الكاتب الأميركي ري براد بري يُعَدُ من أشهر كُتّاب الخيال العلمي المعاصرين الذي أطَّر قصصه بأجواء مشاعر الرعب من قِوى مجهولة تهدد الجنس البشري الضعيف إزاء هذا الكون المليء بالأسرار الغامضة ، إن أسلوبه الشفاف ولغته الشعرية قد جعلا من قصصه رموزاً مفعمة بالدلالات إضافة إلى كونه كاتب سيناريو من الطراز الأول قد حظي بالكثير من الجوائز وله أكثر من عشرين رواية ومجموعة قصصية من أشهرها: 1- رواية العصور المريخية 1950 - التي عكس فيها أيام القلق من الحرب النووية والعودة إلى بساطة الحياة والدعوة إلى نبذ العنصرية. 2- مجموعة الرجل المُوشَّى- التي أخذت منها هذه القصة. 3- مجموعة آلات السعادة . 4- مجموعة يوم أمطرت إلى الأبد...الخ في هوليود تحولت الكثير من قصصه إلى أفلام . **ماذا ستفعلين لَو عَرِفْتِ أنَّ الليلة هذي ستكون الأخيرة للدُنيا ؟ ماذا أفعل ؟! هَلْ أَنْتَ جاد ؟ نَعم ، كُلُّ الجِديَّة . لََمْ أُفَكِّرْ في مثل هذا الأَمْر مِنْ قَََََََبْل . كانَت ابنَتاهُما تَلهوان بالمُكعبات المُلوَّنة تحت ضَوء المِصباح الأخضر، مَلأ فنجانه بالقهوة ، مَساءٌ بنكهة القهوة ،وقال لها:- حَسَناً ، من الآن أَفْضَل لََكِ أنْ تُفَكرِ بالموضوع . أتعني ما تقول ؟! أومأ برأسه فسألَتْهُ : تَقْصُدُ حرباً كونية ؟ هَزَّ رأسه نافياً فََعادَتْ تَسْأَل: قنبلة هيدروجينية أَمْ ذَريَّة ؟؟ كَلاْ الحرْبُ الجرثومية إذاً ؟ لا هذهِ ولا تِلْك أَبَداً . ثُمَّ وهو يحرِك قهوتَه ببطء أردَفَ قائلاً : لِنَقُلْ إنَّ الدُنْيا سَتُطوى كطَيِّ كِتاب . لا أفهم ؟ ولا أنا ، صَدِّقِيني إنَّه مُجَرَّد شُعور يَقِضُّ مَضْجَعي أحْياناً وأحياناً يَتْرِكُني أنام بِسَلام قال هذا وتَطَلَّعَ إلى شعر بِنتيه الأصفر في بريقه تحت المصباح ، ثم قال لها : ذلك كان قََبْلَ أرْبَعِ لَيال . ما الَّذي حَدَث ؟ إنَّها مُجَرَّد رؤيا ؛ تراءى لي في المَنام إنَّ كُل شيء آيل إلى الزوال ؛ سَمِعْتُ منادياً يعلن بصوتٍ ليس ككل الأصوات ، إنَّ الدُنيا فَناء . وفي الصباح ، نسيت الموضوع وذهبتُ إلى عَملي حيثُ رَأيتُ " ستان ويلز" ظُهراً يتطلع خلال النافذة فقلت له ، "هات ما عندك ، أقولُ لَك بِمَ تُفَكِّر" . فقال إنَّه الليلة الماضية رأى رؤيا ، و قَبل أن يكمل حديثه عَرِفتُ ما رأى و لَمْ أشأ أن أسبِقَه فأصغيت إليه .. و هل رأى الرؤيا ذاتَها ؟ نعم الرؤيا نفسها بالضبط ، و لما أخبرته إنني رأيت الرؤيا ذاتها لم تبد عليه الدهشة إنَّما شَعَر بالارتياح ورحنا نتجول في الدائرة على غير هُدى ؛ لَمْ يكن في نيتنا التجول مُطْلَقَاً إنَّما سِرنا هكذا ورأينا بقية الموظفين ؛ مِنهم مَنْ انْكَبَّ على أوراقهِ ومنهم مَن كان يُحَملِقُ بيديهِ وكأنَّه يراهما لأول مَرَّة ومِنهم مَنْ كان يحملق عَبْرَ النافذة بذهول، تَكَلَّمتُ مع عدد قليل منهم وكذلك فَعَلَ ستان و هَل رأوا الحُلمَ نفسه ؟ نعم ، جميعهم دون استثناء . وَ هَلْ تُصَدق هذا الكلام ؟ نَعَمْ كُل التصديق . و متى تنتهي الحياة على وجه البسيطة ؟ ليس لَنا غير سواد هذه الليلة ثم ينتهي كُلُّ شيء. جَلسا صامتين يرتشفان قهوتهما وهما ينظران إلى بعضهما بهدوء . هَلْ نستحق يا تُرى مثل هذه النهاية ؟ سَأَلَتْهُ . القضية لَيستْ قَضية استحقاق ، إنَّما هي أمور لا نَجِدُ لَها تفسيراً . أظنُّ أن السببَ واضح . أتعنين الرؤيا التي رآها الجميع؟ أومأت بالإيجاب هادئة وهي تقول : لََمْ أكن راغبة بالحديث مع نساء الحي وهُن يتحدثن عن الرؤية نفسها ؛ أعتقد ان الأمر من باب الصدفة . ثُمَّ تناولت صحيفة المساء فقال لها : لم تذكر الصحف شيئا عن الموضوع ! ما دام الجميع يعرف ، لا حاجة لنشر الخَبَر . استلقى على الكرسي وهو يُطيلُ النَظرَ إليها : هل أنتِ خائفة ؟ رغمَ أنني كنت دائماً أخاف لكنني لستُ خائفة الآن . أين استعدادات الوقاية الذاتية التي تكلَّموا عنها كثيراً ؟! لا أدري ! ما عليكَ إلاّ الهدوء ودَعْ الأُمور تسير ؛ هي ذي حياتُنا نحن البشر لا بُد من النهاية . هَلْ كُنَّا في دربِ الضلالة ماضين ؟! كلا ، لكننا لَمْ نكن من الصادقين ، بَلْ لَم نكن شيئاً إزاء ما انغمس به العالم من أمور فظيعة . ظننتُ أن الناس سيبكون حال معرفتهم للنهاية . و لِمَ البُكاء و المصير محتوم ؟! أتدرين أنني لن أفتقد شيئاً عداكِ والبنتيّن ، أنتن الثلاث العزيزات ، سأفتقد النسمة العليلة و قدَح ماء بارد في يومٍ شديد القيظ وربَّما أفتقد النوم ، كيف سنجلس ونتحدث مرة أخرى ؟ ليس باليد حيلة . إنني أتساءل عَمَّا يفعله الآخرون في مثل هذه الساعات الأخيرة . لعَلَّهم يشاهدون فِلماً أو يستمعون إلى آخر الأنباء ، قد يلعبون الورق ويضعون أطفالهم في فراشهم وينام الجميع مثل كُل ليلة . ممارسة الأعمال اليومية وكأنَّ شيئاً لَمْ يكن يتطلب شجاعة فائقة . مَرَّت لحظة سكون وصَبَّ لنفسه فنجاناً آخر من القهوة . لِمَ تظنُّ أن الساعة آتية لا ريَبَ فيها الليلة هذي دون غيرها ؟ سأَلََتْهُ ثُمَّ استطردت قبْلَ أن يجيبها قائلة: لِمَ الليلة هذي بالذات دون مئات من الليالي الماضيات ؟؟ رُبَّما لأنَّ تُلكم الليالي لَمْ يصادف التاريخ فيها 19-9-19990 هي ذي ليلة هادئة تمضي بنا إلى الأجل الموعود . ثَمَّة قاصفات إستراتيجية تتناوب في عبورها للمحيطات ضِمْنَ برامج مُحددة لَها ، قََدْ لا تجد هذه الطائرات مِهبطاً لها الليلة على الأرض . هذه واحدة مِنْ علامات الساعة . ما لذي نفعله الآن غير أن نغسل الصحون ؟. قال هذا ونهض من مكانه ِ . راحا يغسلان الصحون و يرتِّبانها أحسن ترتيب وفي الثامنة والنصف حملا بنتيهما إلى الفِراش وتَمَنّيا لَهُما بِالقُبَلِ ليلة سعيدة ، أُضيء مصباحا النوم في غرفة البنتيِّن وتركا الباب موارباً فقال الزوج وهو يخرج ملتفتاً إلى وراء وغليونه في فمه : إنني أتساءل ... ماذا ؟ أتساءل ما إذا نُغلق باب غرفتهما أمْ نتركه موارباً من أجل بعض الضوء .-هَل عَرَفت البنتان بأمر الليلة ؟ بالطبع لا تعرفان . وعاد السكون إلى الأبويَّن وهما يقلبان الصحف مرة ويستمعان إلى الموسيقى مرة أخرى ثُمَّ اقتربا ليجلسا قرب الموقد وهما يحملقان بجمراته حين دَقَّت الساعة العاشرة والنصف ثُمَّ الحادية عشر ثم الحادية عشر والنصف ، راحا يفكران كيف يقضي الناس هذه الليلة كلُّ بطريقته الخاصة . حسَناً . قال هذا وراح يقبِّلها طويلاً فقالت له : كُنّا خير شريكيّن لبعضنا . هل تريدين البكاء ؟ سألها فقالت : كلا لا أظن . طافا أرجاء البيت ثُمَّ أطفآ المصابيح ودخلا غرفتهما . وقفا في الظلام البارد رَبّي كَما خلَقتني وفتحا أغطية السرير . كَمْ هي نظيفة و مُرَتَّبة ! أشعر بالتَعَب . كُلُّ الناس مُتعَبين . استلقيا على الفراش فقالت له : مَهلاً سمعها وهي تنسَلُّ من الفراش نحو المطبخ ثُمَّ تعود لتقول : نسيتُ الماء مفتوحاً في حوض الصحون . ضحكا معاً ثُمَّ خَيَّمَ الصمت أخيراً وهما على فراش بارد يداً بيد و خَدَّاً على خَدْ . طابَتْ ليلَتُكِ . و ليلَتُكَ