اليمن هذه المعشوقة الوادعة الساكنة والتي كلٌ يدعي وصلها، ويرمي كل عاشقٍ عاذله بالخيانة ليحظى بالقرب منها، إلى متى ستتحمل منا أخطاءنا ومعاصينا وأوزارنا، وهل لزاماً على كل من أراد أن يقترب منها أن يعلن انتماءه أولاً لحزبٍ سياسي، أو مذهبٍ ديني، أو معتقدٍ فكري، أو طائفة، أو طبقة، أو عنصر، ألا يمكن لي أن أُعطى صك المحبة لأني يمني وحسب، أم محالٌ علينا ذلك؟ هل قدرك أيها اليمني أن تظل راكعاً في محراب سادتك، وأن تصنع من التمر تمثالاً فتسلمه شهوة بطنك، وشهوة عقلك لتأكل منه إذا جعت وتهديه لمن تشاء إذا حصلت لك عنده منفعة، هل علي لأثبت حبي أن أكون منقاداً ضمن القطيع وإلا اتُهمتُ بأني صبيٌ غافل أو طفلٌ رضيع؟ هل علي ياوطني لكي أحبك أن أبتاع طوقاً من ذهب لأقلد به عنقي وأهب طرف سلسساله لشيخٍ يتوعدني بنار جهنم إن أنا خرجت عن طريقه، أو أسلمها إلى قوميٍّ يطعنُ في انتمائي وولائي، أو حاكمٍ يبحث عن سقطاتي وزلاتي.. هل قدري أن أختار إما أن أتبتل ليلي في محراب العاكفين لأنضم إليهم في حزب التنقيب عن النوايا، أو أمضي نهاري صائماً عن الكلام عن نقد من يتولون أمري حتى لا تتيه حريتي؟! فأصبحت أسير تهمتين بالعمالة فإن أنا لزمت الصمت عن فساد بلادي فأنا عميلٌ سلطويٌ فاسد، وإن صرخت بأوجاع وطني فأنا عميلٌ انفصاليٌّ جاحد. اليمن .. هذه المعشوقة التي وقعت فريسةً بين حبِّ هابيل وغدرِ قابيل؛ وتاهت بين فُحشِ قارون وبطشِ فرعون؛ وتناثرت ذرات ترابها بين قوة طالوت وظلمِ جالوت، كلما اقترب منها عاشق لسعته نيران أدعياء حبها؛ وكأنه بات لزاماً على من يعشقها أن يقدِّس رهبان الليل الجاثمين حولها حتى لا تناله سياطهم. وطني يقبع بين ثنائيات؛ فيجب علي أن أحمل في جعبتي ما يثبت يمنيتي، أتشح في كل طريقٍ أسلكه لوناً يناسب ساكنيه؛ فحتى أنال صك الولاء يجب أن أحدد أي الثنائية أتبناها هل أنا سنيٌّ أم شيعي؟؛ لحجيٌّ أم حوثيّ، شماليٌّ أم جنوبي، وحدويٌّ أم انفصالي، مؤتمريٌّ أم إصلاحي، مسلمٌ أم يهودي؟! أسفي على وطنٍ يُمسك كل فردٍ فيه بخنجره المسموم خلف ظهره ليطعن به أخاه، والعالم من حولنا يتفرج ويشاهد ويتأمل؛ فلا يجد من أخبار بلادي إلا مواجهات، ومصادمات، وتبادل اتهامات، أحزابٌ وأفراخُ أحزاب، وصحفٌ صفراء وبيضاء وحمراء، وطعن في الولاء والانتماء، وتهمٌ جاهزة يتم توزيعها بإثبات أو بدون إثبات؛ وضيق أفق من سماع النقد؛ وتحويرٌ وتحريفٌ للنوايا، وتسابقٌ محمومٌ على العرش ولا نعلم ماذا سيقدم أناسٌ لأوطانهم قضوا جُل حياتهم في صراعٍ على الكرسي حينما يصلون إليه متناسين دورهم في البناء والتنمية، في تأهيل الشباب، في التطوير، في اتساع المشاريع رغم أنهم يملكون من القدرات المالية ما لو أنفقوا من أجل ذلك معشار ما ينفقوه على ملصقاتهم الدعائية، وخططهم الحزبية لكفاهم. وطني .. يبدو مكتوباً على اللوح منذ الأزل: أن لا يحبك إلا أصحاب الأعراف. كاتب صحفي – الرياض [email protected]