في واحدة من أكثر القراءات شفافية وصراحة، كشف الدكتور صالح باصرة- وزير التعليم العالي والبحث العلمي- عن كمٍ كبير من المخازي التي تعيشها الكثير من الجامعات الاهلية والخاصة، وعن إرساله لجنة إلى السعودية ل"ستر فضيحة" ما وصفه ب"سوق الصيد" للطلاب، مؤكداً أن القانون لا يساعده في اتخاذ معالجات تمنع وجود فوضى انتشار التعليم العالي الخاص والاهلي في اليمن. وأوضح الدكتور باصرة- في سياق محاضرة ألقاها أمس الخميس بمؤسسة السعيد للعلوم والثقافة بتعز- أنه لا يستطيع إيقاف هذه الجامعات غير القانونية التي قامت بعضها بالنصب والاحتيال على الطلاب، وذلك لعدم وجود حكم قضائي بات يوقف هذه الجامعات. واستشهد الدكتور باصرة بجامعة العلوم التطبيقية، قائلاً: انها لها ثلاث سنوات مفتوحة منذ ان تم الإعلان في الصحف أنها غير معتمدة، مبيناً ان هذا يشجع جامعات أخرى على مزاولة العمل بهذه الكيفية وفي وضع غير قانوني. باصرة الذي عدد مثالب عدة للجامعات الخاصة والاهلية في اليمن، أشار في الوقت نفسه الى أن الوضع ليس مخيفا إلى هذه الدرجة، فهناك جامعات خاصة وأهلية تريد ان تتطور، وبدأت حاليا تضع لنفسها مشاريع مستقبيلة وخطط تدريسية واضحة، وتمتلك بنية تحتية مناسبة مثل جامعة العلوم والتكنولوجيا، التي تتطور يوما بعد يوم، وتقدم خدمة تعليمية جيدة للمجتمع بصرف النظر عن انتمائها السياسي. وفيما يتعلق بجامعة الايمان، قال باصرة: لقد قلنا للشيخ عبد المجيد الزنداني أن جامعته في نظر الغرب إرهابية، وطلبنا منه أن يقوم بتسجيلها تحت إشراف التعليم العالي حتى نستطيع أن ندافع عنها.. فهو يريد أن تكون مخرجاتها تسمى (مشيخية)، ونحن نريد منه ان تعمل بنظام البكالريوس أربع سنوات، وله الحق فيما بعد أن يصف خريجها ب"شيخ" او أي اسم يختاره، طالما كانت تعمل تحت اشراف الوزارة. وكشف الدكتور باصرة- بصراحته المعهودة- سلبيات التعليم العالي الاهلي والخاص مستعرضا- في سياق محاضرته- عيوب هذا التعليم الذي بدأ يعمل في اليمن منذ عام 94م، مشيراً الى ان نظام القبول في الجامعات الأهلية والخاصة يستمر حتى أخر يوم دراسي في السنة بسبب جشع هذه الجامعات التي لا تحدد فترة محددة لعملية القبول، فأصبحت تقدم الشهادة للفلوس وليس للمعرفة. كما ان المنهج الدراسي غير محدد وجزء منه من صنعاء، وجزء أخر من عدن، فهي لا تملك خطة دراسية واضحة، فعندها الألفين الدولار أهم من الطالب، حتى ولو اقتضى الأمر تقديم هذا التعليم في شقق سكنية لا تتوفر فيها أبسط مقومات العملية التعليمية، لافتا إلى ان بعضها يمكن ان يتواطأ ويزور شهادات لطلاب في منازلهم كما حدث في مرات عديدة. وتابع باصرة يقول: الوضع أسوأ في الجامعات الخاصة مقارنة بالجامعات الأهلية كما هو الحال في كليات الاحقاف بحضرموت، والكلية الإسلامية بتعز، والفرقان بالحديدة، والإيمان بصنعاء.. فهذه تريد أن تتطور وتوجد لنفسها بيئة تعليمية مناسبة لأنها غير ربحية مقارنة بالجامعات الخاصة التي تقدم التعليم للربح. وفي موضوع الانتساب، قال باصرة: ان هذه مشكلة في الجامعات الخاصة حيث نتفاجا أن عشرات الخريجين حصلوا على شهادات دون أن يكونوا قد التحقوا أو انتظموا في هذه الجامعات، وهذا يشكل عبئا على الدولة فيما يتعلق بسوق العمل والتوظيف؛ فاذا كان التعليم من اجل الربح فالكل ناجح في هذه الجامعات. كما أن هذه الجامعات ليس لها وضع قانوني ومالي واضح اذ لم يتقدم أحد منها ليحدد رأسمال جامعته، فهم يتهربون، وكأن الجانب المالي سر كبير لا ينبغي كشفه لأحد؛ حتى اذا فلست إحداها أصبح مئات الطلاب بلا مستقبل ومصيرهم مجهول. وكشف النقاب عن أن أحدهم في منطقة عبس لأنه لديه ميكروسكوب و"شوله" قام بفتح كلية للمختبرات، ويعمل دورات تدريب. وكشف الدكتور صالح باصرة ان الوزارة منذ سنة ونصف تحاول ان تعيد هذه الجامعات الى القانون في مرحلته الأولى حتى تستوفي الشروط لأنها وجدت في مناخ غير قانوني. وأكد ان فضائح التعليم العالي الاهلي في اليمن امتدت الى الخارج، وقال: وجدنا في السفارة اليمنية في السعودية وقنصيلتها ما يشبه سوق الصيد في عملية تسجيل الطلاب، فهناك عشرين مكتباً وعشرين وكيلا، وقد حاولنا ان نضبط هذه العملية على أساس (فضيحة في الداخل أهون من فضيحة في الخارج) ولهذا قررنا تكليف لجنة للذهاب الى السعودية لضبط العملية وستر الفضيحة. وطالب باصرة بإعادة النظر في الثانوية العامة التي اعتبرها بوابة الغش الذي أصبح اليوم يمارس بالميكرفون ويتم التخطيط له في جنح الظلام، فاصبح الطالب الحاصل على امتياز ليس بالضرورة متفوق فالعكس قد يكون صحيح في ظل هذا الوضع. وأكد ان الوضع لن يستمر طويلا، وسيكون هناك محاسبة، وتغيير لهذه الجامعات اذا لم تقم بتطوير نفسها على أسس ومعايير، منوهاً إلى ان هذا النوع من التعليم كان هو الأساس في التعليم العام والحكومي في العالم العربي والعالم . وفيما حملت مداخلات المشاركين ثراء لقضية التعليم العالي الاهلي في اليمن، لطف الأستاذ (دباب) جو قاعة السعيد الذي امتلاء بالطالبات والطلاب وعدد من الاكاديمين ورؤساء الجامعات الحكومية والاهلية، وذلك في اشارة من باصرة الى ان كثيراً من أساتذة الجامعات أصبح يتنقل في الدباب (باص الاجرة) من جامعة الى أخرى على غرار وضع المدرس الجامعي في مصر الذي يعمل سائقا للتاكسي، فاطلق عليه المصريون (استاذ تاكسي)! وهو ما عقب عليه مدير عام مكتب التربية والتعليم بمحافظة تعز قائلاً: ان وضع التعليم العام لا يختلف كثيرا عن وضع التعليم العالي فاذا كان يوجد مدرس جامعي بدرجة استاذ "دباب"، ففي التعليم العام يوجد استاذ "موتور" في اشارة الى ان كثير من المدرسين في التربية والتعليم يعملون سائقي موتورات الى جانب وظائفهم . وقال وزير التعليم العالي: لقد كان مأمولا من هذه الجامعات الخاصة ان تخفف العبء على الجامعات الحكومية، وتنافسها وان تقدم تخصصات غير موجودة في الجامعات الحكومية، وان ترفع من معدل نسب الالتحاق للطلاب، ولكننا نجد ان التخصصات الموجودة في التعليم العالي الحكومي هو نفسه في التعليم العالي الخاص. وكشف باصرة في ختام محاضرته: ان هناك جامعة أمريكية قادمة سيتم فتح فرع لها في صنعاء برأس مال يبلغ (100) مليون دولار، وجامعة ماليزية، وأخرى لبنانية في عدنوصنعاء، وهناك الجامعة اليمنية الأردنية التي ستقام براس مال (10) مليون دولار في عدن. حضر المحاضرة فيصل سعيد فارع مدير عام مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة بتعز وجمع غفير من المهتمين والباحثين.