اتخذت إسبانيا من قتل الأثوار رياضة وموروثاً تقليدياً تحافظ عليه رمزاً لحضارتها العريقة،هذه الرياضة أو لنقل قتل الأثوار تثير شغف المواطن الإسباني الذي يعشقها بجنون ومعه آلاف السائحين من الدول الأخرى الذين يحضرون لمشاهدة قتل الأثوار ويصفقون بحرارة بعد كل ثور يسقط قتيلاً ويرفع القاتل - عفواً - الرياضي يديه بشكل تقليدي فخوراً بقدرته على قتل الحيوان المسكين وسط ارتياح وساعده آلاف المشاهدين.. ونحن في اليمن لنا تقليدنا أيضاً في التعامل مع الأثوار، هذا التقليد أو العرف جعل الأثوار حاضرة وبقوة ولا تكاد تغيب عن المشهد، وأصبحت مشاهدة الأثوار وهي تُذبح مشهداً مألوفاً، ولا أقصد الذبح بغرض بيع لحمها أو في الحفلات والمناسبات فهذا أمر لا غبار عليه وإنما أقصد تلك الأثوار التي يتم ذبحها بموجب حكم قبلي أو «صلة» مجني عليه أو لمسئول أو شيخ.. إلخ. وإذا ما استمررنا بحل قضايانا بذبح الأثوار وتقديمها قرابين نكفّر بها عن أخطائنا وتجاوزاتنا وإهدارنا حقوق الآخرين وإبقاء الثور حاضراً حتى في جرائم القتل والاعتداء وفي كل عمل نرتكبه مخالف للنظام والقانون ويوجب العقاب الرادع لمن ارتكب هذا العمل فلا نستعبد أبداً أن تدرج الأثوار ضمن الحيوانات المهددة بالانقراض.. خصوصاً إذا كانت جميع الأحكام «بالمحداعش» وهو مصطلح يتم بموجبه مضاعفة غرامة التأديب إحدى عشرة مرة في كل قضية يتم الحكم فيها قبلياً، ولنا أن نتصور كم من الأثوار سيتم ذبحها لحل قضايا تكاد تكون يومية وكم بلغ سعر الثور اليوم، ولستُ هنا أدعو إلى تحريم ذبح الأثوار وأكل لحمها فهي من اللحوم المحللة للمسلمين وأعوذ بالله أن أحرم ما أحل الله لنا، كما لا أقصد التعرض والسخرية من أحكام العرف القبلي والتقليل من شأنها، فهي على الأقل أحكام نافذة وملزمة لجميع الأطراف ويتم إصدارها بفترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الشهر، على عكس الأحكام القضائية التي يستغرق إصدار الحكم فيها سنوات طوالاً، ورغم هذه الفترة الطويلة لا يتم تنفيذها وتبقى مجرد حبر على ورق ولا تستطيع المحكمة تنفيذ ما جاء في الحكم الصادر عنها حينما يكون الطرف المنفذ ضده صاحب نفوذ أو مال.. إلا أن تناولي لهذا الموضوع من باب الشفقة على هذه الأثوار التي يتم ذبحها لتحمي إنساناً بالغاً عاقلاً ارتكب جريمة توجب أن يناله العقاب جزاء ما اقترفت يداه، ويكون اللجوء إلى التحكم القبلي إضعافاً للقانون وتشجيعاً على الاستمرار بأعمال مخالفة للقانون ويتجرؤون على التمادي في جرائمهم أكثر وأكثر مادامت النهاية معروفة والعقاب «ثور» بين الناس تحسب وصلة لأهل المجني عليه أو المعتدى عليهم والدنيا سلامات، طبعاً بغض النظر عن عدد الأثوار فهذه الأمر مرهون بمكانة المجني عليه وثقل قبيلته وقدرتهم على الضغط ومواجهة الجاني وقبيلته،أما إذا كان المجني عليه بدون قبيلة ولا أهله معهم نفوذ ومال، فثور واحد والثور كثير.. ولا تسأل عن القانون لأنه ببساطة كثير من رجال الدولة وحماة القانون هم أول من يخترقون القانون ويخالفون النظام ويسعون إلى إضعاف هيبة الدولة لمصالحهم الشخصية وإبقاء باب رزقهم مفتوحاً على مصراعيه. وقبل هذا كله.. من يحمي الأثوار ويحفظ دمها المهدور حتى لا تبقى تذبح نيابة عن قاتل أو قاطع طريق، خارج على القانون ومخالف للنظام. قال تعالى «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب » صدق الله العظيم.. فأين القصاص مما نحن فيه وهل ذبح ثور نوع من أنواع القصاص؟