أي خواء روحي وعاطفي ووجداني وإيماني وعقائدي ومبادئي وزحلي ونرجسي وبطيخي هذا الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية، وأي انحلالٍ أخلاقي وتربوي هذا الذي وصلنا إليه . كم هي الصاعقة التي ليتني لم أسمعها حينما فاجئنا الأديب التركي غزوان نصري وهو يدلي بشهادته في إحدى القنوات الفضائية عن ذهول المجتمع التركي من (سماعهم) بمسلسل اسمه (نور) أو آخر اسمه (سنوات الضياع) يعرض على شاشة عربية في منطقة عربية إسلامية؛ المجتمع التركي (المحافظ) الذي ظلمه ذلك المسلسل وظلم هويته كما ظلمت أفلامنا العربية هويتنا وخذلتنا في أمانة التعريف بنا وبقيمنا عند غير المسلمين وعند الغرب عموماً.. المجتمع التركي بشهادة أحد أبنائه يستنكر وجود مسلسل بهذا الاسم ويعترف بأنه (ربما) كان ضمن الأعمال الدرامية التي كانت إبان حقبة زمنية سحيقة لا يتذكرونها هم بأنفسهم؛ وسماسرتنا من القائمين على الإعلام يخدعوننا باستيراد ما يرقعون به إفلاس جيوبهم بل ضمائرهم قبلها. لا أدري هل أضحك أم أبكي .. أتراكٌ غير معروفين عند ذويهم .. ومكسيكيون منفيون على حدود أمريكا وأنتم ياعرب مقلب النفايات لهؤلاء وهؤلاء فعقولكم فيها من الخواء ما يمكن أن يتسع لآلاف القاذورات .. ومستنقعاتكم وحلة بما يكفي ملايين الميكروبات .. بين ليلة وضحاها أصبح أولئك النكرات أبطالاً تفتح لهم قاعات الشرف في مطاراتنا التي يقبع على صالاتها عشرات المرحلين العرب من أوطان عروبتهم؛ بل أصبحوا نجوماً يعتدُّ بهم ويضرب بهم المثل. ربما سيأتي علينا زمنٌ نتباكى فيه على حشمة نانسي، وعلى رزانة أليسا، وعلى رقة هيفاء أمام ما سيأتينا من (خنثويون) نستوردهم من الخارج نكللهم بزهور وعطرٍ ورياحين وكأنه لا يكفينا ما ابتلينا به من (جنس ثالث) و(جنوس) و(بويات) نبحث في علاج مشاكلهم حتى نضرم في فتيلهم النار بدلاً من أن نطفئها. نعم . سيظل مهند ونور مجرد فقاعات صابون سريعاً ما تزول ولكن حتماً سيأتي بعد مهند مهند آخر وثالث ورابع كما جاءت قبله الكساندرا وخوليو ونيتالا وماريا .. ونظرية في غاية الأهمية نستخلصها من هذا المسلسل وهو أن أمتنا بخير، ومجتمعاتنا بخير، ولكن الشر كل الشر بما لا يدع مجالاً للشك هو في رؤوس الأموال تلك والتي لم ترع الله حقاً في ما استأمنها الله عليه وأخذت تسخِّر ذلك المال في تفتيت الأخلاق ودك جبالها حتى تكون هي والأرض سواء.. أمتنا بخير بشهادة ما تزخر به صفحات الإنترنت ومنتدياته من تعليقات سخيفة من شبابها وبناتها على هذا المسلسل ومتابعيه؛ بشهادة الأقلام الجميلة الرائعة من شباب وصبايا في كل مجلة وموقع، بشهادة المداخلات التلفزيونية من حينٍ لآخر .. إذن من الذي يروج لهذا المسلسل ويظهره بهذا المظهر الأسطوري .. ببساطة إنه الإعلام الفاسد حين يكون بأيدٍ فاسدة؛ تشحذُ من استديوهات الشرق والغرب ما لف عليه الغبار على رفوف مكتباتهم من أشرطة مهما كان محتواها وهي تظن – بل للأسف تعلم – أن لديها شعوباً مستهلكة متعطشة لما يأتيها من كل حدبٍ وصوب. أمتنا بخير بشهادة تلك الاستماتة التي يقوم بها أصحاب هذه المشروعات الإعلامية الفاسدة من حشو بالإكراه وحشدٍ منقطع النظير لتسويق رسائلها البذيئة وإلا فما معنى أن يتم عرض مثل هذه الأعمال لأكثر من ثلاث إلى خمس مرات في اليوم الواحد، وتعرض إعلاناته في أواسط فقرات كل برنامج من برامج المحطة بل وفي برامج مجموعتها الفضائية كاملة؛ وتنشأ المنتديات والمواقع الإلكترونية الخاصة.. هل كل هذا الحشد وهذا التفاعل نابعٌ من فراغ إن لم يكن الغرض منه إقحام هذا العمل إقحاماً علينا وعلى ثقاتنا.. ليس هذا فحسب بل وإرسال دعوات الزيارات الرسمية لشخصيات هذه المسلسلات حتى تلامس جلودهم جلود بناتنا فليس الإعجاب عن بعد وحده كافياً فلابد أن تتسابق الحسناوات في قاعات المطار إلى أحضان مهند يبحثن منه على قبلة أو لمسة يد.. فعلاً إننا نعيش بجدارة (سنوات الضياع). سحقاً له من إعلام.. كاتب صحفي يمني – الرياض [email protected]