربي الأمريكي من أجل إطلاع الإخوة القادمين من خارج متشغان بدور الجالية اليمنية في الولاية ووجودها الكبير في أوساط المجتمع وأهمية المتحف العربي الأمريكي في توثيق العلاقات وتقويتها.. وشارك في الزيارة الشاعر حسين الحمري والشاعر علوي الريوي الذين قدما من ولاية نيويورك للمشاركة في الأمسية الشعرية بمناسبة احتفالات المغتربين اليمنيين بالعيد الوطني 17 من قيام الجمهورية اليمنية. كان بعض الأخوة المسئولين هناك وقد التقينا هناك بالأخ نائب رئيس كونجرس المؤسسات العربية الأمريكية الأستاذ علي قاسم بالعيد المكلاني نائب رئيس المركز العربي الأمريكي (أكسس) رئيس المجلس الاستشاري للجمعية الخيرية اليمنيةالأمريكية الذي رتب للزيارة. والمعروف إن هذا المركز (أكسس) هو الذي أشرف على بناء المتحف العربي الأمريكي في ولاية متشغان. كانت جولة سريعة برفقة الأستاذ علي المكلاني الذي أطلع الزوار المرافقين ببعض مرافق المتحف ومخزوناته الثقافية والحضارية والأدبية وشاهدنا ملامح ونبذ من التاريخ والحضارة اليمنية وقصص عن حياة مهاجرين يمنيين من مختلف الولايات أهتم المتحف بعرض مشاهد من حياتهم في المهجر الأمريكي. أما عن رحلتي التي تتكرر شهريا إن لم تكن أسبوعيا إلى هذا المتحف، فيمكنني القول عزيزي القارئ بأنك عند دخولك ستجد نفسك أمام عنوان بارز يذكرك في اللحظة الأولى بفن الحضارة وروعة الجمال ودقة الهندسة وذلك حين تنظر إلى أبرز جزاء من تصميم المبنى وهو قبة إسلامية الطراز تشكل قسما من سطح المتحف منقوشة من الداخل بكتابة بخطوط عربية تكرر اسم المتحف , والواجهه الخارجية لمبنئ المتحف العربي الأمريكي المطلة أعلى المدخل الرئيسي للمتحف .. فإنها ستنال إعجاب كل من نظر إليها مندهشا من عمق الزخرفة العربية وروعتها وجمالها.. وقد رأيت احد الزوار واقفاً أمامها متأملا وكأني به يسأل نفسه ماذا تعني هذه الخطوط المتشابكة مع بعضها وبمقاييس متعددة ودقيقة ومبهرة داخل دائرة واحدة، والذي يشكل مجموعها كلمة ( المتحف العربي الأمريكي ).. هكذا رأيت البداية في جدران المتحف من الخارج المعرضة لكل عوامل الزمن فكيف بالداخل الذي يضم كل ما هو غالٍ وثمين. في البداية أنتسبت لعضوية المتحف العربي الأمريكي في عامه الأول باشتراك سنوي بمبلغ زهيد وكان الهدف التمتع والاستفادة بكل مكونات ومعروضات المتحف الحضارية والإنسانية.. قبل الدخول إلى صالات المتحف تلقى استقبالاً ودودا من قبل موظفي المتحف وذلك بالطابق الأول والذي من خلالهم تحصل على معلومات خاصة بأعمال المتحف تنقلك مباشرة إلى عالم الحضارات ومدن الحب والجمال وتاريخ الشعوب.. وقتها تدرك أنه يجب عليك أن تستعد لمشاهدة لوحات فنية وصور فوتوغرافية وقطع أثرية قيمة بشعور خاص واحترام ممزوج بانتباه كبير خوفا أن تكون سببا في خدش أو إيذاء ما تشاهده. بل وحرصا منك لمشاهدة جميع المعروضات بتمعن ووقفات، في الطابق الأول تجد عدة غرف منها غرفة متوسطه عبارة عن ( مكتبة ثقافية ) مملوءة بمختلف الكتب التاريخية والثقافية ونسخ لصحف عربية أمريكية شهيرة مثل صحيفة "الأمة" و"صدى الوطن" و"الحدث" و"الحرية" وشاشات الكمبيوتر المتصلة بشبكة الانترنت خصصت للأعضاء المشتركين للاستفادة وممارسة الحياة بشكل أفضل وممتع ، وأخرى تضم العديد من اللوحات الفنية للكاتب والرسام والنحات العربي العالمي ( لبناني) الأديب جبران خليل جبران يجد الزائر فيها بعض اللوحات الفنية الجميلة التي تعرض باستمرار والذي تحضى باهتمام بالغ من قبل الزوار وذلك لشهرة الفيلسوف ( جبران ) العالمية. ومن كلمات هذا الأديب "إن محبة الوطن عاطفة وضعية في الإنسان فإذا عانقت الحكمة هذه العاطفة تنقلب فضيلة عالية ولكنها إذا خاصرت الادعاء والبهورة تتحول إلى رذيلة قبيحة". أما عن باقي غرف الطابق الأول فهي خاصة بالموظفين وأشياء اخري للمتحف، ومنها مصعد واسع يؤدي إلى الطابق الثاني وفي منتصف الصعود تتوقف حتما لان هناك على الجدار المقابل لصالة الدور الثاني منظر يترجم ما بداخل المتحف ويبرهن محتوياته حقا فهيا لوحة فنية نادرة في غاية الجمال والروعة وتحفة من الطراز الجديد كما تشاهد صورا فوتوغرافية متنوعة دمجت على شكل قطعة واحدة وتمثل هذه الصور أبرز المعالم التاريخية لجميع الدول العربية. بالطبع لقد انتابني الحنين حين شاهدت منظر من مناظر مدينة التاريخ صنعاءاليمن، وعادت بي الذاكرة إلى تلك المدينة المسورة بالأساطير ومهد العرب الأول، وتمنيت لو أن هناك أكثر من لوحة فنية أو قطعة أثرية عن الحضارة اليمنية في هذا المتحف عند وصولي إلى طابق المبنى الثاني لم أعرف من أين أبدأ الرحلة لكثرة صالات العرض والمداخل المتعددة والمعروضات التي تثير الإعجاب. ساعتها كان عدد الزوار لا بأس به ، وأكثر الزوار هم مجموعة من الطلاب الذين دائما يحصلون على تخفيضات ممتازة لمثل هذه المشاركات الثقافية فجعلت أتابع معهم الرحلة الخيالية وسررت أكثر بهذا التزامن خاصة بوجود الأساتذة المشرفين على الرحلة الطلابية وذالك من خلال شرحهم المفصل لمحتويات المتحف وكشف أسرار عديدة للحضارة العربية بمختلف العصور.. لقد رأيت الكثير من الصور عن التاريخ القديم من مختلف الدول العربية مثل أهرامات مصر، وحدائق بابل، وعرش بلقيس اليمن ومن لبنان وسوريا والعراق والسعودية والمغرب .... الخ. ويقوم المتحف – أيضاً- بعرض العديد من الأعمال التي تهتم بالتنوع في مساهمات الفنانين والفنانات العرب الأمريكيين ويعد معرضاً بارزا ودائما لأعمال فنية معاصرة للجيل الأول والثاني من الأمريكيين العرب في حين إنهم يجذبون المتفرج بروح الدعاية وبالقصة الرمزية وبالأسلوب المتأمل.. وهذا المعرض الذي يقع في منطقة ديربورن بولاية ميشغن الأمريكية ليس شاملا لفن العرب الأمريكيين بل جانبا من الأعمال المعاصرة لفنانين عرب أمريكيين وهم دائما في تزايد مستمر. لقد صار لنا نحن عرب أمريكا معلما بارزا نستطيع التفاخر به أمام الآخرين ليس هذا فحسب بل وهذا هو المهم في الأمر تعريف الآخرين عن حضارتنا وإبداع أمتنا عبر مختلف العصور.. وفي أخر الزيارة كشف لنا مسئولون في المتحف عن رغبتهم في عرض المزيد من المواد التي توضح دور وأهمية وعظمة الحضارة اليمنية العريقة.